randa
randa
أعمدة

عطر: احذر الشخصية العدوانية

04 أكتوبر 2017
04 أكتوبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

علم النفس من العلوم التي تشكل عاملا جاذبا بالنسبة لكثيرين، ربما لأن موضوعها النفس البشرية وخباياها وأسرارها، تحرر علم النفس من سطوة الفلسفة التي كانت تعرف بـ”أم العلوم” كونها تشمل كل المعارف.

لقد اهتمت الفلسفة بالنفس البشرية وغموضها،وغرقت بحثا في مصدرها وماهيتها ومعنى وجودها، حتى ذهب الإنسان القديم إلى الاعتقاد أن داخل كل إنسان يوجد إنسان آخر يحركنا وهو المسؤول عن الشر أوالخير الذي نقوم به.

لم يظهر علم النفس كعلم مستقل له فروعه وتخصصاته المتعددة إلا بعد انسلاخه عن الفلسفة وتبلوره مع بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، على يدِ العالم الألماني”فونت”، نحن جميعنا تقريبا لا نعرف أنه هو من أقام أوّل مُختبرٍ للدراسات والبحوث السيكولوجيّة،لأننا نربط علم النفس دائما بـ”سيغموند فرويد” العالم النمساوي اليهودي الأكثر شهرة في هذا المضمار كونه هو مؤسس “علم النفس التحليلي” حيث تحول معه إلى علم سريري علاجي، ورغم المغالطات الكثيرة التي تم الإضاءة عليها وتطويرها أو نفيها إلا أنّه لا زالت أفكاره اللبانة الأولى في هذا العلم.

هذه المقدمة مدخل لا تحدث عن تنامي ظاهرة الشخصية العدوانية في المجتمع .العدوانية حالة من حالات النفس البشرية التي يمكننا أن نقول أنّها باتت حالة تُرصد من حولنا وتحتاج أن ندق أجراس الخطر لنعرف ما الذي يحدث؟

يُعرف الإنسان ونفسيته من خلال مجموعة الخصائص التي تميزه، والتي تعرف بشخصيته فنحن ندرك طبيعة هذه الشخصية من خلال التعامل والتفاعل معها،وذلك من مجموعة التصرفات والانفعالات التي تقوم بها،ولعل أكثر ما يشكل قلقا بالنسبة للعلاقات هو التعامل مع شخصية انفعالية عدوانية قادرة على تجاوز المحظورات لتثبت نفسها وتلغي الآخرين.

تتميز هذه شخصية بعجزك عن التعامل معها لأنك لا تفهم مساراتها، وما الذي يرضيها وما الذي ينفرها، كونها مشوشة بأناها ومدمرة من غيرتها، فهي بحالة استعداد دائم لتخوض المشاحنات والمشاجرات بسبب وبدون سبب، وأنت تتعرف عليها من مزاجيتها المفرطة ووجهها المتجهم الذي لا يخفي قوة الطاقة السلبية في داخله وغالبا هي دائمة التوتر ترفض أي فكر مغاير لفكرها، وتتحسس من الأشخاص الذين يقتربون من دائرتها، فتنمو قوتها على التنافر ولا تتقن الانسجام، بالمجل لا يمكن التعامل معها أو تطويعها فهي لا ترى إلا نفسها ولا تسمع إلا صوت حقدها، هي شخصية قليلة الثقة بالآخرين، لأن ثقتها بنفسها معدومة وإن أظهرت شجاعة في التصدي، فهي مهزوزة من داخلها، ترتاب بالآخرين وتظن أنها مستهدفة تشعر بالعدوانية والاضطهاد وكأن العالم يصحو مع الصباح ليخطط لأذيتها.

من المهم أن ندرك أن هذا النمط من الشخصيات قد يبدو هادئا وطيبا في بداية تعاملنا معه ولكن فجأة تغلبه طبيعته، التي لا يمكنه السيطرة عليها، فينكشف الغطاء عنه لتظهر قباحة تلك الشخصية.

عوامل كثيرة هي الدافع لتنامي مثل هذه الشخصية وهي في الدرجة الأولى النرجسية المريضة التي تنعكس على الشخصية باضطرابات سلوكية،ومن المهم الحذر من مثل هذه الشخصيات التي ساهمت الظروف العامة بتكاثرها، فخطورة هذه العدوانية أنها قد تصبح مؤذية وشريرة وقادرة على الفعل الإجرامي. هي تصاب بعمى تحليلي فلا تتمكن من قراءة عقلانية للمشهد أو طبيعته ومسارته التفاعلية.

إذا كيف نتعامل مع هذه الشخصية؟ من المهم معاملتها بهدوء واستيعابها والتعامل معها بوعي معرفي والمحافظة على موقف ثابت أمام عنادها، وعدم الانجراف عاطفيا معها، لأنها قادرة على استغلال هذه العاطفة إلى أقصى الدرجات وفي النهاية الإنسان عدو ما يجهل ومتى عرِف سَلم.