المنوعات

ديوان المعولي.. شعر يمتاز بجودة السبك والعناية البلاغية

03 أكتوبر 2017
03 أكتوبر 2017

مسقط «العمانية»: لم تنفصل الحركة الثقافية والفكرية عن حركة التحديث والتطوير التي شهدتها عمان خلال حقبة اليعاربة (1034هـ - 1157هـ /‏‏ 1624م-1744 م)، فقد غدت الكثير من المدن العمانية مراكز إشعاع حضاري وثقافي، وقد حرص الولاة في المناطق التي نصبوا فيها على إيجاد مناخ علمي وفكري، فكانت الحصون مراكز قيادة وإدارة ومراكز نسخ للكتب وتعليم وتعلم.مسقط «العمانية»: لم تنفصل الحركة الثقافية والفكرية عن حركة التحديث والتطوير التي شهدتها عمان خلال حقبة اليعاربة (1034هـ - 1157هـ /‏‏ 1624م-1744 م)، فقد غدت الكثير من المدن العمانية مراكز إشعاع حضاري وثقافي، وقد حرص الولاة في المناطق التي نصبوا فيها على إيجاد مناخ علمي وفكري، فكانت الحصون مراكز قيادة وإدارة ومراكز نسخ للكتب وتعليم وتعلم.ومنح واحدة من المدن العمانية التي كان لها إسهام بارز في مختلف فنون الفكر والمعرفة، ونبغ منها عدد كبير من العلماء والفقهاء والشعراء والأدباء.ومن الشعراء الذين نبغوا في الصدر الأول لدولة اليعاربة الشاعر محمد بن عبدالله بن سالم المعولي المعروي المنحي الذي عاش جزءا كبيرا من حياته في القرن الحادي عشر الهجري وردحا من سنين القرن الثاني عشر الهجري.ففي خاتمة القصيدة التي رثى فيها علي بن سالم بن خلف سنة 1114هـ. يقول المعولي: وناظم هذا المعولي محمد سلالة عبدالله نجل المسالم ويومئذ فهو ابن سبعين حجة وعشر خلت في المدى المتقادم، وعلى ذلك يكون عمر الشاعر المعولي حينذاك في حدود الثمانين أما ولادته على هذا تكون في سنة 1034هـ.صدرت هذا العام 2017م الطبعة الثانية من النسخة المحققة من ديوان المعولي عن وزارة التراث والثقافة. يقول الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي محقق الديوان: «وكان المعولي يملك موهبة شعرية قوية، وملكة لغوية قادرة على التعبير عن عواطفه ومشاعره وكل ما يجيش به صدره من انفعالات وتجارب شعرية حافلة»، ويشير إلى الثقافة الشعرية للمعولي قائلا: «وقد ألم بتراث العرب الشعري، ووعى مختلف الثقافات الإسلامية والعربية؛ مما جعل منه شاعرا كبيرا يهز الجماهير العربية في عصره بشعره البليغ، وقصائده الباهرة، وغرر مدائحه الحافلة بكل معنى بديع، وأسلوب جميل، وفكر رفيع».يضم ديوان الشاعر المعولي قصائد بلغت مائتين وسبع قصائد، والناظر إلى الديوان يجد أن شعر المعولي يتميز بالسلاسة والعذوبة، وجودة السبك، والعناية البلاغية من استخدام للتشبيهات والاستعارات والمحسنات البديعية، والديوان يعبر عن الثقافة الشعرية واللغوية العالية للشاعر، وخاض المعولي في فنون الشعر الأخرى المعروفة كالمديح النبوي، والغزل، والرثاء والحكمة والإخوانيات، كما لا يخلو الديوان من قصائد تهتم بالشأن الاجتماعي، ويضم الديوان قصائد مخمسة وموشحا شعريا واحدا.كرس المعولي جل شعره لمديح أئمة اليعاربة كالإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي، والإمام سيف بن سلطان، كما كانت للمعولي قصائد رثاء في الإمام سلطان بن سيف وقصائد عتاب للإمام سلطان بن سيف بن مالك، ولكننا نجد أن غالبية قصائد المديح والثناء تصب في جانب الإمام بلعرب بن سلطان وحتى الدفاع عن بلعرب ضد مناوئيه والمنتقدين له.وتشير بعض القصائد إلى عمق علاقة الشاعر مع الإمام بلعرب بن سلطان حيث يؤرخ قصيدتي مديح فيه تعودان إلى سنة 1079هـ أي قبل تنصيبه للإمامة بفترة طويلة والقصيدة الأولى مطلعها:دعوه يبكي دما ودمعا ينـدب رســــما عـــفا وربعالا تعذلوه في الحب جهلا فهو عن العذل أصم سمعاوالقصيدة الثانية مطلعها:سقى بالمنحنى رسما وربعا ملث هاطل شـــــــــفعـا ووتـراأعاذل كف عذلك إن أذني لقد صمت عن التعذال سمعاوللمعولي قصيدة يوثق فيها بناء حصن جبرين، ويثني فيها على روعة البناء ودقتهورونقه. حظيت منح بمكانة شعرية مميزة في تجربة محمد بن عبدالله المعولي الشعرية ففي القصيدة الخامسة والأربعين التي أنشدها في صباه نجده يصدح بلوعة الحنين والشوق إلى منح حيث يقول:القلب طرسي والدموع مدادي والخط حشوي والدواء فؤاديوالشوق خدني والبكاء أليفي مـن بعــد بعـدكم حـرمت رقادييا ساكني منح فؤادي عندكم طــــــول الليـالي دائم بســـهاديجسمي معي والروح في منح ولي قـلب يعـــــذب في غــــــرام بلاديلا زلت موجوع الحشا بفراقكم يا ســـــاكـني مـنح وأهـــل وداديأودعتكم قلبي وروحي والحشا والعقـل ثم حشـــاشــــة الأكـبادما كان يوما بعـــــــدنا بمرادكم كلا ولا يا ســــــــادتي بمــــراديفعليكـــــــم منــــــي ســـــلام دائم باق إلى يــوم اللقــا ومـعـــــــــاديكما يوثق المعولي لتأسيس سوق منح سنة 1096هـ في عهد الإمام بلعرب بن سلطان بن سيف اليعربي، ونجد الشاعر في هذه القصيدة يتمنى أن يعود شابا:فآها لو يعود لنا شباب لكي نهنا ولم نخف المشـيباإذا آواك ذو كبر تقوى كأن به يرى عمـرا قشـــــيباومن يكثر مزارك لن يشيبا وبُعدك يجعل الولدان شيباكما يكشف عن علاقة الشاعر المعولي بالشاعر والفقيه العماني خلف بن سنان الغافري الذي تبادل معه الرسائل والقصائد بل إن المعولي قد عاتب الغافري ببعض شعره، كما رثى المعولي عدد من علماء منح وفقهائها.وللمعولي كذلك علاقات تجاوزت عمان مثل علاقته بشاعر من أهل الحساء لم يرد اسمه في الديوان، وقد قام هذا الشاعر بتوشيح قصيدة للمعولي أي جعلها على نمط الموشحات ومطلعها:يا صاح نصحا للنصيحة فاقبلا لا تبع عن طرق الهداية معدلاوللمعولي قصيدة لرجل من العجم يواسيه فيها لما أصابته الحمى، وتكشف القصيدة عن عمق العلاقة بين الرجلين:أمحمد بن محمد ابن المرتضى                إنا لفي شغل وإنك تعلملعب الأسى بقلوبنا وعقولنا                لما سمعنا أنك المتألملو تقبل الحمى فدى أو رشوة                            لتكف عنك نزولها وتسلم.