الملف السياسي

الصمت الدولي المخزي.. هل يكتب نهاية الروهينجا ؟

02 أكتوبر 2017
02 أكتوبر 2017

مروى محمد إبراهيم -

,, هل هي أزمة سياسية داخلية بين حكومة ميانمار وجماعة من «المتمردين» ؟.. أم أنها جريمة «تطهير عرقي» ضد أقليات الروهينجا المسلمة في ولاية راخين؟؟ ,,

هذا هو الجدل الذي انشغل به المجتمع الدولي ودول الجوار لميانمار، متجاهلين أو يحاولون التغافل عن كارثة إنسانية مروعة ناجمة عن فرار أكثر من 480 ألف لاجئ من أقليات الروهينجا إلى حدود بنجلاديش خوفا من بطش قوات حكومة يانجون، ويعيشون في مناطق حدودية بلا طعام ولا مأوى ، في حين تبذل الأغلبية البوذية المناهضة لهذه الأقلية المضطهدة كل جهد ممكن لمنع المساعدات الدولية الأساسية والمحدودة للغاية إلى المنكوبين على حدود بنجلاديش، في حين أغلقت سلطات ميانمار حدودها لمنع أي محاولة منهم للعودة مرة أخرى إلى أراضيهم. وعلى هامش هذه الصورة المأساوية، يحتفظ المجتمع الدولي الذي طالما تشدق بدعم الحريات وحماية حقوق الإنسان بموقع المتفرج أمام واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على مر التاريخ.

بالطبع أزمة الروهينجا ليست وليدة اللحظة، ولا حتى اعتداء منتصف أغسطس الماضي، ولكن تاريخها يعود إلى قرون مضت. وهذا ما تؤكده كل من مفوضية حقوق الإنسان ومؤسسة هيومان رايتس وواتش، حيث تشير تقاريرهما إلى أن طائفة «الروهينجا»- التي تضم أغلبية مسلمة وأقلية من الهندوس- واجهت هجمات قمعية شبه منتظمة من قبل حكومة ميانمار منذ عام 1978 وحتى الآن، والأدهى أن قانون الجنسية لعام 1981 يحرمهم من الحصول على جنسية دولة ميانمار، بل إنهم محرومون أيضا من حرية الحركة داخل الدولة أو الحصول على تعليم رسمي أو العمل في وظائف حكومية. وتتهم الأمم المتحدة حكومة يانجون- عاصمة ميانمار - بممارسة الاضطهاد والتفرقة العنصرية ضد هذه الطائفة من المدنيين، منتهكة بذلك كل القوانين الإنسانية والدولية في كافة العصور.

ولكن يبدو أن عمليات الإبادة الجماعية التي تمارسها ميانمار ضد الروهينجا ، لم تدفع القوى الإقليمية لتحريك ساكن أو حتى للتدخل لحل الأزمة بأي شكل من الأشكال. كما أنها لم تتحرك لدعم دولة بنجلاديش الفقيرة حتى تتمكن من إيواء اللاجئين المنكوبين الفارين من نيران جيش ميانمار، بل إنها لم تسع أيضا للضغط من أجل تسهيل وصول المساعدات الأساسية التي تقدمها الأمم المتحدة للمشردين.

فهناك اتفاق شبه ضمني بين دول جنوب شرق آسيا عموما بأنها لا يمكن أن تنتقد بعضها البعض فيما يتعلق بشؤونها الداخلية. وهو مبدأ رئيسي لرابطة دول جنوب شرق آسيا «الآسيان «. ولكن يبدو أن الوضع الحالي شهد بعض الانتقادات الشديدة من بعض جيران ميانمار ذوي الأغلبية المسلمة، تمثلت في احتجاجات شعبية في كثير من الأحيان، في حين أحبطت اندونيسيا هجوما إرهابيا بقنبلة بالقرب من سفارة ميانمار، تبناه تنظيم داعش الإرهابي قبل بضعة أسابيع .

وفي ديسمبر الماضي ، حرص رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق على التطرق لهذه الأزمة وأكد أمام الآلاف الذين احتشدوا في كوالالمبور لدعم الروهينجا «أن العالم لا يمكنه الجلوس ومشاهدة الإبادة الجماعية»، متهما المجتمع الدولي بالتنصل من الأزمة ككل. ولكن يبدو أن هذه الدعوة الدولية من جانب «رزاق» كان الهدف الرئيسي منها هو حصد الأصوات خلال الانتخابات العامة.

وفي بنجلاديش، التي تقع على حدود ولاية راخين، فإن منظمة العفو الدولية تشير إلى أن هذه الدولة الفقيرة عملت كثيرا على اعتقال الهاربين من الروهينجا أو إعادتهم قسرا إلى مصير غير مؤكد ، نظرا لعدم اعتراف بنجلاديش من الأساس بالروهينجا كلاجئين. ولكن خلال الأسابيع الماضية وخاصة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حاولت بنجلاديش حشد التأييد الدولي لدعمها في مواجهة هذه الأزمة والضغط دبلوماسيا على ميانمار، ولكن يبدو أنها حتى الآن لم تنجح في الحصول على التأييد الدولي المطلوب لمواجهة الأزمة على الصعيد العالمي، حيث يقف مجلس الأمن عاجزا عن اتخاذ أي موقف أو قرار ولو صوري بهذا الشأن.

وهنا نأتي إلى الموقف الصيني بشأن مأساة الروهينجا الإنسانية، فقد أكدت تقارير لوكالة انباء تايوان أن الصين، أكبر القوى الاقتصادية والإقليمية المجاورة، ستعرقل كافة الجهود المبذولة لتدويل أزمة اللاجئين الروهينجا لأن لديها خططا طموحة للاستثمار فى ولاية راخين بميانمار، والبنى التحتية تبلغ قيمتها 7.3 مليار دولار. وتؤكد إيرين تشان زميلة الأبحاث المشاركة مع برنامج الصين في مدرسة «راجاراتنام» للدراسات الدولية في سنغافورة أن الصين لديها استثمارات في مشروع أعماق البحار بقيمة 7.3 مليار دولار في ولاية راخين، كما لديها خطط لإقامة منطقة صناعية ومنطقة اقتصادية خاصة في الولاية، مشيرة إلى « أن هذه القضية الاستثمارية تأخذ الأسبقية العليا للصينيين ضد القضية الإنسانية «.

أما وكالة رويترز للأنباء فتؤكد أن الوثائق الرسمية الصينية تشير إلى أن اتحادا بقيادة شركة سيتيك الصينية يمتلك ما يتراوح بين 70٪ و 85٪ في ميناء أعماق البحار، والتي من شأنها أن تعزز برنامج حزام واحد طريق واحد في الصين (أوبور) وربط البلاد إلى خليج البنغال. واعتبر التقرير أن هذا هو السبب الرئيسي وراء دعم الصين لسلطات ميانمار ، خاصة وأن بكين لم تفعل شيئا يذكر لوقف العنف ضد مسلمي الروهينجا حتى الآن.

أما «موراي هيبرت» ، نائب مدير برنامج جنوب شرق آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فيؤكد أن الصين تدعم حكومة ميانمار في «معالجة» مسألة كيفية الرد على الهجوم من قبل ما يسمى بجيش حفظ الروهينجا، بل إن الصين تدعم ميانمار في مواجهة اتهامات الأمم المتحدة بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم تطهير عرقي، بدعوى تفهمها ودعمها لمحاولات ميانمار للحفاظ على سيادتها، على حد الزعم الصيني كما تردد . ويبدو أن بكين قررت استغلال نفوذها إلى أقصى حد، فهناك تقارير تؤكد أن الصين ستعمل على الحيلولة دون نجاح مساعي أي دول أخرى في الحصول على دعم مجلس الأمن للضغط على يانجون لاتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الروهينجا.

ويؤكد هيبرت «أن الصين لن تقبل بالتأكيد قرارا أو شيئا من هذا النوع فى مجلس الأمن فى هذه المرحلة، وهذا أمر مؤكد». وأضاف «لا أعرف ما إذا كان بإمكانها تغيير موقفها اعتمادا على صيغة القرار، لكن الصين ستحول دون اتخاذ الأمم المتحدة أي إجراء سياسي أو أي إجراء مباشر بشأن أزمة الروهينجا».أما الموقف الأمريكي فلم يكن أكثر إنسانية من نظيره الصيني، فقد رفع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما العقوبات المفروضة على ميانمار في نهاية عام 2016، بدعوى أن يانجون قطعت شوطا كبيرا في مجال تحسين حقوق الإنسان. وهذا التحرك تحديدا تزامن مع حملة قمعية ضد الروهينجا وهو ما أثار انتقادات بعض القوى والمؤسسات الدولية للقرار الامريكي .

أما القوى العربية فتمثل دورها في أغلب الأحيان في تقديم الدعم المادي لمؤسسات الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الأساسية ، من خيام ومواد غذائية ومياه صالحة للشرب للاجئين المنكوبين العالقين على الحدود مع بنجلاديش. ويؤكد المراقبون والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان أنه لابد من حل يقوم على تكاتف دولي لمواجهة هذه الأزمة بشكل واقعي، ولكن بدون تحديد أي خطوط عريضة للحل المنتظر لهذه المأساة المتصاعدة . في الواقع، لقد تفرقت دماء الروهينجا بين القبائل، خاصة في ظل العجز الدولي عن التحرك بشكل جمعي لتخفيف المأساة، ليقف الروهينجا في صف طويل من الأقليات المنتهكة التي ضاق بها العالم، ولا تجد لها بقعة أرض تأويها على وجه الكرة الأرضية.