الملف السياسي

المدخل الإنساني والقانوني لحل أزمة الروهنجيا

02 أكتوبر 2017
02 أكتوبر 2017

د.أحمد سيد أحمد -

حظيت أزمة أقلية الروهينجا بميانمار باهتمام دولي كبير مؤخرا سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الإعلامي والمجتمع المدني في ظل المعاناة الكبيرة التي يتعرضون لها من جرائم قتل وإبادة وحرق قراهم وإجبارهم على الفرار والرحيل، وتفاقمت أزمتهم الإنسانية في مخيمات اللجوء ببنجلاديش المجاورة، وعقد مجلس الأمن أكثر من اجتماع حول الأزمة وأصدر بيانات إدانة لما يحدث للروهينجا، كما أدانت العديد من الدول العربية والإسلامية تلك الأحداث وتحركت بإيجابية لحل المشكلة سواء من خلال تقديم المساعدات الإنسانية أو من خلال الضغط على حكومة ميانمار أو من خلال التحرك على مستوى المجتمع الدولي واستنفاره لحل الأزمة. والواقع أن أزمة الروهينجا توضح العديد من الأمور والدلالات المرتبطة بمستقبل حل الأزمة:

أولا: كشفت أزمة أقلية الروهينجا المسلمة بميانمار أزمة الضمير الإنساني وازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول الكبرى التي تنتفض وتتدخل عندما يمس الاضطهاد أو التمييز أصحاب دين أو عرق معين بينما تتغافل وتتجاهل عندما يرتبط الأمر بدين أو عرق آخر في دولة ما، وهو ما بدا في التدخل بقوة في بعض الأزمات والقضايا الإنسانية في العالم كما حدث في تيمور الشرقية وجنوب السودان وغيرها.

لكنه تراخى أمام بعض الأزمات الإنسانية المرتبط بعرق معين كما حدث في مذابح رواندا عام 1994، وعمليات الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة والهرسك في التسعينات من القرن الماضي أيضا، وهو ما يؤكد أن مفهوم حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني يطبق بانتقائية وفقا للمصالح والموقف من الدين والعرق واللغة.

ثانيا: أظهرت أزمة مسلمي الروهينجا أيضا ازدواجية المعايير لدى منظمات حقوق الإنسان العالمية ووسائل الإعلام الغربية والتي غالبا ما تقلب الدنيا رأسا على عقب، عندما يمس الأمر فئة أو مجموعة أو أقلية معينة وتصدر التقارير والبيانات الموثقة، بل وأحيانا المبالغ فيها، حول وضع هذه المجموعات وما تتعرض له على الأرض، بينما نجدها صامتة وسلبية في أزمات وقضايا أخرى كما حدث في أزمة الروهنجيا، وهو ما يؤكد أيضا على عدم نزاهة وحيادية تلك المنظمات وعدم مصداقية شعاراتها التي ترفعها في الدفاع عن حقوق الإنسان بغض النظر عن هويته وانتمائه العرقي واللغوي والديني.

ثالثا: تعاني أقلية الروهنجيا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون شخص يسكنون إقليم راخين غرب ميانمار من اضطهاد مستمر منذ عقود ويتعرضون لعمليات ترحيل جماعي خاصة من قبل بعض الرهبان البوذيين المتشددين وفى ظل حالة من تواطئ الدولة الميانمارية.

وقد تفاقمت الأزمة بشكل كبير خلال هذا العام وتحديدا في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي عندما قام بعض أفراد ممن ينتمون لما يعرف بجيش الدفاع عن الروهينجا بالهجوم على بعض أفراد الجيش الميانماري مما ترتب عليه أعمال عنف كبيرة أفضت إلى هروب أكثر من 400 ألف شخص من الروهينجا إلى بنجلاديش المجاورة يعانون ظروفا مأساوية صعبة حيث يعيشون في مخيمات غير قادرة على استيعابهم مع نقص خطير في الخدمات والحاجات الأساسية لبقائهم، كما يعاني الروهينجا من اضطهاد عرقي حيث لا تعترف بهم حكومة ميانمار وتحرمهم من الجنسية وحقوق المواطنة الأخرى، وبالتالي فالروهينجا تعاني اضطهادا مزدوجا دينيا وعرقيا.

رابعا: إن ردود الأفعال الدولية لم تكن على المستوى المطلوب الذي يردع حكومة ميانمار عن التوقف عن عمليات الاضطهاد المستمرة ووضع حد لعمليات الترحيل الجماعي والاستهداف من قبل المتشددين الذين يستهدفون قرى الروهنجيا، واكتفى المجتمع الدولي بالتنديد والشجب، كما أصدرت الأمم المتحدة، التي اعتبرت رسميا أن ما يحدث للروهنجيا بمثابة جرائم إبادة جماعية منظمة، بيانا يدين تلك الأعمال لكنها ليست بالقوة المطلوبة لوقف تلك المأساة، رغم أن زعيمة ميانمار سوتشي الحاصلة على جازة نوبل للسلام، والتي اعتبرت أن جيش بلادها يحارب الإرهاب، أبدت بعض التراجع النسبى وأعلنت عن عزمها السماح للروهنجيا اللاجئين بالعودة لديارهم، لكنه يظل دون جدول زمني محدد.

خامسا: حاول البعض «أسلمة» أزمة الروهينجا للمزايدة، وإظهار حالة من التقصير من جانب الدول الإسلامية، وذلك لاستنفار الجماعات المتطرفة والمتشددة والإرهابية مثل داعش وغيرها للدفاع عن الروهينجا وتوظيفها سياسيا لخدمة أجنداتها وتحويل الأزمة لصراع ديني، وهو ما يمثل خطورة كبيرة ولا يخدم أقلية الروهينجا ولا يحل أزمتهم، فالقضية لا تمس فقط مجموعة عرقية من المسلمين تعاني من الاضطهاد المنظم وتتعرض لجرائم واضحة، وإنما تمس مجموعة من البشر لهم حقوق إنسانية يجب الدفاع عنها كونهم بشر وتحميهم القوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني. فاختزال القضية في كونهم مسلمين يؤدي إلى تعقيد المشكلة وعدم حلها وتكرار لمنهج حكومة ميانمار وبعض المتشددين البوذيين الذين اتخذوا مواقف عدائية ضدهم لكونهم مسلمين، وموقف المجتمع الدولي الذي تجاهل محنتهم لاعتبارات دينية وعرقية أيضا.

ولذلك فإن حل مشكلة أزمة الروهينجا ينبغي أن يكون في إطار إنساني وليس دينيا أو عرقيا، فما يحدث لهؤلاء هو جريمة حقيقية وجرام إبادة جماعية منظمة وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وباعتراف الأمم المتحدة ذاتها، وبالتالي فإن التحرك يكون من خلال اتخاذ إجراءات عقابية ضد حكومة ميانمار وتطبيق قواعد القانوني الدولي الإنساني وتحويل المسؤولين عن جرائم الإبادة للمحكمة الجنائية الدولية، وأن يتخذ مجلس الأمن الدولي، المناط به حفظ السلم والأمن الدوليين، إجراءات عقابية رادعة وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية هذه الأقلية، كما حدث من قبل عندما تدخل في بعض الأزمات وأحال المسؤولين عنها إلى محاكم خاصة مثلما حدث في رواندا ويوغسلافيا السابقة، أو إحالتهم للمحكمة الجناية الدولية كما حدث في دارفور بالسودان وفى الكونغو وبعض دول أمريكا اللاتينية.

كما أن منهج المجتمع الدولي بالتركيز على معالجة الأزمة الإنسانية للروهنجيا الفارين إلى بنجلاديش من خلال تقديم المساعدات الإنسانية لهم لا يكفي وحده ولا يمثل حلا جذريا للمشكلة، وإنما يجب ان يتحرك لعلاج شامل للأزمة من خلال إعادة هؤلاء الفارين إلى ديارهم والضغط على حكومة ميانمار لوقف أعمال العنف ضدهم وإعطائهم حقوقهم المشروعة كبشر ومواطنين مثل حق الجنسية والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية ودمجهم في المجتمع كمواطنين لهم كافة الحقوق والواجبات.

إضافة لذلك من الضروري تحقيق المصالحة الوطنية بين مسلمي الروهينجا والبوذيين المتشددين لنزع مشاعر الكراهية والانتقام وتحقيق التعايش والتسامح فيما بينهم لتحقيق السلم المجتمعي ومنع تكرار حوادث الاعتداء في المستقبل.

ومن هنا يبرز دور الدول الإسلامية في حث المجتمع الدولي ومجلس الأمن على التحرك في هذا الاتجاه لمعالجة مشكلة الروهينجا من منظور إنساني وليس دينيا، كذلك أهمية دور وسائل الإعلام العربية والإسلامية في تحري الدقة فيما تنشره عن مأساة الروهينجا وعدم إظهار الأمر وكأنها حرب ضد المسلمين والإسلام، وإنما التعامل مع القضية من زاوية إنسانية تتمثل في وجود أقلية تعاني من الاضطهاد ويجب على المجتمع الدولي ومؤسساته التحرك لحمايتهم خاصة مجلس الأمن الدولي والمنظمات المعنية بهذا الشأن.

التعامل الانتقائي وازدواجية المعايير من جانب الغرب ومحاولات البعض في المجتمعات الإسلامية تسييس القضية وأسلمتها لا يخدم أزمة أقلية الروهينجا وإنما يزيد من استمرار المشكلة واستفحالها خاصة مع فرار أعداد كبيرة منهم بعد حرق قراهم ويعطي الفرصة للجماعات المتطرفة لتوظيف القضية لخدمة مصالحهم كما حدث من قبل في قضايا وأزمات أخرى، ولا شك أن التحرك الصحيح يكون من خلال مجلس الأمن ومعالجة المشكلة من جذورها ووضع نهاية لتلك المعاناة وهو ما لم يظهر حتى الآن من المجتمع الدولي الذي يعمل على تهدئة الأزمة دون معالجتها بشكل نهائي ودائم.