humdah
humdah
أعمدة

إيمي مريضة

01 أكتوبر 2017
01 أكتوبر 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

عدت من رحلتي فوجدت «إيمي» في حالة يرثى لها، أخذتها مباشرة للطبيب الذي اقترح عمل فحوصات شاملة بما في ذلك فحص لتخطيط القلب، انتظرته يمد يده لي بالورقة لأخذها للمختبر نظر إلي قائلا: هذه الفحوصات مكلفة جدا، ألا ترين أنه من الأفضل إرسالها إلى بلدها؟ ولكنها لا تريد العودة لبلدها، ولا أريد أنا ذلك! كانت إجابتي له.

بدأ يسرد لي مشاكل زوجته المتكررة مع عاملات المنزل التي أدت إلى تغيير 4 عاملات خلال عام واحد نتيجة إهمالهن وتعنتهن، نظرت إليه مرة أخرى قائلة: لكن «إيمي» ليست مهملة ولا متعنته هي مريضة.

أمام إصراري مد يده لي بالورقة التي طلب مني أخذها للاستقبال، عند وصولي للاستقبال اكتشفت بأن الهدف من إرسالي إلى هناك هو إصدار فاتورة والدفع مقدما.

نقل الموظف نظراته بين الشاشة والورقة ثم نظر إلي قائلا: هذه الفحوصات مكلفة للغاية، لم أشاء الدخول في نقاش آخر مع الموظف الذي خشيت أن يبدأ معي ملحمة زوجته مع عاملات المنزل فطلبت منه الفاتورة وأخذت إيمي للمختبر.

طوال الفترة التي كنت أنتظرها فيها وأنا أفكر في الحوار مع الطبيب ومن ثم موقف موظف الاستقبال، كيف يمكن مجرد التفكير أن يترك المرء إنسانا يشاركه بيته يعاني كل تلك الآلام وتقر عينه هو نوما، كيف يستطيع النوم على تأوهات إنسان يعد له وجباته ويأتمنه على بيته.

زادت صدمتي «إيمي» وهي تشرح للطبيب معاناتها من الصداع المستمر الذي حرمها من النوم لأكثر من أسبوعين، وفقدان الشهية وتسارع ضربات القلب التي أصابتها بالوهن، استفسرت منها كيف لك أن تتحملي كل هذه المعاناة، ولما لم تخبريني بما تعانين منه، وكيف استطعت أداء مهامك مع كل هذا؟

لم تكن بحاجة للرد على هذا السؤال فأنا أعرفه جيدا، فإيمي كغيرها من العمال البسطاء قضت عمرها تحلم بوظيفة في الخارج، وكانت ضحية لسلسلة من وكالات التوظيف حتى وصلت الى بيتي، وهي تعلم بأنها لو عادت لبلادها لن تستطيع الخروج بسهولة وسيكون عليها تسليم نفسها مرة أخرى لهذه الذئاب البشرية.

إيمي وأمثالها لا تعمل من أجل نفسها، إذ تعتمد عليها أسرة بكاملها، فهي تنفق على والدتها وعلى تعليم أبناء شقيقتها، وتوفر لزواجها وتساعد جارتها العجوز وابنة خالتها المريضة ...الخ وعودتها تعني خذلان كل هؤلاء، لهذا احتملت كل تلك الآلام خشية أن تتبادر لذهني أفكار الطبيب وأعيدها إلى وطنها لأنها أصبحت «معطوبة» غير قادرة على الأداء، فتحملت كل هذا الألم، وكانت تعمل بكل جهد متحاملة على نفسها حتى لا يلاحظ من في المنزل وهنها وعدم قدرتها على العمل.