abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش... ومتون: السباحة في موسيقى «بحيرة البجع»

30 سبتمبر 2017
30 سبتمبر 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

في سنوات خلت تعود إلى منتصف السبعينات، كنا نشاهد برنامجا يقدّم معزوفات موسيقية عالمية، وبالرغم من أنّ تلك المعزوفات كانت غريبة على أسماعنا، لكننا اعتدنا على متابعتها، ليس إعجابا بها، في البداية، بل شغفا بكلّ ما يعرضه هذا الجهاز الساحر، ويوما بعد آخر، اعتدنا على سماع تلك المعزوفات، حتى بدأنا نتذوّقها، والبعض وجد من خلالها مدخلا لحبّ عالم الموسيقى كالمطرب (كاظم الساهر) الذي ذكر في حوار معه أنّ ذائقته الموسيقية نشأت على سماع تلك المعزوفات، ومن بينها موسيقى «بحيرة البجع»، للموسيقار الروسي تشايكوفسكي، مبدع « الجمال النائم»، و«كسّارة البندق»، والعديد من الأعمال الموسيقيّة الخالدة، وقادنا الفضول لمشاهدة الباليه من خلال برنامج «باليه» الذي كان يعرضه التلفزيون أيضا، ومن يومها، ونحن نسبح في مياه «بحيرة بجع» لتشايكوفسكي، والفضل يعود لتلك البرامج التي اختفت، شيئا، فشيئا، لينشأ جيل لا يعرف غير الموسيقى الصاخبة، والغناء الهابط!!

لذا سررتُ حين أعلنت دار( الأوبرا السلطانية مسقط) عن تقديمها عرض(بحيرة البجع) ليكون أوّل عروض الأداء الحركي( الباليه) في موسمها الجديد «موسم الفنون الرفيعة»، وعُرف عن هذا العرض أنّه ألهم الكثيرين في مختلف الفنون، ومنها الفن التشكيلي، فرسمت الفنانة الفرنسية كارولتا إدواردز سنة 1944 لوحة مستوحاة منه، وفي السينما قدّمت العديد من الأعمال المستلهمة من العرض، ولعل آخرها فيلم «البجعة السوداء» لدارين آرونوفسكي الذي أنتج عام 2010، وكان من بطولة ناتالي بورتمان، وفينسنت كاسل وميلا كينيس، وقد رشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار، وفازت ناتالي بورتمان بالأوسكار لأفضل ممثلة، ودارت أحداث الفيلم حول راقصة باليه تسعى إلى الفوز بدور(أوديت)، بطلة «بحيرة البجع» الذي الّفه تشايكوفسكي عام 1887 بتكليف من مدير مسارح أمبريال الروسية في موسكو، وحين عرض لأول مرة على مسرح البولشوي بموسكو في 4 مارس 1887 لم ينل نجاحا، لكن أجرى تشايكوفسكي بعض التعديلات، ففاز باهتمام الجمهور، وأدرج العرض المؤلّف من فصلين، وأربعة مشاهد من ضمن الأعمال الخالدة إلى اليوم.

تبدأ أحداث قصة العرض المستوحاة، كما يرجح البعض، من قصة فولكلورية روسيّة عنوانها «البطة البيضاء»، بحفل راقص مقام بباحة قصر الأمير (سيغفريد) لبلوغه سنّ الرشد، وخلال الحفل تتنافس الفتيات على قلب الأمير الذي تخبره أمّه بأنّ الوقت قد حان ليبحث عن زوجة وسط رفضه، لكنّها تصرّعلى طلبها، وتهديه قوسا، ونشابا، ليخرج لصيد البجع في الغابة، وما أن يختفي المشهد حتى تظهر صورة لبحيرة تسبح بها طيور البجع في ليلة مقمرة، ويفتح الستار عن (سيغفريد)، وهو يتابع البجعات في البحيرة، وفجأة تلفت نظره بجعة جميلة تضع على رأسها تاجا، وبمرور الوقت تجتمع حولها البجعات، وحين يرخي الليل سدوله يتحوّلن إلى فتيات، فيصغي إلى حكايتهن من خلال البجعة الجميلة ( أوديت)، فيعرف أن ّالساحر(فون روثبارت) حوّلها مع صديقاتها إلى بجعات، ولايرجعن إلى سيرتهن البشريّة الأولى إلا في الليل، وما البحيرة إلا دموع أهاليهن، وأنّ السحر لا يبطل إلّا بحبّ خالص لرجل نقيّ، ومع طلوع الخيوط الأولى من الفجر، وظهور طائر ضخم أسود هو الساحر، تختفي الفتيات، ويتحولن إلى بجعات من جديد، وتتواصل في المشهد الثالث الاحتفالات داخل القصر الملكي، وتجتمع الفتيات حول الأمير لكنّه لا يعبأ بهن، ويصل الساحر(فون روثبارت)، بهيئة فارس مع ابنته(أوديل) التي تحاول غواية الأمير، وتوهمه بأنّها( أوديت)، وتنجح في ذلك، فيختارها زوجة له، وترى (أوديت) ذلك، فتهرب، وحين ينتبه لذلك الأمير، يشعر بخديعة الساحر، ويغادر الحفل بحثا عنها، وفي المشهد الرابع يصل الأمير البحيرة، فيجد البجعات مجتمعات حولها يخفّفن من آلامها، فيشرح لها خديعة الساحر الذي يظهر فجأة، ويثير عاصفة ليفرّق ما بينهما، لكنّه يفشل، وتبتلعه العاصفة، لينتصر الحب في النهاية.

لقد جاء العرض الذي قدّمته فرقة مسرح الأوبرا، والباليه الوطنية «أوبرا أستانا» الكازاخستانيّة على قدر كبير من المتعة، وزادت من جماله المناظر، والديكورات البديعة، والرقصات الرشيقة المتقنة المنسجمة مع موسيقى أوركسترا مسرح «كارلو فيليتشه» في جينوفا، والعزف الحيّ بقيادة جوسيب أكافيفا.

وتبقى موسيقى جايكوفسكي ذات الطابع الرومانسي هي أبرز، وأجمل ما في عرض، غرفت من موسيقاه الكثير من البرامج، والأفلام التسجيليّة مقاطع ستظل عالقة في الأذهان طويلا.