أفكار وآراء

ميركل .. وصعوبة تشكيل حكومتها الرابعة

29 سبتمبر 2017
29 سبتمبر 2017

سمير عواد -

تواجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مهمة صعبة للغاية في تشكيل حكومتها الرابعة، ولم تكن تتصور أبدا أن الانتخابات العامة هذه المرة، التي جرت قبل أيام، سوف ينشأ عنها تعقيدات تتمثل في دخول حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي البرلمان الألماني، ورفض الحزب الاشتراكي مواصلة الائتلاف الراهن القائم منذ عام 2013 معها، واضطرارها بين شريكها الصعب هورست زيهوفر، رئيس الوزراء البافاري، والحزب الليبرالي وحزب الخضر.

وقد أوضحت نتائج انتخابات الدورة 19 للبرلمان الألماني بعد تأسيس ألمانيا الاتحادية على ركام ألمانيا النازية عام 1949، عن 4 رسائل، عندما يقوم المرء بمراجعة معمقة لنتائج تلك الانتخابات.

أولها، أن الاتحاد المسيحي المؤلف من الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه ميركل منذ عام 2000 والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري الذي يتزعمه هورست زيهوفر، خرج كأقوى حزب، رغم أنه حقق أسوأ انتصار له منذ مشاركته في أول انتخابات تمت بعد تأسيس ألمانيا الاتحادية، لكن ما يطمئن مؤيديه أنه حصل على تكليف من الشعب الألماني لتشكيل حكومة ميركل القادمة، والتي ستكون الرابعة على التوالي منذ عام 2005.

ثانيا، فقد اليسار الألماني تأييد الأكثرية ولم يعد يشكل تهديدا لميركل، ليس لأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكبر منافس للاتحاد المسيحي، اتخذ قرارا كرد فعل على أسوأ نتائج حققها في هذه الانتخابات منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية، بعدم مواصلة الائتلاف الراهن الذي تتزعمه ميركل منذ عام 2013، بل لم يعد هناك أمل بقيام حكومة بديلة تضم الاشتراكيين وحزبي الخضر واليسار.

ثالثا، ليس هناك أغلبية تحقق أمل ميركل قبل الانتخابات بتشكيلها ائتلاف مسيحي - ليبرالي، على غرار الحكومة التي استلمت السلطة في ألمانيا من 2009 إلى 2013.

رابعا، اتسعت موجة العداء ضد أنجيلا ميركل مع نجاح حزب «البديل من أجل ألمانيا» في دخول البرلمان الألماني «بوندستاج»، بعد التأييد الكبير الذي حصل عليه من قبل الناخبين في كافة المناطق الألمانية، حتى في المنطقة الانتخابية لميركل نفسها، التي تقع في «شترالز أوند» على ساحل ألمانيا الشرقية، حيث خسرت نصف عدد الذين كانوا ينتخبونها في السابق لصالح حزب البديل، والذي أصبح ثالث أكبر حزب في عموم ألمانيا، رغم أنه يشارك في الانتخابات العامة للمرة الأولى بعد تأسيسه في أغسطس عام 2013، حيث حل في المركز الأول في كثير من المناطق التي كان يسيطر عليها إما حزب ميركل أو الحزب الاشتراكي، منها المنطقة الانتخابية لميركل، مما يعني أنه إذا قررت ميركل الترشح في الانتخابات العامة القادمة فإنها قد لا تفوز بمقعدها النيابي، لأن المراقبين يتوقعون استمرار صعود حزب البديل. ومن المفارقات أن حزب البديل لا يهدد حزب ميركل فقط، بل حزب شريكها في الاتحاد المسيحي، هورست زيهوفر، رئيس الوزراء البافاري، الذي فقد حزبه نسبة عالية من الأصوات في الانتخابات الأخيرة،، وأصبح يشعر بالقلق من فقدان حزبه الأغلبية في بافاريا ذاتها، التي يحكمها الحزب المسيحي البافاري منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية.

وبحسب كورت كيسلر، المعلق في الصحيفة الألمانية الليبرالية «زود دويتشه تسايتونج» «فانه يمكن الاستنتاج من نتائج الانتخابات العامة التي جرت يوم الأحد الماضي الموافق 24 سبتمبر 2017، أنها انتخابات مضادة لميركل أسفرت عن إضعاف المستشارة الألمانية والحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه، بينما فر الحزب الاشتراكي إلى صف المعارضة، لينقذ ما يمكن إنقاذه بعد الفشل الذريع الذي واجه مرشحه مارتن شولتس، المسؤول الأول وليس الوحيد عن أسوأ هزيمة للاشتراكيين في الانتخابات العامة. وحسب قوله، سوف يستغل الحزب الاشتراكي السنوات الأربع القادمة في المعارضة، ليمنع حزب البديل من قيادة المعارضة، ولكي يعد نفسه للانتخابات المقبلة، ذلك أن أول اختبار للتغيير العاصف الذي أحدثه دخول الشعبويين الألمان البرلمان الألماني، وسوف تكون الانتخابات المحلية في ولاية «سكسونيا السفلى»، وعاصمتها مدينة هانوفر، في الخامس عشر من أكتوبر القادم . ويعتقد المراقبون أن حزب البديل الشعبوي سوف يواصل زحفه على الولايات ويدخل برلمان الولاية المذكورة التي ترأس الحكومة المحلية فيها في الماضي، جرهارد شرودر، المستشار الألماني السابق.

وسوف تضطر ميركل للتعود على استفزازات الشعبويين الألمان لها. ففي أول تصريح له بعد إعلان فوز حزبه بدخول البرلمان، قال ألكسندر جاولاند، الذي يشارك الرئاسة المزدوجة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» مع أليس فايدل، السويسرية الأصل: «سوف نطارد ميركل ومن يقف في صفها»، وهو تعبير كان النازيون ينادون به لتهديد خصومهم السياسيين . وقد أعلن تجمع من الشباب الألمان، أنهم أسسوا مبادرة تحمل اسم «سوف نلاحق جاولاند»، انضم لها خلال يوم واحد 22 ألف مشارك.

لن يكون تشكيل الحكومة الألمانية القادمة عملية سهلة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وسوف يترتب عليها القيام بدور الوسيط بين زيهوفر وقادة الحزب الليبرالي وحزب الخضر، ورغم أن المعلقين يعتقدون أن هذا الائتلاف سوف يتشكل قبل نهاية العام الجاري، إلا أنهم يتوقعون انهياره قبل نهاية المدة الدستورية التي مدتها 4 أعوام.

سوف تحكم ميركل ربما ولايتها الأخيرة، ولكنها ستكون مستشارة ضعيفة في بلدها، حسبما يراه عدد من المراقبين بسبب نتائج الانتخابات، وهذا ما يدركه خصومها في الخارج خصوصا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فرغم وفاق بعضهم مع ميركل، إلا أن تشكيلها حكومة مع الليبراليين والخضر يثير قلقهم. مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يخشى اتساع موجة العداء في ألمانيا ضد بلاده، وحقها -تركيا- في السعي للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وتعيين وزير خارجية مناهض لتركيا مما سيزيد من توتر العلاقات القائمة بين البلدين.

أما إسرائيل فإنها مطمئنة، أولا، لأن حزب البديل من أجل ألمانيا، أعلن أنه يقف إلى جانب إسرائيل، وهذا الحزب كما هو معروف معادي للإسلام. وثانيا، لأن إسرائيل تعتمد على صديقتها ميركل، التي جعلت أمنها – إسرائيل - من أسس الدولة الألمانية، بمعنى أنه إذا تعرضت إسرائيل إلى هجوم، قد ترسل ألمانيا جنودها للدفاع عنها.