1119411
1119411
إشراقات

الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تكتنهه العقول أو تصل إلى معرفته المدارك

28 سبتمبر 2017
28 سبتمبر 2017

التفكر في المخلوق لا في الخالق الذي ليس كمثله شيء -

الشيطان يوسوس للإنسان ويصور له حقيقة الذات الإلهية ليصده عن سواء السبيل -

متابعة:سيف بن سالم الفضيلي -

ودعا سماحته إلى النظر إلى كل شيء في هذا الوجود وألا يقف الإنسان عند مظهره بل عليه أن يصل إلى أعماق حقيقته بحيث يرى فيه صنع الله عز وجل ويرى فيه ما يدله على الله وما يعرفه به ويرى ما يعرف على صفات الله سبحانه وتعالى .. جاء ذلك في إحدى حلقات سؤال أهل الذكر حول «التفكر والتدبر» التي بثها تلفزيون سلطنة عمان في جزئها الأول.

-عبادة التفكر والتدبر عبادة عظيمة، والناس ينسونها في حياتهم ويلجأون إلى عبادات أخرى من أجل تقوية إيمانهم. ما قيمة التفكر والتدبر؟ وهل يطالب المسلم بها للتعرف على وجود الله تعالى أم للتعرف على عظمته، على اعتبار أن نظرة بسيطة في هذا الكون تدل على وجود الله أصلا؟

الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأقام لهم شهودا من أنفسهم وشهودا مما حولهم كلها تدل على وجوده سبحانه وتعالى وعلى وحدانيته وعلى عظمته وعلى كل صفة من صفات ذاته؛ ذلك لأن الإنسان لا يكاد يفتح عينيه على هذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف إلا ويرى في كل من ذراته شاهد عظمة الله وشاهد وجود الله وشاهد على أن الله تعالى على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وأن الله سبحانه وتعالى هو وحده المنفرد بخلق هذا الوجود وتصريفه وتدبيره، والآيات القرآنية التي جاءت متضافرة مع دلالات العقول وشادّة عليها كثيرة لا يمكننا إحصاؤها، فكم من آية اختتمت بقوله «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، وبقوله «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»، وبقوله «لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ» وبقوله «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» إلى غيرها.

كل ذلك مما يدل على أن الإنسان مطالب وهو ينظر إلى كل شيء في هذا الوجود ألا يقف عند مظهره بل عليه أن يصل إلى أعماق حقيقته بحيث يرى فيه صنع الله عز وجل ويرى فيه ما يدله على الله وما يعرفه به ويرى ما يعرف على صفات الله سبحانه وتعالى ونحن نرى في كتاب الله أن الله عزو جل عندما عرف عباده بنفسه أنه «إله واحد» وأنه «لا إله غيره». أتبع ذلك ما يدل على هذا المعنى من خلال بيان آيات الله في الكون ليفتح الناس أبصارهم على هذا الوجود حتى يعرفوا من خلاله وحدانية الله، فالله سبحانه وتعالى يقول: «وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ» ثم يتبع الله سبحانه وتعالى هذا البيان الرباني بقوله: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»، وقد أقام الله سبحانه وتعالى من خلال ذلك الحجة على الذين يدعون أن مع الله آلهة أخرى أو الذين يدعون مع الله آلهة أخرى فالله تعالى يقول: «قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ، أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ». من خلال هذه الآيات الكونية يقيم الله تعالى الحجة على الذين يجحدون وحدانية الله ويتخذون مع الله آلهة أخرى، ذلك لأن الكون بأسره إنما هو كما ذكرت شاهد على وحدانية الله بل هذا الكون بأسره هو متناسق منسجم بعضه مع بعض يدل على أن مكونه واحد ويدل على أن مكونه على كل شيء قدير ويدل على أن مكونه بكل شيء خبير ويدل على أن مكونه بكل شيء بصير ويدل على أن مكونه لا يخرج شيء في هذا الوجود عن تدبيره وتصريفه.

ونجد أن الله تعالى يدعو الناس إلى التفكر في أنفسهم والتفكر في الكائنات الأخرى فالله تعالى يقول: «وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» فالإنسان هو مأمور بأن يفتح بصره على نفسه ويرى كيف تكون وكيف هو وكيف أحواله مما يدله على وجود الله وعلى وحدانية الله سبحانه وتعالى.

وكذلك هو مأمور أن يفتح بصره على آفاق هذا الوجود ليتملاه بعين البصير حتى يقرأ على صفحاته سطور وحدانية الله ودلائل قدرته وعلمه وإحاطته بكل شيء.

ومن أجل هذا كان أحد علمائنا وهو الشيخ ناصر بن أبي نبهان يقول: «إن كل ذرة من ذرات الوجود هي كلمة من كلمات الله ناطقة بوحدانيته سبحانه وما عدا ذلك فهو كالشرح لتلك الكلمة».

فكل ذرة من ذرات الوجود هي كلمة من كلمات الله تدل على الله وتدل على وحدانيته بل حسب الإنسان أن يدرس هذه الذرة وتركيبها العجيب وإتقانها في ترتيبها ويدرس ما تحتوي عليه من إلكترونات ونترونات وغير ذلك. كل ذلك إنما يدل على وحدانية الله سبحانه وتعالى، ثم حركات هذه الذرات ثم انسجام بعضها مع بعض ثم التنسيق فيما بينها في تركيبها حتى يتكون منها مركب واحد أو يتكون منها عنصر واحد، كل ذلك مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء علما، فما على العبد إلا أن يفتح بصره على هذا الوجود ليرى دلائل وحدانية الله وليرى دلائل قدرة الله وليرى دلائل عظمة الله وليرى دلائل أن الله تعالى محيط بكل شيء علما.

-هل التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى عبادة كبقية العبادات يطالب بها المسلم ويكون له فيها أجر؟

بل هذه هي أم العبادات؛ لأنه إن لم يتفكر كانت عباداته ميتة لا روح لها بينما عندما يتفكر وينظر في آيات الله تعالى في الأنفس وفي الآفاق لا ريب أن عباداته تكون عبادات حية تتدفق بروح الحياة.

والإنسان بطبيعة الحال مأمور وهو يتلو كتاب الله تعالى في عبادته لله في صلواته أو في غير صلواته، في جميع أحواله، عليه أن يتلوه بتدبر وتأمل، هذا في كتاب الله تعالى الناطق وهو القرآن الكريم وكذلك عندما يتلو آيات الله تعالى في كتابه الصامت وهو هذا الوجود الشاهد على وجود الله.

- إذا كان هذا الكون بالفعل هو يشهد على وحدانية الله سبحانه وتعالى ونظرة بسيطة فيه يستطيع الإنسان بها أن يتوصل إلى خالق الكون، من أين إذا دخل الإلحاد على حياة بعض الناس؟

الله تبارك وتعالى فطر هذه النفوس فطرة سليمة فطرة ربانية فطرة تصل ما بين المخلوق وخالقه وما بين الدنيا والآخرة وما بين العمل والجزاء وما بين الأرض والسماء وتوحد أرجاء الوجود بأسره ولكن جاء الشيطان فاجتواهم وأضلهم وأغواهم وانحرف بهم عن طريق السوي فما يأتي به الناس من الخروج عن الحق ومكابرة الحق والعناد للحق والاجتراء على الله سبحانه وتعالى إما بإنكار وجوده وإما بالاستهانة بحقه وإما بالاستخفاف بأسمائه وصفاته فإن ذلك كله إنما هو من إغواء الشيطان لهذه النفوس وهؤلاء بلا ريب هم في حقيقة أمرهم يكابرون عقولهم وينكرون حسّهم فإن كل إنسان بفطرته مفطور على معرفة الله سبحانه وتعالى وعلى استجلاء آياته في الأنفس وفي الآفاق ولكن الشيطان غلب على عقول هؤلاء فانحرف بهم عن سواء السبيل بل طمس على هذه العقول ولذلك يقولون يوم القيامة «لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ»، والعياذ بالله.

- في بعض الأحيان عندما يتأمل الإنسان في خلق الله سبحانه وتعالى ويمارس هذه العبادة يأتي إليه الشيطان بسؤال يدفعه فيه إلى التفكر في الخالق سبحانه وتعالى، كيف يكون علاج مثل هذه الوسواس؟

لا ريب أن الإنسان مطالب بأن يتفكر في المخلوق لا أن يتفكر في الخالق، فإن الخالق سبحانه وتعالى أعظم من أن تكتنهه العقول أو أن تصل إلى معرفته المدارك إذ هو تعالى ليس كمثله شيء، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ولا يحيطون به علما. والإنسان عندما يعترضه الشيطان بأن يوسوس له ويصور له حقيقة الذات الإلهية عليه أن يدرك أن هذا ليس من الهداية الربانية في شيء وإنما هذه غواية شيطانية وهذه وساوس يريد الشيطان بها أن يصد الإنسان عن سواء السبيل.

ولا ريب أن مثل هذه الوساوس عندما يدفعها الإنسان عن نفسه ولا ينقاد لها ويستسلم يكون آمنا من شرها بعيدا عن المؤاخذة بها، إذ طبيعة النفس البشرية شأنها أن تجول في مجالات شتى والشيطان من خلال ذلك يوسوس لها ويملي عليها ويؤمر الإنسان في هذه الحالة أن يأتي بكلمة التوحيد أو يأتي بسورة الإخلاص «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ» أو يقول «آمنت بالله» ويدع عنه هذه الوساوس ولا ينقاد لها ويسلس قياده لها بل يقاومها ويعرف أن كل ما خطر بباله فيما يتعلق بالذات الإلهية فالله تعالى بخلاف ذلك. الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهنا يقطع الإنسان على هذه الوساوس الطريق ويتخلص من آثارها بمشيئة الله.