إشراقات

التعايش السلمي يضمن تقدم ورقي المجتمع

28 سبتمبر 2017
28 سبتمبر 2017

المواطنة في الإسلام -

إعداد – نادر أبو الفتوح -

في لقائه معنا، تحدث الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عن أهمية التعايش السلمي وتأثيره على نهضة وتقدم المجتمعات، فقد أكد على أن التعايش السلمي هو أحد المبادئ التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، لأنه ضمانة لتقدم ونهضة المجتمع، كما أن التاريخ الإسلامي يحمل نماذج له حدثت بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الواحد، ويقول نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ)، ولذلك فقد حرصت الشريعة الإسلامية على تحقيق التعايش السلمي بين الناس، لأنه أحد الأسس التي تقوم عليها الأمم والحضارات، وعندما يسود هذا الخلق، بين جميع أبناء الوطن الواحد، ينهض المجتمع ويتقدم، ودعوة الإسلام للتعايش السلمي، هي دعوة شاملة مع الناس جميعا، مسلمين وغير مسلمين، ويجب أن تطبق أولا مع غير المسلمين، الذين يعيشون مع المسلمين في وطن واحد.

وهناك الكثير من النصوص التي حملها الإسلام وحثت على ضرورة تحقيق معاني التعايش السلمي، لأنه يعد أحد أسس المواطنة في الإسلام، والحق سبحانه وتعالى يقول في محكم آياته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، وتحمل هذه الآية الكريمة دعوة واضحة بضرورة أن يعيش المسلم في سلم مع الجميع، كما تحذر الآية من السير في طريق الفرقة والانقسام، لأنه عندما يتحقق السلم في المجتمع يستطيع كل إنسان أن يؤدي واجباته، وأن يسعى في الأرض في استقرار وطمأنينة، وكل ذلك يؤدي في النهاية لتحقيق السعادة المنشودة للأفراد والرفعة والتقدم للمجتمع. وأشار الدكتور طه أبو كريشة، إلى أن دعوة الإسلام للتعايش السلمي، تأتي لأن رسالته هي رسالة للعالمين، تهدف لنشر المحبة والتعاون والرحمة، بين الناس جميعا، بل إن الشريعة الإسلامية أوجبت على المسلم أن يتعامل بأخلاق الإسلام مع غير المسلمين، وأن يحسن إليهم ويعاملهم معاملة طيبة كريمة، فهي أخلاق الإسلام التي طالبت بالحفاظ على حياة وأعراض وأموال غير المسلمين، وكل ذلك يأتي في الإطار العام لمبادئ الشريعة الإسلامية، في حفظ النفس والدين والمال والعقل والعرض، ولذلك نجد أن القرآن الكريم يحذر كل من يعتدي على أموال الناس جميعاً، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، والحق سبحانه وتعالى يقول:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وهذه الآية الكريمة تحذر من أكل أموال الناس، أيا كانت ديانتهم، والهدف من ذلك هو تحقيق التعايش السلمي بين الناس جميعا، وأن يشعر كل إنسان في المجتمع بالطمأنينة والاستقرار. وهناك نص واضح في القرآن الكريم يحمل هذا المعني أيضاً وهو قول الله سبحانه وتعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وتطالب هاتان الآيتان بالبر والإحسان والسلم، مع غير المسلمين الذين يعيشون مع المسلمين في مجتمع واحد، لأن هؤلاء تربطهم علاقات المواطنة مع المسلمين، وهذا يتطلب التعامل بالحسنى والتعايش السلمي معهم، ليعيش المجتمع في سلام وأمن، نتيجة للعلاقات القوية بين أبنائه. ويؤكد الدكتور أبو كريشة، أن النبي الكريم -صلى الله عليه سلم- يقول في الحديث الشريف (كُلُّكُمْ لآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَاب)، وهذا الحديث الشريف يعني أن هناك روابط إنسانية بين الناس جميعا، فأبناء الوطن الواحد من ذوي العقائد المختلفة تربطهم روابط إنسانية ووطنية، وكل هذا يصب في صالح تحقيق التعايش السلمي وقبول الآخر المخالف، لأن وحدة المصير والهدف، تربط بين الناس في المجتمع الواحد، فيقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، وهذا دليل على دعوة الإسلام للتواصل والتعارف مع الناس جميعا، لأن ذلك يحقق المودة والتعايش السلمي، الذي هو أحد أسس المواطنة في الإسلام.

ويطالب الدكتور طه أبو كريشة بضرورة وجود منظومة شاملة، لغرس قيم التعايش السلمي، وذلك حتى يعيش المجتمع المسلم في جو من الطمأنينة، التي تضمن له مزيدا من التقدم والرقي، موضحا أن هذه المنظومة، تتطلب تعاونًا وتنسيقًا بين المؤسسات الدينية والإعلامية، من خلال استضافة العلماء المشهود لهم بالوسطية، للحديث عن قيمة التسامح وأهميته، ودوره في تحقيق الرخاء والتقدم لجميع أبناء المجتمع، وضرورة مواجهة الدعوات الهدامة، التي تستهدف الوقيعة بين المسلمين وغير المسلمين في الوطن الواحد.