أفكار وآراء

مستقبل الصحافة الورقية

26 سبتمبر 2017
26 سبتمبر 2017

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

تواجه الصحافة الورقية في العالم تحديات حقيقية في ظل التطور التقني المتواصل والذي جعل تلك الصحافة التقليدية في وضع معقد وصعب خاصة على صعيد التكلفة المالية والتحول في مسألة القراءة على صعيد الأجيال الجديدة .

ورغم ان الصحافة الورقية في الدول الغربية قد استفادت من التقنية بشكل مباشر الا ان الصحافة العربية لاتزال دون الطموح فيما يخص التحول الالكتروني على صعيد الاشتراكات والاعلان على طبعاتها الالكترونيه فهي تخسر القراء عند تحميل طبعاتها على النسخه الالكترونية رغم ان هناك استثناءات محدودة

ولعل التساؤل الأهم والذي يثار في المنتديات الاعلامية والنقاشات بين صناع الصحافة العربية بشكل خاص ماهو مستقبل الصحافة الورقية ؟

يشير عدد من الدراسات الحديثة الى ان الصحافة الورقية لن تختفي كليا ، على الاقل خلال الخمسين عاما القادمة ، ونحن نميل الى هذا الاستنتاج ، ومع ذلك فان التحديات التي تواجه الصحافة الورقية هي تحديات كبيرة ولعل صحف دول المنطقة ومنها السلطنة تعاني بشكل كبير في ظل ارتفاع سوق الورق والاحبار وانخفاض مخرجات التعليم من التخصصات ذات العلاقة المباشرة بمهنة الصحافة والاعلام ولم تعد مهنة الصحافة مهنة جاذبة ، وعلى ضوء ذلك فان المؤسسات الصحفية في السلطنة - ومن وجهة نظر شخصية بالطبع - تحتاج الى آليات على الصعيدين الفني والمادي من خلال الدعم الحكومي المباشر او التحول الى شركات مساهمة وتدار بشكل تجاري بحت.

التكامل بين الصحافة الورقية والحديثة

رغم ان شبكات التواصل الاجتماعي او مايطلق على مستخدميها بالمواطن الصحفي تشير الي الاعلام الجديد المرتبط بالتقنية الا ان مسألة اطلاق مهنة الصحافة على اي شخص يحمل كاميرا وهاتفا ذكيا هي تبسيط مخل بقيم ومعايير المهنة وقواعدها ، ولاتتماشى مع المنظومة التي تقوم عليها المهنة ، فالذي يحدث الآن هو تدفق معلومات غير منضبط وغير مضمون الحقيقية ، اي ان مصداقية المعلومات الهائلة التي تتدفق بشكل سريع وعلى مدار الساعة تفتقد في معظمها الى المصداقية والدقة بسبب اساسي يتمثل في غياب المصادر المؤكدة لتلك المعلومات .

واذا كانت هناك بوادر تنافس محموم بين التقنية في مجال الصحافة التقليدية وشبكات التواصل والاجتماعي والقنوات الاخرى التي تعتمد على التقنية ، فان ذلك في رأينا سوف يؤدي الى التكاملية بين الجانبين بحيث ان الصحافة الورقية حاليا تستفيد من التقنية الى حد كبير، ويتم توظيفها لصالح القراء ، وهناك قنوات تلفزيونية لبعض الصحف ومواقع اخبارية ، وهنا نحن نتحدث عن تلك التكاملية بحيث تكون هناك سرعة في نقل الخبر الموثق من مصادر مؤكدة ، وان تكون للصحف شبكات اخبارية لتفعيل الاخبار على طبعاتها الالكترونيه ، وكذلك الصور المرئية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة وهذا سوف يخلق تناغما بين التقنية والادوات الصحفية التقليدية .

اما مسألة حتمية اختفاء الصحف الورقية بعد خمسين عاما او اقل من الآن ، فهذا الاحتمال وارد بقوة مع تزايد الاختراعات في مجال الالواح الالكترونية التي تعد المرشح الابرز لتكون صحف ناطقة ومصورة ، وتحديث الاخبار بشكل متواصل ، ومن هنا فان بعض الصحف الورقية في اوروبا والولايات المتحدة ، وفي بعض الدول العربية قد تحولت الى صحف الالكترونية بسبب الاوضاع الاقتصادية ، وتبدل المزاج فيما يخص القراءة ، ومن هنا فان التحدي التقني امام الصحف الورقية هو تحد حقيقي ، مما يستدعي من المؤسسات الصحفية التكيف قدر الامكان مع هذه الظروف الجديدة .

الأجيال الجديدة والقراءة

الصحافة الورقية منذ نشأتها تعتمد على القراء والمتابعين وشهدت هذه الصحافة ازدهارا كبيرا خلال الخمسين عاما الماضية ، بسبب ثقافة القراء وغياب التقنية ووجود كبار الكتاب والصحفيين في العالم العربي والذين شكلوا ظاهرة للمعرفة ولكل الفنون الصحفية ، مما جعل الاقبال على الصحف يتطور حتى اصبح جزءا من حياة الناس خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية كمصر والعراق والجزائر والمغرب والسودان ، كذلك شهدت دول مجلس التعاون الخليجي طفرة كبيرة في مجال الصحافة الورقية بانتقال كبار الصحفيين العرب للعمل فيها بل وتاسيس الكثير منها.

وانعكس ذالك الاقبال على الصحف الورقية على ازدهار الاعلان التجاري والتسويق والاشتراكات ، فالصحف المصريه كالأهرام والاخبار مثلا ، كانت توزع نسخا بالملايين في طبعاتها المختلفة وايضا الحال في بيروت حيث كانت القاهرة وبيروت هما عاصمتا الصحافة العربية لسنوات طويلة .

ومع هذا التحول التقني المتسارع الذي شهده العالم خلال العقدين الأخيرين ومع وجود اجيال الهواتف الذكية والالواح الالكترونية تراجع قراء الصحف بشكل كبير حيث لم يعد هناك سوى الاجيال السابقة والمتابعين للثقافة العربية والتحليلات السياسية ، كما لعبت القنوات الاخبارية والرياضيه ، دورا في التقليل من القراءة المباشرة علاوة على ان معظم الصحف الورقية اصبحت متاحة على الشبكة العالمية من خلال مواقعها الالكترونية .

كما ان الأوضاع الاقتصادية ، التي تمر بها الدول العربية خاصة النفطية، بعد التراجع الكبير لأسعار النفط وارتفاع مدخلات الانتاج بالنسبة للصحف وتخفيض الاشتراكات الحكومية والخاصة والاعلانات كذلك ، ساهمت في تردي اوضاع الصحافة الورقية. واذا استمر الحال على ماهو عليه من تحديات فان المستقبل القريب قد يشهد تحول بعض الصحف في المنطقة الى صحف الكترونية ، وقد يستثنى من ذلك الصحف الحكومية .

وأمام هذا الوضع الصعب وجملة التحديات ، فان الصحافة الورقية في العالم امام مفترق طرق ، وكمهنيين فان الوضع يحتاج الى تدخل حكومي وآلي آليات واجراءات تساعد الصحافة العمانية على الاستمرار باعتبارها ادوات وطنية هامة خدمت التنمية على مدى سنوات طويلة ، كما ان تعثر الصحافة الورقية الوطنية ـ اذا حدث لا قدر الله بشكل او بآخر - قد يثير اشكالات على المستوى المهني والوظيفي من خلال ابتعاد الصحفيين عن المهنة ووجود باحثين عن العمل من التخصصات ذات العلاقة بالصحافة والاعلام ، علاوة على غياب المهنية والمصداقية في الطرح ، والتحول الى ادوات اخبارية اخرى مثل شبكات التواصل الاجتماعي ذات المصداقية المتدنية، علاوة على ان مستقبل الصحافة الورقية مرتبط بالتوثيق من خلال الصورة والمعلومة ايضا .

فالورق وما كتب عليه من تغطيات واحداث وطنية هو توثيق حقيقي ينقل للاجيال الجديدة ، كما ان الصحف المحلية تمتلك ارشيفات مهمة توثق لمسيرة النهضة المباركة ، منذ بزوغها عام 1970 حيث عطاء الأجيال الصحفية المتعاقبة ، كما ان النقطة الاساسية هي ان غياب الصحافة الورقية هو خسارة للوطن ، فالصحف تبقى حائط صد للمنظومة الوطنية ، وتلعب دورا مهنيا للتصدي لأي مغالطات خارجية او محاولات تشكيك ، وهنا تكمن المشكلة الاساسية في الواقع .

الصحافة الورقية في وضع صعب ، ولكن الأصعب هو عدم التحرك الحكومي نحو مساعدتها حتى من خلال آليات مثل شراء الورق وزيادة الاعلان والاشتراكات ، حتى تبقى الصحافة الورقية تلعب دورها الوطني والمهني وتبقى لعدة عقود على الاقل .