العرب والعالم

مقال : الاتفاق النووي مع إيران أمام 3 خيارات أمريكية

25 سبتمبر 2017
25 سبتمبر 2017

تخيل أننا عدنا إلى عام 1948، ولنفترض أن جوزيف ستالين (القائد الثاني للاتحاد السوفييتي ورئيس الوزراء بين عامي 1941-1953) تقدم بعرض لوقف جهود الاتحاد السوفييتي لتطوير قنبلة نووية لمدة 15 عاما. وضمن الاتفاق نفترض أنه سُمح لمفتشين من الأمم المتحدة بدخول الاتحاد السوفيتي، ومراقبة كافة أنشطته النووية، ولنفترض أيضا أنه قال إن مسؤولي الأمم المتحدة يمكنهم تفتيش منشآت سوفيتية أخرى، إن كان لديهم أسباب وجيهة للاشتباه في أنشطة محظورة.ولنتخيل أيضا أن ستالين قال إنه سيتخلى عن جزء كبير من اليورانيوم المخصب، لتصبح بجعبته كمية قليلة لا تكفي لإنتاج قنبلة نووية.. ماذا كان سيطلب ستالين في المقابل؟.. مجرد تنازلات اقتصادية للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد السوفيتي الذي مزقته الحرب العالمية الثانية.ولنفترض أن ستالين أصر على الاحتفاظ بالقدرة على تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية (مثل مفاعلات الطاقة أو الاستخدامات الطبية). ولنفترض أيضا أنه قال إنه لن يسحب الجيش الأحمر من أوروبا الشرقية أو يتوقف عن محاولة نشر الشيوعية في أجزاء أخرى من العالم.باختصار، كانت الحرب الباردة (1947-1991) ستستمر، ولكن الاتحاد السوفييتي سيُحرم من أسلحته النووية، طالما ظل الاتفاق ساري المفعول. وبطبيعة الحال، من الصعب أن نصدق أن الديكتاتور السوفيتي المصاب بجنون العظمة كان سيقدم هذا العرض. ولكن إذا كان لديه نية لذلك، هل تعتقد أن (الرئيس الأمريكي) هاري ترومان (1945-1953) و(وزير خارجيته) جورج سي مارشال (1947-1949)، و(وزير خارجيته) دين أكيسون (1949-1953) سيقبلون ذلك ؟ الأمر كان يحتمل المراهنة.إذا كان مثل هذا الاتفاق قد تم التوصل إليه عام 1953، لوجدنا (الرئيس الأمريكي آنذاك) دوايت د. أيزنهاور (1953- 1961) و(وزير خارجيته) جون فوستر دوليس (1953-1959) قد بذلا كل جهدهما للحفاظ على سريانه، والسبب واضح: أن الاتفاق كان سيمنع الاتحاد السوفييتي من امتلاك أسلحة ذرية حتى أوائل الستينيات (على الأقل)، ما يجعل من غير المرجح أن تفاجئنا موسكو بتجربة نووية استعراضية مفاجئة (كما فعلت عام 1949). وكحد أدنى، كان من شأن هذا الترتيب تمديد فترة التحذير المحيطة بأي جهد سوفيتي مستقبلي للإسراع نحو حيازة القنبلة.

من المؤكد أن هذا السيناريو لم يكن أصلا قابلا للتخيل. ومع ذلك، فإنه يذكرنا بمدى غرابة وقصر النظر وعدم واقعية الحملة المجددة حاليا ضد الاتفاق النووي الإيراني (الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو (2015. الواقع أن إيران وافقت على الشروط نفسها التي أشرنا إليها أعلاه، وبذلك انتهت إمكانية أن تصبح دولة مسلحة نوويا بشكل نشط لمدة لا تقل عن 15 عاما. لكن رغم أن الاتفاق، وإلى حد كبير، يصب في مصلحة الولايات المتحدة، ومصلحة حلفائنا الإقليميين الرئيسيين، فإن النقاد نفسهم يواصلون استهدافه.

وكانت الجولة الأخيرة في حملتهم تلك قد تمثلت في كلمة المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، الخطيرة والمليئة بالمغالطات، في معهد «أمريكان إنتربرايز»، الأسبوع الماضي. إن الكلمة مفيدة من زاوية واحدة فقط: فهي تقدم ملخصا عن الحجج التي كان خصوم الاتفاق النووي يحضرونها منذ توقيعه. ولسوء الحظ، فإن هذه الكلمة ليست دليلا دقيقا يمكن السير وراءه بشأن الاتفاق في وضعه الحالي، والأهم من ذلك، أن هذا (الانتقاد) ليس في مصلحة الولايات المتحدة.

ومن بين أمور أخرى، إدعت «هالي» كذبا أن الاتفاق «أعطى إيران ما تريده مقدما، مقابل وعود مؤقتة لتسليم ما نريد».

والحقيقة تبعد عن هذا الزعم بمقدار 180 درجة. فقد تخلت إيران عن اليورانيوم المخصب، وفككت 13 ألف جهاز للطرد المركزي، وفككت مفاعل «أراك»، وسمحت للأمم المتحدة بتثبيت أجهزة المراقبة، ونفذت البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار، وتدابير أخرى .. كل ذلك قبل أن تبدأ الولايات المتحدة أو أي شخص آخر برفع العقوبات.

كما إدعت «هالي» أن إيران مدانة «بانتهاكات متعددة»، وهى كذبة تمحوها حقيقة أن الحكومة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتبرتا مرارا أن إيران في حالة امتثال . وقد تجاوزت إيران الحد الذي تم التفاوض عليه بشأن حاجز الـ130 طنا من المياه الثقيلة مرتين (بأقل من طن في كل مرة)، وسرعان ما صححت المسألة عندما تمت الإشارة إلى ذلك. وكررت «هالي» ما يقوله المحافظون الجدد عن أنشطة إيران الإقليمية «المزعزعة للاستقرار»، التي لم تكن جزءا من الاتفاق، وأثارت «شبح» المواقع المفترضة «غير المعلنة «التي لم تنظر فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد.

وبهذا المنطق الملتوي، لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت إيران تمتثل حتى نفتش كل مختبر وقاعدة عسكرية ومسجد وغرفة فندقية وكوخ في جميع أنحاء البلاد. ومن الأسهل أن يتم توجيه اتهامات ملفقة، بدلا من السعي وراء الحقيقة، ما يجعل التحقق من دوافع نقاد الاتفاق بمثابة مشروع لا نهاية له ومرهق.

فعندما يخذلهم المنطق والحقائق، فإن معارضي الاتفاق يُصدّرون أسطورة «اتفاق أفضل».

وبعد أن فشلوا في وقف مفاوضات (الرئيس الأمريكي السابق باراك) أوباما (2009-2017) الأصلية، يدّعون الآن أن التصديق على الاتفاق هو الخطوة الأولى لإقناع إيران والأعضاء الآخرين الموقعين على الاتفاق (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) بتنقيحات رئيسية أو قيود جديدة.

وكما كتبت من قبل، هذا عبث، بل حتى آمال تبعث على الضحك.على النقيض من المصادر غير الموثوقة، مثل مراسل «بلومبرغ»، «إيلي ليك»، فإن الموقعين الآخرين لا يزالون ملتزمين التزاما قويا بالاتفاق ويريدون أن يظل على حاله، حتى لو كانوا يريدون أيضا أن تقوم إيران بتعديل بعض سلوكها الآخر بطرق أخرى. والأهم من ذلك أن هذا الرأي يفترض بشكل غير صحيح أن الولايات المتحدة لديها نفوذ غير محدود على إيران، وأن التصرف بخشونة الآن سيؤدي إلى اتفاق أفضل بطريقة سحرية.

وقد تمت تجربة نهج القوة مع إيران بين عامي 2000 و2012، وكانت النتيجة أنها امتلكت أكثر من 12 ألف جهاز طرد مركزي. وفقط عندما أبدت الولايات المتحدة استعدادا لاستيعاب بعض «الخطوط الحمراء» الإيرانية، جعلتها ترتاد طريقا عكس مسارها.

وما يزال هذا المنطق نفسه صحيحا اليوم. وبصرف النظر عن ذلك، تبقى الحقائق الأساسية للاتفاق واضحة وصريحة، ولا يمكن تغييرها. هناك، في الواقع، ثلاثة خيارات واقعية فقط. الخيار الأول هو الحفاظ على الاتفاق النووي بأفضل طريقة ممكنة، وإشراك إيران في حوار بناء حول المجالات التي نختلف فيها وتلك التي قد تتوافق فيها مصالحنا. وطالما استمر الموقعون على التقيد بأحكامه، وكذلك إيران، رغم تلميحات «هالي»، فإن طهران لن تمتلك قنبلة نووية، والولايات المتحدة وحلفائها سيكونون أكثر أمنا.

والخيار الثاني هو السماح بانهيار الاتفاق، وبالتالي إزالة القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، وترك إيران حرة في تطوير قنبلة إذا رغبت في ذلك. ويجب أن نضع في اعتبارنا أنه إذا أجهضت الولايات المتحدة الاتفاق، وظل صقور الإدارة الأمريكية يتحدثون عن تغيير النظام، فسيتم تعزيز موقف المتشددين في طهران، وسيزيد ذلك من حافز إيران لامتلاك نوع من الردع، ما يجعل دخولها النادي النووي أكثر احتمالا. لذا فإن الخيار الثاني يعني أن إيران ستصبح مسلحة نوويا. لكن إذا كنتم لا تحبون تلك النتيجة، فهناك دائما الخيار الثالث: ألا وهو الحرب الوقائية . نعم، فقط ما تحتاجه الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط الآن، هو حرب أخرى (!). ليس كافيا أننا ما زلنا نحارب تنظيم (داعش)، ولا تزال سوريا غارقة في الصراع واليمن ينهار وسط التطرف والمرض والحرب. إنه وقت مثالي لبدء حرب مع إيران أيضا، مما يستدعي الانتقام الإيراني مباشرة أو عن طريق الوكلاء الإقليميين مثل حزب الله. وبطبيعة الحال، فإنه لن يفاجئك أن الذين يسعون لإنهاء الاتفاق النووي هم غالبا الأشخاص أنفسهم الذين دعوا مرارا إلى العمل العسكري ضد إيران.

وتخيل ماذا؟.. هم في الغالب العباقرة الاستراتيجيين أنفسهم الذين قالوا إن الإطاحة بصدام حسين (الرئيس العراقي/‏ 1979-2003) ستكون سهلة ورخيصة، وتحول الشرق الأوسط إلى بحر من الديمقراطيات المؤيدة لأمريكا. وصراحة، الأمر المذهل بعض الشيء أن مثل هؤلاء الأشخاص لا تزال آراؤهم تؤخذ على محمل الجد (ودعونا لا ننسى أنهم كانوا دائما على خطأ)، ولكن لم يدع أحد إلى محاسبة هؤلاء الأشخاص.

ومع ذلك قد تكون هناك بارقة ضوء في مقامرة «هالي» وبقية هذه الحملة الخادعة.

فبالنظر إلى «قرار» (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب بشأن برنامج المهاجرين الشباب (بأن يعلن نائبه العام إنهاء البرنامج، ومن ثم منح الكونجرس ستة أشهر لإيجاد بديل)، لم يتطرق خطاب «هالي» إلى القول بأن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من الاتفاق. وفي الواقع، يبدو أنها تضع في الغالب أساسا منطقيا لإعلان عدم امتثال إيران.

وهذه الخطوة هي شيء يريده ترامب حقا (بغض النظر عندما يقوله كبار مستشاريي السياسة الخارجية له)، الأمر الذي يعني في الواقع إحالة القضية برمتها إلى الكونجرس. ولنتذكر أن الحاجة إلى «التصديق» على الامتثال الإيراني ليست جزءا من الاتفاق النووي نفسه.

وكان ذلك شرطا قد فرضه الكونجرس مرة أخرى عندما تمت الموافقة على الاتفاق في عهد أوباما. إن إعلان أن إيران غير ممتثلة (بغض النظر عما يمكن أن تكون عليه الحقائق) يعيد القضية ببساطة إلى الكونجرس. وهنا الأمر المثير للاهتمام: في هذه المرحلة، هل سيتحمل الكونجرس المسؤولية عن نسف الاتفاق؟ لست متأكدا من ذلك.

وعلى مدى السنوات العشرين الماضية أو أكثر، تمكن أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب (غرفتي الكونجرس) من تسجيل الكثير من النقاط السياسية الرخيصة عبر رعاية القرارات المعادية لإيران، والعقوبات، وغيرها من التشريعات، وهي تهدف غالبا إلى إظهار مدى قوتهم والرضوخ للضغط المستمر من اللوبي الإسرائيلي.

إن إنهاء الاتفاق النووي مباشرة يعني أن الكونجرس سيملك سياسة يمكن أن تؤدي بإيران في الواقع إلى الحصول على القنبلة أو إلى وضع سيجعل الولايات المتحدة تخوض حربا لمنعه. هل يريد أحد في الكونجرس حقا أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن أي من هذه النتائج؟ . الخلاصة هي أنني أود أن يكون لدى أعضاء الكونجرس الدراية الكافية، وأن يستقروا على مبدأ، ويكونوا واقعيين ومنفتحين على الشؤون الخارجية، وأكثر استعدادا للوقوف أمام السلطة التنفيذية في القضايا الدولية الكبرى.

* الكاتب - ستيفن أم. والت: أستاذ أمريكي في العلاقات الدولية بكلية كينيدي في جامعة هارفارد.

* مقال نشر في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية يوم 11 سبتمبر 2017 .

* ترجمة - مصطفى كامل - الأناضول.

* لا يعبر بالضرورة عن السياسة التحريرية لوكالة الأناضول، وصحيفة $ .