الملف السياسي

دعوات إصلاح مجلس الأمن.. بين التطلعات والعقبات

25 سبتمبر 2017
25 سبتمبر 2017

د.أحمد سيد أحمد -

،، بدون توافر الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي خاصة من جانب الدول الكبرى فإن دعوات الإصلاح الحالية سوف تلقى مصير الدعوات السابقة،،

في كل اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما هو الحال في الدورة الـ72 الحالية، دائما ما تثار قضية إصلاح الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن المناط به حفظ السلم والأمن الدوليين، ووردت الدعوة للإصلاح من جانب الزعماء والرؤساء ووفود الدولة المختلفة، منذ أكثر من عقدين من الزمن، بل وقدمت عشرات المشروعات الخاصة بإصلاح الأمم المتحدة ككل بهياكلها المختلفة الاجتماعية والاقتصادية أو الخاصة بمجلس الأمن والتي ترتكز على أمرين : توسيع عضوية المجلس ليكون أكثر تمثيلا وعدلا ومعبرا عن مناطق العالم المختلفة بضم دول جديدة لها ثقلها السياسي والاقتصاد والعسكري مثل ألمانيا واليابان والبرازيل والهند وغيرها، أو بإصلاح نظام الفيتو الذي تحتكره الدول الخمس الكبرى، الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والذي أدى لشلل المجلس وفشله في معالجة الأزمات والصراعات الدولية ومصادر التهديد الجديدة غير التقليدية للسلم والأمن الدوليين خاصة في فترة الحرب الباردة وما بعدها.

فنظام مجلس الأمن بشكله الحالي لم يعد قادرا على تحقيق أهدافه الأساسية التي أنشئ من أجلها وهى حفظ الأمن والسلم الدوليين وتحقيق الاستقرار العالمي، حيث تسبب نظام الفيتو في منع المجلس من التدخل بفاعلية في العديد من الأزمات الكبرى بسبب ارتباط إحدى القوى الكبرى داخل المجلس خاصة روسيا والولايات المتحدة بأحد أطراف الصراع والأزمات المشتعلة في العالم، كما حدث في سوريا وليبيا وإيران وكوريا الشمالية، والمثال الأبرز هنا القضية الفلسطينية التي استخدمت الولايات المتحدة مرارا حق الفيتو لمنع صدور أي قرار يدين الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما ساعد الحكومة الإسرائيلية على تحديها للمجتمع الدولي وتماديها في سياسة فرض الأمر الواقع في القضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية عبر التهويد والاستيطان، كما تم استبعاد المجلس من التدخل العديد من الأزمات وتحركت الدول الكبرى خارج إطار المجلس ثم استخدامه في مرحلة لاحقة لإضفاء الشرعية القانونية على ممارساتها كما حدث في حرب العراق عام 2003.

ولم يعد المجلس بشكله الحالي قادرا على التفاعل بإيجابية مع المصادر الجديدة التي تهدد السلم والأمن العالمين، وعلى رأسها خطر الإرهاب الذي بات يهدد العالم بأجمعه حيث انتشرت ساحة الإرهاب لتشمل العديد من مناطق العالم المختلفة في الشرق الأوسط وأوروبا إفريقيا وأمريكا وآسيا وطور الإرهاب من أساليبه وأصبحت العشرات من التنظيمات الإرهابية، التي تشكل فواعل من غير الدول مثل داعش وغيرها، تمثل تحديا للمنظومة الدولية وللفاعلين الدوليين من الدول. كذلك انتشار الحروب الأهلية والصراعات المسلحة داخل الدول على أسس عرقية ودينية وطائفية ولغوية خاصة في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار النظام الدولي ثنائي القطبية.

وقد توسع مجلس الأمن الدولي في صلاحيته خاصة المادة 39 من الميثاق التي تتيح للمجلس حق تقدير مصادر تهديد السلم الدولي والذي توسع فيه بشكل كبير وامتد إلى التدخل من أجل حماية الديمقراطية والتدخل للاعتبارات الإنسانية والجرائم الإرهابية مثل الاغتيالات وغيرها وهو ما أتاح له التدخل في العديد من الأزمات في مختلف مناطق العالم لكنه لم ينجح في الكثير من تلك الأزمات في التوصل إلى تسوية دائمة وشاملة. كما توسع المجلس في استخدام الفصل السابع من الميثاق الذي يقوم على فرض عقوبات دولية على الدول التي تهدد السلم الدولي مثل كوريا الشمالية.

لكن نظام العقوبات الدولية لم يكن ناجعا في ردع الدول عن تهديد السلم الدولي، حيث لم ينجح في إجبار كوريا الشمالية، على سبيل المثال، على وقف برامجها النووية والصاروخية، بينما كان للعقوبات تأثيرا سلبيا أكبر على الشعوب، ومن هنا طالب البعض بإصلاحات نظام العقوبات بما يعرف بالعقوبات الذكية التي تحقق أهدافها مع تقليل التأثيرات السلبية الناتجة عنها. كما توسع المجلس في عمليات حفظ السلام في كثير من المناطق العالم وأنشأ المجلس أكثر من 60 بعثة ومهمة حفظ سلام في مناطق النزاعات والصراعات في مختلف أنحاء العالم خاصة في إفريقيا وآسيا وأوروبا، لكن بعض هذه البعثات لم تنجح في ترسيخ وبناء السلام في هذه المناطق، إضافة إلى الانحرافات التي ارتكبتها بعض قوات حفظ السلام ضد السكان المحليين خاصة في بعض الدول الإفريقية كما حدث في الكونغو ورواندا والصومال وغيرها.

ورغم أهمية وضرورات إصلاح الأمم المتحدة بشكل عام لتحقيق أهدافها الإنمائية والاقتصادية وتحقيق العدالة بين الشعوب، وإصلاح مجلس الأمن بشكل خاص، وهو ما برز في الدعوات المتكررة ومنها دعوة الرئيس ترامب الأخيرة في كلمته أمام الاجتماع الأخير للجمعية العامة، إلا أن هناك عقبات عديدة وقفت أمام عملية إصلاح مجلس الأمن تحديدا خاصة فيما يتعلق بغياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الدول الكبرى دائمة العضوية ورفضها توسيع المجلس أو منح حق الفيتو للدول الجديدة، كما أن إصلاح المجلس ونظام العضوية ونظام الفيتو يتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة الذي بدوره يتطلب موافقة هذه الدول الخمسة، والتي تريد الاحتكار لنفسها بميزة العضوية الدائمة وحق الفيتو. كذلك تضارب وتعارض مشروعات الإصلاح العديدة المقدمة من جانب الدول والمنظمات الدولية نتيجة للاختلاف حول صيغة توسيع العضوية ومن له حق نيل العضوية، فمثلا الصين تعارض حصول اليابان على عضوية دائمة نظرا للحساسيات الاستعمارية القديمة بين البلدين، كما تعارض فرنسا حصول ألمانيا على عضوية دائمة وحق الفيتو بسبب الخوف من النزعات الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية، كذلك غياب رؤية موحدة بين دول العالم الثالث حول صيغة محددة للإصلاح، كما أن لعبة المصالح السياسية والتوازنات ومحاولات بعض الدول الكبرى توظيف المجلس لخدمة مصالحها وأجندتها وتسييس قراراته شكل عائقا أمام فاعلية المجلس وأمام محاولات الإصلاح.

و لاشك أن تزايد المخاطر الدولية وحالة عدم الاستقرار في العالم مع تصاعد ظاهرة الإرهاب والحروب الأهلية والهجرة غير الشرعية وتفاقم مشكلات اللاجئين ومعاناتهم الإنسانية والانتهاكات المتزايدة ضد الأقليات كما يحدث حاليا في ميانمار، تفرض أهمية التحرك العاجل من جانب المجتمع الدولي لإصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليين، وهذا لن يتحقق إلا بتوافر الإرادة السياسية الحقيقية للدول الكبرى صاحبة العضوية الدائمة وأن تقود بالفعل مشروع الإصلاح وتترجمه إلى واقع ملموس بالتنسيق مع القوى الدولية الأخرى البارزة في النظام الدولي والتنسيق أيضا مع المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وغيرها، في إطار التكاتف الدولي والتعاون المشترك من أجل مواجهة الأخطار المشتركة التي تهدد العالم كله، حيث لم تعد هناك دولة مهما كان قوتها قادرة على التعامل بمفردها مع تلك التهديدات. كما أن إصلاح المجلس يتطلب توحيد رؤى الدول النامية والصاعدة لتشكل ضغطا على الدول الكبرى لكى تستجيب بالفعل لدعوات الإصلاح، ويتطلب كذلك إعادة صياغة آليات المجلس وإصلاح نظام العقوبات لكي تكون أكثر فاعلية مع التهديدات الجديدة. ولذلك، فانه بدون توافر الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي، وخاصة من جانب الدول الكبرى، فإن دعوات الإصلاح الحالية سوف تلقى مصير الدعوات السابقة، وليظل إصلاح الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن بشكل خاص في إطار الطموحات والآمال، بينما تتزايد المخاطر والتحديات أمام المجتمع الدولي.