المنوعات

أشــعـة كـونية تصـل إلى الأرض من خـارج المجــــرة

22 سبتمبر 2017
22 سبتمبر 2017

فوبرتال/‏‏مالارجو (ألمانيا) «د.ب.أ»: - أثبتت أبحاث فلكية حديثة أن الكرة الأرضية تكتظ بجسيمات كونية تأتي من مجرات بعيدة عن مجرتنا «درب اللبانة».

ونشرت مجلة العلوم «ساينس» المتخصصة في العلوم الطبيعية بحثا أعده أكثر من 400 باحث من 18 دولة أثبتوا هذه الحقيقة بجلاء، حيث بينت قياسات مرصد بير أوجر في الأرجنتين أن الجسيمات التي تحتوي على قدر كبير من الطاقة تأتي كجزء مما يطلق عليه الأشعة الكونية، وهي تصل إلى الأرض قادمة من مصادر خارج المجرة.

وقال المتحدث باسم المرصد والمشارك في تأليف البحث كارل هاينس كامبرت، وهو فيزيائي متخصص في الجسيمات الفلكية بجامعة فوبرتال الألمانية: إنه «بفضل معلومات حديثة تمكن الباحثون من إيضاح مسائل رئيسية عن نشأة الكون، ودرب اللبانة وغيرها من المجرات الأخرى».

وأوضح البحث الجديد أن الأشعة الكونية تتكون من برد (بفتح الراء) جزيئي غني بالطاقة، يتساقط باستمرار على أجواء الأرض. وذكر البحث أن هذه الجسيمات هي أنوية ذرية سريعة الحركة لعناصر كيميائية مختلفة أهمها ذرات الهيدروجين (البروتونات).

ولم تتم حتى الآن دراسة مصادر هذه الجسيمات السريعة إلى حد كبير. ومن بين مصادر هذه الجسيمات الشمس التي ترسل بلا انقطاع جزيئات يطلق عليها الرياح الشمسية تصل كمية الطاقة بها إلى حوالي 100 مليون فولت إلكتروني.

ويمكن أن تؤدي جسيمات الرياح الشمسية إلى تشويش الاتصالات اللاسلكية وقطع إمدادات الكهرباء على سطح الأرض. غير أن الجسيمات التي رصدها مرصد بير أوجر في مالارجو أغنى بالطاقة من الرياح الشمسية بمليارات الأضعاف. وكان أعلى جسيم احتواء للطاقة تم رصده هو جسيم بطاقة تصل إلى 300 تريليون فولت إلكتروني. وبهذا يحتوي هذا الجسيم شبه النووي على طاقة ككرة تنس مضروبة بقوة، الأمر الذي أذهل علماء الفيزياء حتى أطلقوا عليه اسم الصرخة التي عبروا بها عن تعجبهم منه: «إنه جسيم - يا إلهي».

يتألف المرصد من 1600 جهاز كشف تمتد على مساحة قدرها 3000 كيلومتر مربع، وهي مساحة تزيد على مساحة ولاية زارلاند الألمانية، ويقع كل جهاز كشف من هذه الأجهزة داخل محطة قياس مليئة باثني عشر طنا من الماء.

وتصطدم جسيمات الأشعة الكونية عند قدومها إلى أجواء الأرض بجزيئات الهواء، ما يؤدي إلى تمزق جزيئات الهواء وارتطام حطامها بجزيئات أخرى، حتى ينشأ تكدس من الجسيمات يشبه كومة جليدية يؤدي إلى تقسيم طاقة الجسيمات الأصلية.

فإذا وقعت هذه الجسيمات المليئة بالطاقة على الماء داخل خزاناته فإنها تتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء في الماء، وترسل ضوءا كما يبين العالم كامبرت «يمكن للمرء أن يتخيله كما تخترق طائرة حاجز الصوت، وهو ما نسميه في حالتنا أشعة شيرينكوف»، وهذا الضوء أثبتته أجهزة الاستكشاف.

ويضيف كامبرت أنه من خلال تحديد وقت وصول جبل الجسيمات تماما يمكن للعلماء أن يقولوا تحديدا من أي اتجاه جاءت في الأصل هذه الجسيمات، إلا أن تحديد المصدر أمر صعب، حيث تتعرض هذه الجسيمات المحملة بالكهرباء خلال سيرها في أجواء الكون إلى الانحراف بسبب العديد من المجالات المغناطيسية التي تقابلها.

وفي حالة الطاقة الأدنى فإنها تنزل متداخلة من جميع الاتجاهات بنفس درجة التكرار، وفي هذه الحالة يشبه الشعاع الضوئي توزيع الضوء بصورة متماثلة عبر ضباب كثيف. أما في حالة الطاقة المرتفعة كما أثبت الاختبار الأخير فإن ذلك يتغير، حيث تقل قوة المجالات المغناطيسية الكونية فلا تستطيع انتزاع الجسيمات السريعة من مدارها، إلا أن الجسيمات القوية ذات الطاقة العالية من نوع «إنه جسيم يا إلهي» لا تأتي إلى الأرض إلا بندرة كبيرة، فلا يقع مثل هذا الجسيم على مساحة مثل ملعب كرة قدم إلا مرة واحدة في كل قرن في المتوسط.

إلا أنه بفضل المساحة الكبيرة تمكن مرصد بير أوجر من التقاط عدد كاف من الجسيمات الكونية عالية الطاقة لتحليل اتجاهات مصادرها.

وتمكن العلماء عبر قياسات استمرت عشرة أعوام من إعداد خريطة للسماء حسب الأشعة الكونية عالية الطاقة تمكنوا معها من الربط بين هذه الأشعة وأحد المصادر المنبثقة عنها لأول مرة.

وأسفرت النتيجة عن أن هذه الأشعة الكونية عالية الطاقة لا تأتي من درب اللبانة (التبانة)، وإنما من مجرات قريبة مجاورة له. وحتى الآن ليس بمقدور العلماء إلا أن يحددوا مناطق غنية بالمجرات في فضاء الكون كمسؤول عن تلك الأشعة ولا يستطيعون تحديد أجسام فضائية بعينها كمصدر لها، تماما كما يرى الإنسان إضاءة سفينة كبيرة عبر الضباب، فيرى كتلة من الضوء ولا يستطيع تحديد المصابيح بعينها. وللحصول على صورة واضحة فإنهم يريدون تغيير تقييم البيانات المتاحة لهم، فحتى الآن تم وضع جميع الجسيمات الكونية في بؤرة الاهتمام.

لكن هناك أنوية (جمع نواة) أثقل وزنا تتطاير في الفضاء أقل من نواة الحديد استقامة وأقرب إلى نواة الهيليوم.

ويوضح كامبرت قائلا: «لو أننا استطعنا التوصل إلى هذه الأنوية الذرية، سيكون من الممكن أن نكون صورة أكثر دقة عن مصدر تلك الأشعة الكونية»، ولهذه الغاية يتم تحسين قدرات المرصد حاليا.