Untitled-1
Untitled-1
المنوعات

الآن في جحيم المستقبل

21 سبتمبر 2017
21 سبتمبر 2017

مارجريت أتوود في حوار مع بوسطن رفيو :-

حوار: جونو دياز -

ترجمة: أحمد شافعي -

صدرت رواية «قصة خادمة» لمارجريت آتوود سنة 1985، وهي رواية فازت بجوائز عديدة وحظيت بثناء نقدي وجماهيري كبير، وتجري أحداثها في أجواء دستوبية [مناقضة لليوتوبيا أو المدينة المثالية في المستقبل القريب، حيث يطيح أصوليون يمينيون بالحكم في الولايات المتحدة ويقيمون بدلا منها جمهورية جلعاد. وجلعاد دولة ثيوقراطية شمولية تتخذ من النساء القادرات على الإنجاب إماء جنسيات يرغمن على الإنجاب للأزواج العقماء. في هذا الحوار يتحدث الروائي جونو دياز إلى مارجريت آتوود عن «قصة خادمة» والمسلسل التليفزيوني المستلهم حديثا منها.

• سأدخل في صلب الموضوع. في مسيرة نسائية رفعت لافتة كتب عليها «أعيدوا أدب مارجريت آتوود من جديد» [وهو تلاعب بشعار حملة ترامب الانتخابية «أعيدوا أمريكا عظيمة من جديد» فكان لها صدى عميق لدي كثير من الناس الذين يشعرون أن الحياة في ظل حكم ترامب هي بمثابة ديستوبيا للنساء. هل ينتابك مثل هذا الشعور؟

نعم. نحن في كندا. لكنني، كما تعلم، عشت بضع سنين في الولايات المتحدة، ولي فيها أصدقاء كثر. الأمر ليس ترامب وحده. الجو العام، في بعض أجزاء الولايات المتحدة، يتجه بلا شك في وجهة «قصة خادمة». ولذلك كانت الاعتصامات الأخيرة في المجالس التشريعية مفهومة تماما: جماعة من النساء في أزياء الخادمات يظهرن في تكساس، بينما زمرة من المشرعين الرجال فقط يمرِّرون قوانين تتعلق بقضايا المرأة الصحية. اكتفين بالجلوس، لم يقلن أي شيء، لكي لا يطردن، وراجت لهن صورة بالغة الدلالة والرجال المسلحون يحيطون بهم، صورة كأنها مستلة من العرض التليفزيوني.

• لم أر تلك الصورة. ولكن مجتمعنا الآن يتقدم ببراعة في تطبيق الكتاب على نحو ما كان ليخطر في الخيال.

أكثر كثيرا مما كان ليخطر في الخيال. في عام 1985 لم يكن الأمر إلا احتمالا. لكنه اليوم في بعض أجزاء الولايات المتحدة واقع يقترب. ومثلما تعلم، أنا لم أضع في الكتاب شيئا لم يفعله بعض الناس في وقت ما ومكان ما. وفي بعض بلاد العالم، هذه هي عروض تليفزيون الواقع إلى حد كبير.

• قرأت «قصة خادمة» حينما صدرت للمرة الأولى، وبرغم صعود اليمين الديني المتسارع وما بذله في ذلك العقد من جهود للانقلاب على الحقوق الإنجابية، ظل العالم في روايتك يبدو بعيدا. هل تصدمك الطريقة التي يقرأ بها الناس الكتاب الآن للمرة الأولى، أو يعيدون قراءته بها، وكيف أن تجربة قراءته مختلفة لديهم اختلافا كبيرا.

باتت تجربة مختلفة الآن. كان ثمة اختلافات من بلد إلى آخر في وقت نشر الكتاب. ففي انجلترا اعتبرت الرواية حدوتة لطيفة مسلية، ولكنهم لم يروا في جلعاد شيئا محتمل الحدوث بالنسبة لهم، فقد خاضوا حربهم الدينية في القرن السابع عشر، وعاشوا ويلات كثيرة رأوا أنهم تجاوزوها، برغم أن الوضع في الأيام الأخيرة لا يبدو كذلك. وفي كندا ثار السؤال القلق المعتاد «هل يمكن أن يحدث هذا هنا؟»، برغم أنني لم أشرح للكنديين لماذا تهرب الشخصيات إلى كندا، لأننا هربنا كثيرا على مدار التاريخ. أما في الولايات المتحدة، وبالذات في الساحل الغربي، فقد كتب على سور شاطئ فينسيا «قصة الخادمة واقع هنا بالفعل»، وكان ذلك في عام 1985.

ذهب بعض الناس خطأ إلى أن الكتاب بطريقة ما معاد للمسيحية. وليس هذا حال الكتاب. فبعض المسيحيين قد يقاومون هذا النظام الحاكم، وبعضهم يقاومونه في الكتاب. غيرهم يمحوهم النظام، لكونهم منافسين. وآخرون يتخذون الدين ذريعة لما يفعلون، وهو أمر حدث مرارا في التاريخ أيضا، ومع جميع أنواع الأديان.

• حينما أتذكر استقبال الرواية في الثمانينيات، أتذكر أن لغطا كثيرا أثير حول هذا السؤال: هل قست الرواية أكثر مما ينبغي على الأصوليين المسيحيين؟ الآن بالطبع سقط ذلك النقد تماما، ويبدو لي أن ما كان أكثر رعبا في الرواية هو الذي يتقدم حاليا إلى الصدارة.

أوه، بالتأكيد. حسن، جزء من المسألة هو، لو أنك ستتعامل مع الإنجيل حرفيا، فإلى أي مدى من الحرفية سوف تتعامل معه؟ أي الأجزاء هي التي ستكون «حرفيا» تجاهها؟ الإنجيل كتاب جامع مذهل، والناس منذ القدم يأخذون أجزاء منه إلى الصدارة، وينحون أجزاء أخرى. لكن إذا كنت تريد أن تأخذ النص بحرفيته، مستعملا تعدد الزواج ومستعملا الخادمات كأمهات بديلة برغم أي اعتراض منهن على ذلك، فهذا كله موجود. يعقوب وزوجتاه راحيل وليا، وخادمتان ولديهم من النساء الأربع اثنا عشر ولدا، ولكن الزوجتين تستوليان على أبناء الخادمتين، ولذلك صدرت الرواية بذلك المقتطف من سفر التكوين، ولذلك أيضا أطلقت على مركز تدريب الخادمات «مركز راحيل وليا». الأمر في غاية الحرفية.

لكن السؤال الحقيقي هو: لو أن الولايات المتحدة الولايات ستكون شمولية، فأي نوع من الشمولية؟ لدينا جميع الأنواع في العالم، ومنها الإلحادي بالمناسبة. لكن لو أن الولايات المتحدة قد تمضي في هذا الطريق، فبأي الأدوات تكون؟ مؤكد أنها لن تكون الشيوعية.

• أعتقد أن هذا صحيح تماما. وقد سبق لك أن قلت هذا في سياقات أخرى، حقيقة أن جلعاد موجودة على مستويات منخفضة في أماكن كثيرة للغاية.

وبلا مزاح، على مستويات مرتفعة كثيرا في بعض الأحيان. هناك 13 بلدا في العالم تعاقب المثلية الجنسية بالإعدام.

• نعم. وفي الرواية بعد آخر أظن مرة أخرى أنه اكتسب وقعا مختلفا تماما عن وقعه في منتصف الثمانينيات. كنت أوشك أن أقول، مجددا، إن لديك ما قد نطلق عليه «الرؤية البعيدة». هل شعورك بهذا الزمن الذي نعيشه أنه أبوكالبتي [قيامي ؟ في حياتك أنت، أي الأزمنة يذكرك بها الزمن الراهن؟

يعني، منذ ولدت سنة 1939، بعد شهرين من قيام الحرب العالمية الثانية، غرقت طبعا في أخبار الشموليات، النازيين، وموسوليني، وستالين، وماو. ثم ظهرت لدينا اثنتان أخريان منذ ذلك الحين، كمبوديا في ظل حكم بول بوت ورومانيا التي فرض فيها شاوشيسكو على كل امرأة إنجاب أربعة أبناء سواء استطاعت ذلك أم لا، وكان على المرأة أن تجري اختبار خصوبة كل شهر، فإن لم تكن حبلى فعليها أن توضح السبب. وماذا كانت النتيجة؟ الكثير من ملاجئ الأيتام، الكثير من الأطفال المهملين، والكثير من النساء المتوفيات. فلو أن الولايات المتحدة تريد السير في هذا الطريق، فهل هم مستعدون للنتائج؟ أهذا ما يريدون؟ ملاجئ، وأموات، وما إلى ذلك؟

• يا إلهي، لم أكن أعرف ذلك.

وهناك سرقة الأطفال. ومن جديد، أنا لم أضع في الكتاب شيئا لم يفعله الناس، والتاريخ شهد حالات كثيرة للغاية لسرقة الأطفال. من بينها أن هتلر سرق 12 ألف طفل بولنديا أشقر وسلمهم لأسر ألمانية راجيا أن يتحولوا إلى أطفال شقر ألمان. وكان لديه برنامج «توليد» حيث تلد نساء غير متزوجات أطفالا يؤخذوا منهن لنساء الحزب النازي. وفي الأرجنتين بالطبع، في ظل حكم الجنرالات، حيث كانوا يرمون الناس من الطائرات، فلو كانت بينهن امرأة حبلى ما كانوا يرمونها أو يقتلوها إلى أن تضع طفلها ويضعونها في كنف أسرة رفيعى المستوى. ومن آثار ذلك أن بعض أولئك الأطفال كبروا وعرفوا حقيقتهم.

• مجرد الاستماع إلى هذه الجولة في الجحيم، ما يلفت نظري في نظام جلعاد الحاكم هو مركزية الأطفال. بمعنى أن لدينا طبعا أعداء الدولة الذين نعذبهم حتى الموت، ولكن لديهم أولئك الأطفال الذين يمثلون بالنسبة لنا موردا قيما.

هذا صحيح. جلعاد بالطبع نظام شمولي حقيقي، مرتب على أن يحصل أهل القمة فيه على أفضل الأشياء. والأطفال يعتبرون أفضل الأشياء نظرا لندرتهم. طيب، لدي بضعة أسئلة أخرى. جلعاد تتعامل في الرواية مع الآخر عرقيا بلون من الدقة النازية.يضعونهم في «أوطان» مغلقة، كما في الأبارتيد بجنوب أفريقيا.

• وما يحدث هناك عبودية إلا قليلا. التناول التليفزيوني يسكت عن هذا، ومن ثم فسؤالي ...

لقد عمدوا إلى تحديث الجزء «السابق» في الرواية إلى الجزء «الآني». في عام 1985 كان مقبولا أكثر بكثير أن تستطيع قوة ممارسة ذلك النوع من الفصل العنصري.

• لتطويق الملونين جميعا.

نعم. لكن النسخة التليفزيونية الحديثة ـ التي جاءتنا بسميرة ويلي Samira Wiley لتلعب دور موريا وهو ما أشكره لهم ـ تراعي أن في بعض المدن في الوقت الراهن، بل في كثير من المدن، صداقات وعلاقات بين أبناء الأعراق المختلفة، وهو ما لم يكن قائما بالقدر نفسه في عام 1985. كما أن بروس ميلر، منتج العرض التليفزيوني، قال جوهريا إنه لا يوجد الآن من يريد أن يشاهد عرضا لا يشارك فيه غير البيض. كما شعرنا أن الخصوبة في النسخة التليفزيونية من جلعاد تصلح أكثر من العنصرية كعامل لتقسيم الناس.

• كنت في تورنتو أخيرا، لأسبوعين فقط،وقضيت فيها وقتا رائعا، لعدد من الأسباب. أولها، الانفجارة المحيطة بالعرض التليفزيوني لـ»قصة خادمة». كان مثيرا بالنسبة لي أن قضيت قرابة 4 أيام في تورنتو أتكلم مع مجموعة من الشباب اللامعين الأذكياء. هم وجه جديد لتورنتو. ويبدو أن في تورنتو حاليا، ويمكن أن نتوسع فنقول كندا كلها، نجمين كبيرين: مارجريت آتوود ودريك.

وهذا رائع. لأنه غير متوقع.

• فهل التقيت بدريك؟

لم ألتق بدريك، ولكنني التقيت طبعا بأشخاص التقوا به. لكن عليك أن تدرك كم أنا ع ج و ز. ليس محتملا أن أذهب إلى نفس الحفلات، أو كثير من الحفلات أصلا، إن أردت الصراحة.

• أفهم هذا. كل ما خطر لي أنه، يا كندا، وسأوجه كلامي للأمة كلها، أنت تضيعين فرصة عظيمة للجمع بين هذين الشخصين. هل استمعت إلى موسيقاه؟ هل لك رأي؟

ألن يكون طريفا أن يكون له دور في الموسم الثاني من «قصة خادمة»؟

• ها أنت فهمت مرادي.

سأهمس بالفكرة لبروس ميلر.

• مقتطفات من حوار أكبر منشور في بوسطن رفيو