أفكار وآراء

أوروبا والهجرة المتوسطية – خـــلل في التفكـــير

20 سبتمبر 2017
20 سبتمبر 2017

تيم ايتُن وبول مَيلي - مركز شاتام هاوس -

ترجمة: قاسم مكي -

اجتمع مؤخرا 7 زعماء أفارقة وأوروبيين في باريس لمناقشة وسائل تقليل الهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا إلى أوروبا. إنهم يواجهون تحديات كبيرة. فخلال أول 7 أشهر من هذا العام نجح 115109 مهاجرين في عبور البحر المتوسط إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل. المهمة السياسية المتعلقة بإدارة وصول هؤلاء القادمين الجدد كبيرة بالنسبة لأوروبا. فالشعبوية القومية التي زاد من احتدامها قلق الناخبين من الهجرة، لا تزال قوية يحسب حسابها. رغما عن ذلك تحجب إثارة الخوف من تدفقات اللاجئين الصورة الأكبر للهجرة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل المدفوعة بتحديات طويلة الأمد تتمركز حول التنمية. فقط بمعالجة هذه التحديات يمكن خفض تدفقات المهاجرين بطريقة مستديمة. وبالنظر إلى مخاوفها الداخلية ليس من المدهش أن تركز دول الاتحاد الأوروبي بشدة على مساعدة دول العبور خصوصا ليبيا والنيجر؛ لتعزيز سيطرتها على حدودها؛ وذلك بحثا عن حلول سريعة. لقد درست حلقة عمل نظمها مركز «شاتام هاوس» البريطاني للدراسات الإستراتيجية مؤخرا الخيارات المتاحة لواضعي السياسات لقطع الطريق أمام ممارسات تهريب البشر في المستوطنات السكانية (القرى) المهملة شمال النيجر وجنوب ليبيا التي تعبر من خلالها معظم تدفقات المهاجرين. توضح النظرة المتفحصة للاقتصاد السياسي لهذه المناطق، حيث تحولت مجتمعات عديدة إلى تهريب المهاجرين كمصدر رئيسي لتوليد الدخل والوظائف. إنها أيضا لا تتيح طريقا مختصرة لبلوغ النتائج التي يسعى إليها قادة أوروبا. فالأثر الحقيقي يمكن التوصل إليه فقط من خلال معالجة أزمة الحكم في ليبيا وتحقيق تنمية طويلة الأمد في منطقة الساحل (جنوب الصحراء)، والفكرة التي ترى أن تعزيز الضوابط الحدودية يمكنها لوحدها وقف تدفقات المهاجرين وهْم خطِر. وعلى الرغم من الضغوط السياسية التي تنشأ عن حركة المهاجرين نحو أوروبا إلا أن حجمها صغير في الواقع قياسا بالهجرة الدولية أو حين تقارن بأعداد اللاجئين والنازحين والمهاجرين لأسباب اقتصادية داخل إفريقيا جنوب الصحراء. فهنالك هجرة ضخمة من الدول الفقيرة التي لا منفذ لها إلى البحر نحو بلدان ساحل غرب إفريقيا الأكثر ازدهارا. وتقدر حكومة ساحل العاج أن 5.4 مليونا من إجمالي عدد السكان (23 مليونا) أجانب. ويشكل الفارون من مناطق النزاعات (خصوصا في القرن الإفريقي) أو لأسباب سياسية نسبة كبيرة من المهاجرين إلى أوروبا. وحينما لا تكون الحرب أو انتهاكات حقوق الإنسان هي الدافع الرئيسي وراء الهجرة يمكن أن تشكل الضغوطات الاقتصادية حافزا قويا بنفس القدر. وعلى الرغم من أن منطقة غرب إفريقيا حققت تقدما سياسيا لافتا في العقود الأخيرة إلا أنها تواجه تحديات اقتصادية –اجتماعية وبيئية فريدة يمكن حلها فقط في الأجل الطويل. هذه العوامل هي التي لها تأثير ضخم علي تدفقات المهاجرين.

ومن المؤكد أن التركيز على الحكم والتنمية في دول العبور الرئيسية سيساعد على مواجهة ضغوطات الهجرة وفسح المجال والوقت بالتدريج لمعالجة القضايا الأوسع نطاقا بفعالية أكبر. ولكن الدور المركزي الذي تولت الهجرة القيام به في الاقتصاد والديناميات الاجتماعية في شمال النيجر وجنوب ليبيا يعني أن ذلك لن يكون سهلا. لقد صار تزايد الهجرة مصدرا لتوليد أرباح كبيرة لكبار مهربي البشر ومورد دخل جيد للسائقين والعاملين في مرافق الإيواء (الفنادق) والتجار المحليين وأحيانا المسؤولين أيضا. وفي غياب مورد الرزق هذا (الهجرة) سيعاني معظم هؤلاء في مناطق طرد الإرهابيون منها السياح. إن انعدام فرص كسب العيش خصوصا بالنسبة للشباب عامل تحفيز رئيسي لهم للدخول في تجارة تهريب البشر. من المؤكد أن ثمة مجالا لتحسين إدارة الحدود في ليبيا والنيجر وتشاد. فالعديد من أفراد حرس الحدود المؤقتين في ليبيا لا يحصلون على رواتب حكومية، فيما تذكر التقارير أن بعض وحدات جيش النيجر تعتمد على دعم المهربين حتى لسداد ثمن وقود سياراتها. ولكن سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن تحسين السيطرة على الحدود يمكن لوحده أن يغلق ممرات تهريب البشر. ففي الغالب ستدفع الضوابط الحدودية الأشد صرامة المهربين إلى سلوك طرق نائية لن تزيد فقط من أرباحهم، ولكنها أيضا تفاقم من المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص الذين يقومون بترحيلهم. وفي غياب تنمية واسعة قد يتسبب وقف تدفقات المهاجرين أيضا في نتائج خطيرة غير مقصودة. ففي حلقة عمل مركز «شاتام هاوس» ذكر بيتر تينتي خبير الهجرة والجريمة المنظمة أن الاقتصاد غير المشروع يساعد بطرائق عديدة في بسط الاستقرار بالنيجر. هذا في حين أشار ايمانويل جريجوار وهو محلل للوضع الاجتماعي والاقتصادي في النيجر إلى أن المراقبين الأجانب كانوا حتى قبل 3 أعوام يشعرون بالقلق من انضمام الشبان العاطلين عن العمل إلى الجماعات الإرهابية التي يمكن أن تتيح لهم مصدرا للرزق. ويمكن أن يبعث قمع الهجرة مثل هذه المخاطر مجددا. فالعديد من الليبيين يعتقدون أن البلدان الغربية ببساطة تريد جعل بلدهم «مردما» للمهاجرين. أما في النيجر فينظر المواطنون إلى صدور قانون يجرم التهريب بسبب الضغوطات الدولية كسياسة تمييزية تهدف إلى تدمير معيشتهم.

إن مقاربة الصفقات التي تنتهجها الدول الأوروبية واضحة. ومؤخرا جدا جسدتها تحركات ظاهرة من جانب إيطاليا لشراء المهربين في مدينة صبراتة الليبية الساحلية.

مثل هذه السياسة لها أثر مؤذ لا يقتصر فقط على العلاقات العامة. وكما أشار المحلل «ماتيا تولدو» فإن تحويل تدفقات الهجرة إلى ورقة مساومة، إما من خلال إجراءات عقابية مثل وقف العون أو الحوافز مثل زيادة الدعم المالي، يشجع الدول والكيانات الأخرى على التلاعب بهذه الهجرة خدمة لمصالحها. ومن الواضح خطر الفكرة التي ترى أنه من الممكن جعل ليبيا الساحلية جبهة مواجهة لمحاولات خفض الهجرة غير المشروعة. ولكن اقتراح الرئيس الفرنسي ماكرون بالتدخل في العمق باتجاه الصحراء الكبرى إشكالي أيضا. ففكرة أن دول جنوب الصحراء يمكنها استضافة مراكز معالجة طلبات اللجوء رفضتها تشاد خوفا من أن تتحول هذه المراكز إلى «بؤر مشاكل».

يجب أن يكف قادة أوروبا عن التشبث بالحلول السريعة. ففي النهاية سترتكز السياسات الفعالة لوقف تهريب البشر عبر النيجر وليبيا على تنمية طويلة الأجل وإنهاء أزمة الحكم في ليبيا. وتتطلب هذه الأهداف استثمارا مستداما وتدخلا سياسيا متطاولا في أمده. وحتى الآن لم ينجز الكثير. فكلوديا جازيني المحللة بمجموعة الأزمات العالمية ذكرت أن التقدم الذي تحقق بالفعل ضئيل على الرغم من إجراء دراسات جدوى لتطوير مشروعات تعدينية وزراعية في جنوب ليبيا. ومع ذلك، توجد بعض الخيارات الواضحة للأطراف الدولية يمكنها دعم تطوير مصادر معيشة بديلة في مراكز عبور المهاجرين ولو أنها لن تقدم في الغالب دخولا يمكن مقارنتها بتلك التي يتم الحصول عليها من تهريب البشر. كما تتيح الفرص الجديدة مثل تطوير تعدين الذهب في «داجو» شمال النيجر مجالا لتنويع مصادر العمل والدخل. وحول «أغاديز» على الأقل، يشارك الآن الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا في مجهود جاد لتعزيز التنمية المحلية. لكن تظل هنالك قضايا مجتمعية واقتصادية بحاجة إلى معالجة. وحتى يحدث ذلك ستظل المقاربة الأوروبية مختلة في جوهرها.

• ايتن، زميل أبحاث - برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وميلي، زميل مشارك- برنامج إفريقيا