أفكار وآراء

حوافز ومخاطر صناديق الاستثمار

20 سبتمبر 2017
20 سبتمبر 2017

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

حوافز ومخاطر صناديق الاستثمار من ضمن المهام الرئيسية التي تقوم البنوك المركزية الاعداد والقيام بإصدار العديد من الضوابط الخاصة بتنظيم قيام صناديق الاستثمار وأعمالها، خاصة وأن كل العالم يعج ويطفح بالعديد من صناديق الاستثمار على مختلف أنواعها ودرجاتها. من ناحية تاريخية، بدأ هذا النشاط الاستثماري يظهر خلال فترة الحرب العالمية الثانية وأخذ في الازدياد لدرجة أن هناك عشرات الآلاف من صناديق الاستثمار في البلد الواحد، وذلك لأهمية الأدوار التي تلعبها هذه الصناديق في إتاحة الفرص المواتية للاستثمار لصالح المستثمرين من جهة وفي دعم الحركة الاستثمارية والتجارية والاقتصاد الوطني من الجهة الأخرى.

ان صناديق الاستثمار تتمتع بالشخصية القانونية الاعتبارية “ليقال انتتي”، وهذا يمنحها الزخم المطلوب ليتعامل معها الجميع باطمئنان وثقة تامة بصفتها ذات شخصية قانونية اعتبارية تسأل عن كل تصرفاتها من الناحية القانونية.. هذا إضافة إلى أن صناديق الاستثمار ذات استقلال مالي ولها سلطات إدارية كافية تمكنها من حسن إدارة أموال الصندوق واستثماراته وغير هذا من كل المسائل الإدارية المرتبطة بذلك ووفق قوانين الشركات والأنظمة السارية في البلد ولوائح تأسيس صندوق الاستثمار.

قد يكون وجود صناديق الاستثمار مصدرا جاذبا للاستثمارات وبصفة خاصة من صغار المستثمرين الذين لا تتوفر لهم الفرصة للاستثمار في مجالات معينة لعدم وجود الخبرة الكافية لديهم أو لضيق مواردهم المالية أو لعدم تمكنهم من توفير بعض الشروط الخاصة ببعض الاستثمارات التي لا تفتح المجال أمام الأفراد لأي سبب مرتبط بالاستثمار المعني. ولهذا وبموجب الفرصة التي توفرها صناديق الاستثمار، تتوفر الفرصة للجميع، بل لكل فرد، لوضع أموالهم في هدف واحد و “ماعون واحد” وكلما كثرت هذه الأموال تتوفر لصندوق الملاءة المالية القوية التي تمكنه من زيادة الاستثمارات وتدفقها وتنوعها وتعددها، ومن هنا يأتي المزيد من الأرباح للمستثمرين بكافة فئاتهم وفي نفس الوقت يتم تدوير الأموال لتفعيل المزيد من الأعمال في كافة المجالات.

ولكن عمل صناديق الاستثمار تحفه العديد من المخاطر التي قد تعصف بالصندوق وإدارته ومعها كل أموال وكل آمال أي مستثمر وضع أمواله في الصندوق. ولهذا يجب على صندوق الاستثمار، وبصفة قانونية أساسية، اطلاع المستثمرين بكل المخاطر التي قد يتعرض لها الصندوق وكل استثماراته ويجب الإفصاح التام عن كل المخاطر وأثرها ودرجة تأثيرها على المستثمر الصغير أو الكبير أو المؤسسي..أو الكبير. وبالرغم من أن المستثمر يضع أمواله في الصندوق إلا انه لا يتدخل من قريب أو بعيد في إدارة الصندوق وما يرتبط به من استثمارات لأنه لا يملك هذا الحق بصفة مباشرة، غير أن هذا المستثمر يجب أن يكون على علم مسبق بالمخاطر التي قد تؤثر على أمواله المستثمرة في الصندوق لأن القانون يعطيه هذا الحق على رؤوس الأشهاد كحماية خاصة له، لأن القانون في مثل هذه الحالات يعطي أهمية قصوى لحماية المستثمرين لأنهم “العليقة” وزاد العمل.

والمخاطر متنوعة وتتنوع وفقا لتأسيس صندوق الاستثمار ونوعه وحجمه وكيفية إدارته ونوع الاستثمار وطبيعته ومدته.... فهناك مخاطر تشغيلية تتعلق بتأسيس الصندوق وأعماله وعلاقاته مع الأطراف الثلاثة مثل أمين الصندوق (في حالة وجود الأمين) وأيضا الجهات الرقابية والاشرافية كهيئات وادارات اسواق المال والبنوك المركزية وخلافه. وكمثال، قد يخفق الصندوق لأي سبب في استيفاء شروط أسواق المال أو شروط البنك المركزي ابتداء من إصدار النشرة إلى شروط الإدراج ومتطلبات الإفصاح والشفافية ونشر البيانات وغيره... ومثل هذه الإخفاقات من دون شك تشكل مخاطر جسيمة للصندوق قد تصل لدرجة إيقافه عن العمل جزئيا أو كليا.

وهناك مخاطر إدارية محضة تتعلق بالجهاز الإداري للصندوق من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، لأن الإدارة قد تخفق تماما في القيام بواجباتها الفنية المنوطة بها أو قد تهمل الإدارة التنفيذية أو تتقاعس عن القيام بمهامها الرئيسية أو أن يتم تنفذها بالخطأ مما يعرض الصندوق للخسائر الجسيمة. وهناك مخاطر أخرى تتعلق بالأمانة والنزاهة المرتبطة بنظافة اليد وطهارة القلب لأن عدم توفر هذه الصفات الشخصية سيعرض الصندوق للخسائر المالية وما ينجم عنها من مخاطر لا تحصى ولا تعد.

وهناك المخاطر القانونية مثل تعرض الصندوق أو الشركات المستثمرة فيه للمنازعات أمام القضاء أو التحكيم أو الحجز أو تجميد الأصول والأموال ومخاطر الإفلاس أو الصلح الواقي من الإفلاس أو الحل أو التصفية وغير هذا من الإجراءات القضائية أو شبه القضائية أو النيابية، وكل هذه الإجراءات القانونية تعرض صندوق الاستثمار للمخاطر التي تزعزع كيانه وشخصيته القانونية. والمحاكم والنيابات مليئة بالقضايا القائمة ضد صناديق الاستثمار أو إدارتها للفشل في تقديم أو تقييم المشاريع الاستثمارية أو أخذ الحذر الفني المطلوب لحماية المستثمرين أو خيانة الأمانة أو التملك الجنائي أو التزوير ... الخ..

وهناك المخاطر العامة الخاصة بالوضع الاقتصادي والاستثماري وكذلك السياسي في البلد لأن هذه المجالات تؤثر سلبا وإيجابا على كل الاستثمارات وعلى رأسها صناديق الاستثمار، وبالطبع فان عدم استقرار هذه المجالات وتذبذب السياسات وعدم وضوح الرؤية يؤثر سلبا على مناخ الاستثمار في البلد مما يشكل مخاطر عديدة بل وجسيمة على صناديق الاستثمار وكل من وضع أمواله فيها، وبصفة قاتلة ومؤلمة، لصغار المستثمرين والأفراد.

إن قيام صناديق الاستثمار يقصد منه فتح الشهية للاستثمارات الكبيرة عبر الأموال المجمعة من كافة قطاعات المجتمع من المؤسسات المقتدرة والأفراد البسطاء وأيضا كبار المستثمرين ممن يتمتعون بالمؤسسية الاستثمارية لعلمهم ودرايتهم بكل مداخل ومخارج الاستثمارات المالية وخلافها. ووفق القانون يجب العمل على تنوير المستثمر بكل ما يرتبط بهذه الصناديق وخاصة توضيح كل المخاطر، ما ظهر منها وما بطن، حتى يكون على بينة عند اتخاذ قراره بالاستثمار في صندوق الاستثمار وإلا فإن هذه المخاطر قد تتجمع وتشكل خلايا موبوءة تنخر في جسم صندوق الاستثمار مما يعرضه للفناء والخسران المبين.

إن مجالات الاستثمار الآن متنوعة ومتعددة، وفي حالات عديدة، تفتح “النفس” للاستثمار وتنمية الثروات بما يعود بالفائدة على الجميع، ولكن يجب الحذر واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة قبل الدخول في الاستثمارات خاصة الجديدة لأن المخاطر هنا غير مدروسة بما فيه الكفاية وإدارة الصندوق إضافة للمستثمرين لا يملكون خبرات فنية كافية تمكنهم من تجاوز الصعاب و”الهنات” عندما تحدث وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. وكل هذا يتطلب المزيد من الحذر للوصول بسفينة الاستثمار لبر الأمان وبما يرضي ويحقق طموحات الجميع.