salem
salem
أعمدة

نوافـذ: المستقبل في الصناعة

18 سبتمبر 2017
18 سبتمبر 2017

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

دول نشأت من العدم بفضل الصناعة، واستطاعت أن تحول قدراتها العقلية إلى آبار نفط لا تنضب على مدى الـ50عاما الماضية، وتجلى ذلك بالصبر والبحث والتطوير والعمل الدؤوب الذي لا يعرف اليأس، وتمكنت شركاتها من أن تنشئ دولا صناعية وليس العكس، في اليابان التي خسرت الحرب العالمية الثانية وجردت من قدراتها العسكرية، عادت لترهق المنتصرين عليها بإغراق أسواقهم بمنتجاتها المتنوعة التي تلبي كل الخيارات، فكان إنتاجها من السيارات والأدوات الكهربائية والإلكترونية وغيرها بلا حدود لدرجة أنها استطاعت أن تحقق أرباحا مالية غير متوقعة في الـ30 عاما بين 1970و2000م من القرن الماضي أسست لها تلك الأرباح مكانة كبيرة بين الدول العظمى، وهذا شكل معجزة لدولة تستورد كل شيء ولا تملك أيا من الموارد فيها. على نفس الخطى سارت كوريا الجنوبية التي قادتها 4 شركات إلى العالمية ووضعتها ضمن قائمة أفضل الدول الـ20 من حيث قوة اقتصادها في العالم، وكانت هي المعجزة الاقتصادية الأخرى التي أيضا تفتقر إلى الموارد الطبيعية هي الأخرى كاليابان، ومنذ مطلع القرن الحالي أصبحت سياراتها وأجهزتها الكهربائية وهواتفها خاصة وصناعة السفن والحديد وغيرها من المنتجات التي أزاحت الكثير من منافساتها في الأسواق العالمية، كل ذلك في أقل من 40 عاما من النمو والتطور والإصرار على التفوق.

وعلى الخطى سارت سنغافورة بنفس الروح التي وجدت نفسها في 1958 إقليما خارج الحكم الماليزي، واستطاعت أن تستثمر مواردها البشرية لتنجح في استقطاب الاستثمارات من العالم وتشرع في الإنتاج الصناعي الذي ينافس مثيلاته في الغرب والشرق.

الصناعة هي الرهان الأوحد الذي يمكن أن ينهض بأي أمة، وقد انشغلت الدول العربية عندما توفرت لها السيولة المالية من عائدات النفط بأمور ثانوية أخرى أشغلت نفسها بها خلال الـ50 عاما الماضية، رغم الفوائض التي حققها الذهب السود، فكان يمكن أن يؤسس ذلك لدول صناعية قادرة اليوم على الاستمرار، ولكن لم تجد تلك المليارات طريقها الصحيح نحو ذلك الاستثمار، باستثناء بعض الدول التي منها السلطنة في توجيهها للتنمية من صحة وتعليم وطرق واتصالات وما تحتاجه البنية الأساسية لدولة نهضت من العدم.

اليوم لا مكان لأي دولة على وجه الكرة الأرضية مستقبلا إذا لم تكن الصناعة أهم ما يعضدها، فزمن الرفاه يتراجع بين يوم وآخر، وسيتراجع أكثر خلال المرحلة المقبلة، ومن الضروري أن يكون التوجه الصناعي الرهان الأوحد، وإلا لا يمكن تحقيق أي شئ ما لم يتم الاستثمار في العقول أولا، والبنية التحية التي تساعد على توفير التمويل للمشاريع والتسويق للمنتجات، وجودة المنتج المنافس وتشجيع الابتكار والتطوير والبحوث العلمية، إضافة إلى توفير التسهيلات الإجرائية في التصدير والاستيراد.

والمجالات التي تناسب إمكانياتنا كثيرة ومتعددة، كالدول التي بدأت من الصفر بالصناعات الخفيفة، ثم مع التراكم المعرفي والزمني، تطورت إلى الصناعات المتوسطة، ثم الثقيلة، ثم التخصصية ثم الفضائية كتجربة الهند والصين اللتين تمثلان بعدد سكانهما ثلث العالم وهذا الرقم يكفي أن يشتري منتجات بلديه.

لابد أن يتوجه التعليم إلى التخصصات العلمية أكثر من غيرها، فغيرها هذه لا تصنع إبرة، فالاحتياجات الاستراتيجية للدول تغيرت من الاختيار بين المناهج إلى التوجيه والتشجيع على المسارات العلمية التي تؤسس لثقافة مختلفة عن الأجيال المؤسسة للدولة، ومن الضرورة وضع أهداف واضحة فيما نريده بعد 50 أو 100 عام قادمة.