أفكار وآراء

جذب الاستثمارات الأجنبية للمشروعات الاستراتيجية إلكترونيا

16 سبتمبر 2017
16 سبتمبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

mrhamza1010@gmail .com -

تواصل هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم حملاتها الترويجية لتسويق المنطقة، وكان آخر أنشطتها تنظيم ندوة تعريفية أقيمت بمدينة داليان التي استهدف مستثمرين محددين يمثلون عددا من الشركات الصينية. وركزت الندوة التعريفية على الحوافز التي تقدمها الهيئة والمشروعات الموجودة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم ومناخ الاستثمار في السلطنة بشكل عام.

ويمكن اعتبار الأنشطة الترويجية لجذب الاستثمارات الخارجية للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم مهما بقدر أهمية المشاريع ذاتها لذلك فقد شرعت إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بتنظيم لقاءات وندوات تعريفية خارج السلطنة بهدف الترويج وجذب الاستثمارات للمنطقة. ولعل البرنامج الترويجي للهيئة بتنظيم اللقاءات والندوات خارج السلطنة يمكن أن يُستكمل بإنتاج فيلم إعلاني بأسلوب المحاكات بثلاثة أبعاد (D3 Simulation film ) يعرض لكل ما في المنطقة الصناعية في الدقم من مميزات وحوافز ومشاريع قائمة وما يمكن أن يتاح للاستثمار.

دأبت الشركات الأجنبية التي تعاقدت ونفذت مشاريع استثمارية في منطقة الخليج العربي على إنتاج مثل تلك الأفلام الترويجية لتسويق مشاريعها بعرضها في قنوات التلفزيون الفضائية العالمية التي يمكن أن تشاهد في الدول التي يعوّل على حكوماتها أو شركاتها القيام باستثمارات خارجية كدول الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وكوريا الجنوبية والهند.

تجدر الإشادة بجهود العمل الدؤوب لهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي أنجزت وبأزمنة مختصرة عددا من المشاريع العملاقة المخطط لإنشائها في الدقم. وتواصل إدارة الهيئة وفق أسس علمية وبمثابرة استكمال المشاريع خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة (2016 ـــ 2020). وتُبْذَلُ جهود متواصلة لتسويق مشاريع المنطقة وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية لمشاريع ذات عائد مضمون.

ولأهمية الترويج لمنتجات المشاريع ولجذب الاستثمارات الأجنبية فلم يعد ذلك مقتصرا على الاتصال المباشر بإرسال الوفود إلى الجهات التي يمكن أن تستثمر في المشاريع الوطنية. فعدد من دول آسيا الأسرع نموا ودول الجوار استخدموا الفضائيات التلفزيونية للترويج الاستثماري والسياحي في إعلانات مبتكرة تُبثُّ على مدار الساعة. بل إن فضائيات تلفزيونية اتخذت من عواصم تلك الدول مقرا إقليميا لبث برامجها. فتحقق لأهدافها الانتشار عالميا.

وان قارنا بين مشاريع المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم. وبين أي من المشاريع في منطقة الخليج لأمكن القول إن مشاريع الدقم هي الأكبر والمرشحة لأن تكون المنافسة لأي منطقة أخرى وذلك بتميز خدماتها المتكاملة. فالميناء الكبير والحوض الجاف لإصلاح السفن ومرفأ مصايد الأسماك والتجمعات الصناعية ومنطقة الفنادق والمنتجعات ومحطة توريد الغاز الطبيعي والمطار والمدينة الجديدة ونظام النقل والمواصلات ومصفاة ومجمع البتروكيماويات ومجمع توليد وتوزيع الطاقة والمياه. مشاريع لم يسبق لأي مدينة في العالم أن وُجِدَ فيها ذلك الكم من المشاريع المتكاملة. ولا يقتصر توجه السلطنة على مشروع بذاته بل إن المساعي الحثيثة لحكومة السلطنة ولإدارة الاقتصاد الوطني لإحلال الأنشطة الإنتاجية الواعدة محل صادرات النفط والغاز في تكوين الناتج المحلي الإجمالي ومضاعفة الموارد المالية للدولة بمشاريع قطاعية شملت السياحة، والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية) إضافة إلى الممكنات الداعمة وهي قطاع سوق العمل، وقطاع التمويل، فيما ستغطي المرحلة الثانية من البرنامج قطاعي (الثروة السمكية- التعدين).

وعند استعراض العشرات من مشاريع المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم ومشاريع التنويع الاقتصادي “ تنفيذ” فإن تسويقها عالميا محدود جدا بالمقارنة بخطط تسويق المشاريع الخليجية والآسيوية. إذ لو تابعنا ما دأبت عليه الحكومات والشركات في آسيا والجوار في الإنفاق على التسويق الإعلاني لما يُنجز فيها من مشاريع إنتاجية وخدمية أو حتى لمجرد أفكار مشاريع ووضعها في إعلانات مبهرة في الفضائيات وحتى وسائل التواصل الاجتماعي ، لأدركنا أن ما يجري يمثل منافسة محمومة لجذب الاستثمارات الأجنبية أو لفتح أسواق أمام المنتجات أو للجذب السياحي.

توسُّع التسويق إلى آفاق لا متناهية في الشكل والمضمون أصبح متحققا بتكاليف أقل بثورة الإلكترونيات والاتصالات. إذ حل التسويق الإلكتروني الذي تجاوز الحدود المحلية والإقليمية إلى العالمية فأفردت الحكومات والشركات خططا استراتيجية تخاطب المستثمر العالمي والزبون العالي من خلال منتجات إعلانية بوسيلة الإعلان الرقمي الذي شمل الفضائيات التلفزيونية وميادين الأنشطة الرياضية العالمية وحتى محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.

وتشهد سوق الإعلان الإلكتروني انتعاشاً كبيراً وملموساً على مستوى العالم، وسجل هذا القطاع طفرة كبيرة في منطقة الخليج العربي في الوقت الذي تتسارع فيه أسعار الإعلانات الإلكترونية بصورة مطردة نتيجة الارتفاع في الطلب عليها. وتؤكد النتائج الربحية للشركات العاملة في هذا القطاع مدى أهميته للتسويق.

توجهت الدول الخليجية الى الفضائيات الأوروبية والأمريكية لتعلن فيها عن تسويق مشاريعها القائمة منها والتي تخطط لإنشائها. وكان لظهور الفضائيات التلفزيونية أثر كبير في تسويق المشاريع وجذب الاستثمارات للحكومات والشركات. وبما أن معظم الفضائيات التلفزيونية، عدا الحكومية، تعتمد في تمويلها على الإعلان التجاري أو البرامج المدفوعة الأجر لصالح أي جهة ترغب في تسويق منتجها أو التعريف بمشاريعها. فإن من اليسر وبتكلفة مقبولة تسويق أي منتج أو مشروع خدمي أو سياحي.

ولم تكتف الحكومات والشركات في آسيا والخليج بوسائل الإعلان المرئية والمسموعة والمقروءة وراحت الى ذات الدول التي تصنف حكوماتها وشركاتها الأكثر استثمارا على صعيد العالم فتعاقدت مع خطوطها الجوية لتعلن على شاشات طائراتها إعلانات ترويجية لسياحتها ومشاريعها كما هو حاصل في عدد من الخطوط الجوية الأوروبية و الأمريكية والبريطانية.

وعليه فإن مشاريع السلطنة التنموية العملاقة يجب أن تتجه إلى التجارة الإلكترونية التي انتشرت منذ تسعينات من القرن العشرين بوسيلة شبكة الإنترنت العالمية. وصارت ميسرة لتسويق أي نشاط تجاري عن طريق منظومات الاتصالات على الصعيد العالمي ، كما أنها قد تضم بالإضافة لاستخدام الإنترنت، الهاتف النقال والهاتف الثابت والتلفزيون وغيرها من وسائل الاتصال الإلكتروني.

لم تعد أساليب التسويق التقليدي المُكَلِّف قادرة على تعميم حملات التسويق التجاري على مستوى العالم. فتسويق منتج أو خدمة ما لشركة او مؤسسة عن طريق التواصل التقليدي الى العميل او من خلال إعلانات التلفزيون والجرائد والراديو والمطبوعات وغيرها من الوسائل وجميعها باهظ الثمن. ما التسويق الإلكتروني عبر الفضائيات التلفزيونية العالمية وعبر شبكة الإنترنت فإن خطة الترويج للاستثمارات الأجنبية تكون قد عممت الى دول العالم كافة.

فالفوائد التي حققتها الدول الناشئة والشركات الكبرى من تسويق منتجاتها إلكترونيا في عصر تكنولوجيا الإنترنت صارت دول العالم والشركات الكبرى تتنافس في تأمين محطة تلفزيونية عالمية أو شركة إعلانية لاختراق الأسواق الكبيرة ولتسويق منتجها أو جذب المستثمرين.

انطلاقا من رؤية هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي عرفت بها بأنها محطة إقليمية للنقل البحري والخدمات اللوجستية المساندة، وموقع جاذب للاستثمارات في قطاع الصناعات البتروكيماوية والتحويلية والسمكية، ومقصد سياحي متميز على بحر العرب، وهي رافعة رئيسية للاقتصاد الوطني العماني ومحرك تنموي يرتقي بنوعية الحياة للمجتمعات المحلية في محافظة الوسطى والمقيمين في المنطقة.

ومن رسالة الهيئة التي تعمل حثيثا للارتقاء ببيئة أعمال المنطقة وتطوير البنية التحتية الأساسية فيها وإدارة مرافقها الاستراتيجية وتنمية مواردها البشرية لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة، في قطاعات الخدمات اللوجستية والصناعات ذات القيمة المضافة العالية والأنشطة السياحية، ضمن إطار المخطط الهيكلي الشامل وعلى أساس من الكفاءة الاقتصادية والاستدامة البيئية للموارد الطبيعية المتوفرة والحوكمة المؤسسية الرشيدة.

ومن خلال الجهد الإعلامي للهيئة المتمثل بالتغطية الإخبارية لتطورات ونمو الدقم وللأنشطة والفعاليات والفيلم الوثائقي الذي تضمن تغطية متكاملة للدقم من فكرة إلى مرحلة التنفيذ إلى النمو المتواصل فإن من الممكن أن يطور الفيلم ليتضمن صورة للمنطقة وقد اكتمل إنجاز مشاريعها كلها وغدت مدينة متكاملة بمينائها ومطارها وسياحتها وصناعاتها وخدماتها المدنية واللوجستية وبكل ما في الدقم من مميزات للاستثمار والعيش.. فإن ذلك يجب أن يخرج للعالم بالتسويق عبر الفضائيات وشبكة الإنترنت وبكل وسيلة إعلامية تتجاوز التسويق المحلي. فالدقم مدينة التنويع الاقتصادي الواعدة.