أفكار وآراء

ترجمات : تسليح أوكرانيا خطأ أمريكي قاتل

16 سبتمبر 2017
16 سبتمبر 2017

مايكل كوفمان -

ترجمة قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

في زيارته إلى أوكرانيا مؤخرا، أكد وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس أنه يفضل تقديم « أسلحة دفاعية للجمهورية السوفييتية السابقة، أوكرانيا. وبحسب تقارير حديثة، يشمل هذا العون العسكري إرسال صواريخ جافيلين الموجهة والمضادة للدبابات إلى أوكرانيا التي ظلت تحارب الانفصاليين المدعومين من روسيا في إقليم دونباس الشرقي لأكثر من ثلاثة أعوام. خطة إدارة ترامب بتسليح كييف قرار سياسي خطير يمكن أن تكون له نتائج سياسية بعيدة الأثر. فالولايات المتحدة (بهذا القرار) تدخل في حرب بالوكالة مع موسكو. وهي غير مستعدة لكسب هذه الحرب. مساعدة أوكرانيا كفكرة مثيرة للإعجاب ولكن عدم طرح هذا الموضوع للنقاش العام وفجائية إعلانه مدعاة للقلق.

وفي حين أن تسليح كييف قد يبدو مكسبا سياسيا سهلا إلا أنه سياسة بائسة. ففكرة تزويد أوكرانيا بما قيمته 50 مليون دولار من الصواريخ المضادة للدبابات تذكير مخيف بجهود واشنطن المترددة حول تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة. لقد كانت تلك الخطة (السورية ) سيئة الإعداد وانتهت بالهزيمة بعد أن عززت روسيا من مساندتها العسكرية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2015. أما مصالح روسيا في أوكرانيا فأكبر كثيرا من مصالحها في سوريا وتفوقها العسكري هناك راسخ جدا.

وبالمقارنة، لا تكاد توجد صدقية عسكرية للولايات المتحدة في المنطقة. كذلك يجيء مقترح إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا في غير أوانه. فأوكرانيا لم تشهد هجوما روسيا أو تفقد أرضا هامة لمصلحة روسيا خلال ما يزيد عن عامين.

ومن بين كل الوسائل الممكنة لمساعدة أوكرانيا في تطوير قواتها المسلحة من الصعب أن يكون تكديس الصواريخ لدى جيش لم يشهد إصلاحا ينطوي على مسار ذكي إلى الأمام. هذا هو وقت مساعدة أوكرانيا على التغيير وليس ممارسة «لعبة داما» جيوسياسية بالصواريخ. لقد جادل منذ فترة طويلة كبار الجنرالات الأمريكيين في المنطقة مثل قائد الجيش الأمريكي في أوروبا الفريق بين هودجيز بأن تزويد أوكرانيا بالأسلحة وتحديدا صواريخ جافيلين « لن يغير الوضع هناك من الناحية الاستراتيجية بطريقة ايجابية.» فلا يوجد مؤشر على هجوم روسي قادم. كما أن عدم التكافؤ في القوة بين البلدين كبير بحيث لا يمكن لمحلل عاقل الزعم بأن حفنة من الصواريخ المضادة للدبابات والمحمولة يمكنها ترجيح الكفة (لصالح أوكرانيا.) وبالنظر إلى طبيعة الصراع، لا تكاد توجد فرصة لإنهاك روسيا في أوكرانيا.

كما أن صواريخ جافيلين أيضا مكلفة وإرسالها يعتبر خيارا غير عملي إلى بلد له جيش كبير ويملك أصلا صواريخ موجهة ومضادة للدبابات، بل يصنع صواريخه الخاصة به. ويمكن لكييف مقابل مبلغ الـ 50 مليون دولار الذي يسلح جزءا ضئيلا من قواتها بصواريخ جافيلين الحصول على أعداد أكبر بكثير من الأسلحة المكافئة لهذه الصواريخ من بلدان أخرى أو تصنيع المزيد منها في الداخل. لقد نجمت معظم الخسائر البشرية في شرقي أوكرانيا ولا تزال تنجم عن استخدام نيران المدفعية والأسلحة الصغيرة. وشهدت الحرب عددا قليلا جدا من معارك الدبابات.

أما تلك التي جرت فقد كانت بين وحدات صغيرة.

وعلى الرغم من العدد الكبير من الدبابات الروسية في أوكرانيا والذي يرجح أن يكون مبالغا فيه إلا أنه لم تحدث أبدا هجمات كبرى بالدبابات. حقا استخدمت القوات المسلحة الأوكرانية صواريخ موجهة ومضادة للدبابات وألحقت خسائر بالانفصاليين في أثناء المعارك التي جرت في أغسطس عام 2014 وفبراير 2015 ولكن كييف فشلت في تحقيق النصر. ولم تشكل الخسائر تأثيرا رادعا يمكن تلمسه على روسيا التي كانت دائما تقاتل من أجل كسب نفوذ استراتيجي وليس السيطرة على الأراضي. إن الدفع باتجاه تزويد أوكرانيا بصواريخ جافيلين قرار سياسي حقا ويمكنه تحويل الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا.

ومن المفهوم أن الأوكرانيين قد يحلمون بانضمام واشنطن للصراع. ولكن على واضعي السياسة الأمريكية تذكر أنهم ملزمون بخدمة مصالحهم الوطنية الخاصة بهم. فواشنطن يجب عليها أن تركز بدلا من ذلك على حلفائها في الناتو. وإذا كان قصد إدارة ترامب إرسال إشارة إلى موسكو فسيكون على المسؤولين الأمريكيين تذكر أن هنالك العديدين في الكرملين ممن هم على استعداد لرد الرسالة (بأحسن منها) فهل فكر هؤلاء في توازن المصالح والقدرات التي يمكن أن يوظفها كلا الجانبين ؟ أبدا لم يفعلوا ذلك. على الولايات المتحدة أيضا التزام الحذر في الإشارات التي تبعث بها الى أوكرانيا. فهناك مخاطر تتعلق بالصدقية بالنسبة لواشنطن حين تعلن عن رغبتها في مساندة بلد ما في سياق حرب ولكن لا تكون لديها أية نية للقتال نيابة عن ذلك البلد. تشكل سوريا «حالة دراسة» حديثة لكيفية عدم كسب حرب بالوكالة. وهي حالة تستحق الدراسة العميقة قبل أن تدخل الولايات المتحدة دون تفكير في مغامرة أخرى. يمكن أن يكون هنالك معنى للتهديد بتسليح أوكرانيا إذا كان ذلك جزءا من مشروع تفاوض متشدد مع موسكو أو طريقة لمنع روسيا عن طريق الردع من تسليح الجماعات المتمردة في مناطق نزاع أخرى بها نشاط عسكري للولايات المتحدة مثل أفغانستان. ولكن يبدو أنه لا يوجد مثل هذا الغرض العسكري في هذه الحالة. فكبار مسؤولي الإدارة الأمريكية يريدون، ببساطة، منح أوكرانيا صواريخ. وفي حال تم تنفيذ خطة تسليم أوكرانيا صواريخ جافيلين ستكون الولايات المتحدة قد أهدرت «رافعتها» المحتملة في المستقبل ضد خصم جيوسياسي وذلك بحرقها إحدى أوراقها القليلة التي تحتفظ بها في مبادرة سياسية ضئيلة القيمة. وإذا كانت إدارة ترامب ترى أن الصراع في أوكرانيا جزء من حرب باردة جديدة سيكون عليها التفكير في كيفية التخطيط لكسبها. أما الإشارات التي لا معنى لها أو إرسال حفنة من الصواريخ فلا تفيد ضد هذا النوع من الخصوم. كما أنها أيضا ليست طريقة ذكية لمساعدة أوكرانيا .

• الكاتب زميل في السياسة الدولية بمركز ويلسون (ويلسون سنتر) وزميل غير مقيم بمعهد الحرب الحديثة ( مودرن وور انستيتيوت).