أفكار وآراء

المؤتمر الوطني المنشود .. لإنقاذ الدولة الليبية

16 سبتمبر 2017
16 سبتمبر 2017

عماد عريان -

أبدى مجلس الجامعة العربية غير مرة تأييده للمقاربات العربية التي تدعم الحل السلمي وترفض التدخل الأجنبي، وبدوره جدد مبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا السفير صلاح الجمالي التأكيد على أن الحوار هو السبيل لحل الأزمة الليبية، وأن الجامعة العربية دخلت على خط المساهمة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية،

لا نستطيع أن نحكم على الدولة الليبية بأنها غارقة في مستنقع دموي، ولكنها بالفعل تتخبط بشكل واضح داخل نفق مظلم وتتحسس طريقها وصولا إلى شعاع ضوء في نهاية هذا النفق يمكن الاسترشاد به لإعادة بناء الدولة ، ومؤسساتها السياسية والتشريعية والأمنية وتطبيع الحياة المدنية في ربوعها، وهناك بالفعل الكثير من العمل الذي يمكن البناء عليها انطلاقا من لقاءات وتصورات عديدة، وقد يكون من المثير أيضا أن هذا «الكثير» في حد ذاته سبب في تعقد الموقف بقدر ما تتعلق به الجهود لإنهاء الأزمة الليبية، فكيف ذلك ومن أين أتى هذا التقييم المزدوج ؟

تعاني الدولة الليبية منذ سنوات ليست قليلة - في سبيل وصولها إلى تسوية سلمية لأزمتها شبه المزمنة - من كثرة الرؤوس - إذا جاز التعبير- وتعدد الخطط والإستراتيجيات وبرامج التسوية بقدر ما تعاني من خطر الجماعات الإرهابية والمتطرفة والتنظيمات المسلحة وجماعات التهريب على اختلاف أشكالها، وهي ظاهرة واضحة وضوح الشمس، فالقوى الداخلية المعنية بالأزمة والتي تسعى لأن يكون لها دور في الحل النهائي كثيرة العدد، والعواصم التي تسعى لتسوية الأزمة عربية كانت أم دولية ليست بالقليلة وطرحت بالفعل مشروعات عديدة للتسوية وصدر عنها بيانات متنوعة وخطط طريق لا حصر لها، فمن الصخيرات إلى القاهرة وتونس والجزائر العاصمة وأبوظبي ومن باريس إلى موسكو إلى روما إلى نيويورك، ومن اللجوء إلى موسكو طلبا للدعم العسكري إلى التوجه لروما للمطالبة ببرامج أمنية مختلفة الأهداف، تعددت الاجتماعات والتحركات والجهود ما بين الحلول العربية والأوروبية والأممية لتتشتت بالفعل الجهود الرامية لتسوية الأزمة، ومن الطبيعي أن تكون هذه التحركات المتعددة تحت مظلات متنوعة ذات دوافع وأهداف سياسية مختلفة، وبرغم أهمية الكثير منها إلا أنها لم تنجح حتى اليوم في الحصول على إجماع وطني ليبي يضع أي منها موضع التنفيذ العملي في إطار خطة سياسية شاملة تجمع كل الليبيين.

وكذلك هناك تعدد للمسؤوليات الدولية وراء الأزمة الليبية ذاتها، وما يؤكد مسؤولية التحالف الغربي على سبيل المثال عن الأوضاع المأساوية الحالية ما صرح به الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في خطابه الأخير في الأمم المتحدة عندما قال بالحرف الواحد إن «التحالف كان يمكنه بل كان يجب عليه أن يفعل المزيد لسد الفراغ بعد سقوط النظام الليبي»، وصرح في مقابلة مع قناة « فوكس نيوز» الإخبارية قبل أن يغادر الحكم أن أسوأ خطأ ارتكبه هو الفشل في التخطيط لما بعد التدخل في ليبيا، وبالمثل فقد تحدث سياسيون ووسائل إعلام ومراكز بحثية في أكثر من دولة أوروبية عن جسامة هذا الخلل الذي ارتكبه الغرب لدرجة أن الإيطالي «سيلفيوبيرلوسكوني» رئيس الوزراء الأسبق صرح لوكالة الأنباء الإيطالية قائلا « لم يكن ما حدث في ليبيا ثورة بتاتا ولكنها مؤامرة أوروبية»، وهنا يجب التنبه أن هذا التصريح يعكس من طرف خفي تضارب المصالح بين دول أوروبا.

ولعل الأنظار ستتجه من الآن نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة لمتابعة دورتها الجديدة خلال الشهر الجاري لمعرفة ما أعلن عنه الأمين العام للامم المتحدة جوتيريش بشأن الكشف عن الاستراتيجية الجديدة خلال مؤتمر رفيع المستوى على هامش اجتماعات الجمعية العامة بهدف «تيسير الحوار السياسي بقيادة الليبيين لمساعدتهم في بناء دعائم الاستقرار والأمن والوحدة الوطنية» على حد قوله، وجاء ذلك تزامنا مع تصريحات المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى ليبيا غسان سلامة ، و إبلاغه مجلس الأمن الدولي بأن الأمانة العامة للأمم المتحدة ستطرح خطة عمل بشأن الأزمة الليبية في الاجتماع رفيع المستوى للجمعية المنعقد في سبتمبر الجاري، مؤكدا على أن الأمم المتحدة تعمل من أجل دعم الليبيين لا لتحل مكانهم، ولكن لتحقيق الاستقرار الدائم في ليبيا والذي يتطلب معالجة الوضع السياسي بقضاياه الرئيسية التي تهيمن على الساحة، ومنها الذكرى الثانية للاتفاق السياسي الليبي في السابع عشر من ديسمبر وحالة عدم اليقين بشأن ما يعنيه انتهاء الفترة الانتقالية وفق ما ورد في الاتفاق.

ولاشك في أهمية مثل هذه التحركات الجادة والطرح الجديد، ولكن الخوف الآن أنها قد تتحول إلى إضافة أخرى لمحاولات التسوية السابقة بما يضعها في مهب الريح ما لم تحصل على الإجماع الوطني الليبي، وهذا ما يجعل من فكرة الدعوة إلى عقد «مؤتمر وطني شامل» لكل الجماعات والفصائل والفاعليات والزعامات الليبية لصياغة خطة سياسية شاملة للخروج من المأزق الراهن أهمية كبرى، وليكن لهذا المؤتمر ولضمان نجاحه استقلالية تامة بعيدا عن ضغوط العواصم و بإعداد جيد لتجميع الخطط ومشروعات التسوية السياسية في خطة واحدة تحظى بقبول كل الأطراف لوضعه موضع التنفيذ بدعم مباشر وقوي من جامعة الدول العربية التي ما زالت هي الأخرى بلا فاعلية واضحة في هذا المأزق.

فشأنها شأن باقي الأزمات والجراح العربية التي لم تندمل بعد، لم تتبن الجامعة العربية رؤية استراتيجية متكاملة لتسوية الأزمة الليبية،إذ ظل دورها حبيس التصريحات التي يطلقها كبار المسؤولين في الجامعة بين الفينة والأخرى بشأن تسوية الأزمة سلميا، وإن كانت قد أكدت دعمها لأي جهد أو تحرك سياسي يهدف للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للوضع في ليبيا من خلال تشجيع حوار ليبي- ليبي لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية والخروج بالحلول التوافقية اللازمة لاستكمال الاستحقاقات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات، وعن موقفها من مشاريع وخطط التسوية أكدت الجامعة تقدير الأمين العام لكل المواقف والتحركات الرامية إلى تحقيق التوافق المنشود بين الأشقاء الليبيين ،مستذكرة مساندة الجامعة لكل الجهود التي بذلت لحلحلة الأزمة،بما في ذلك المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، والاجتماعات المتعددة التي استضافتها القاهرة وعواصم أخرى بين الأطراف الليبية،واللقاءات بين السراج والمشير حفتر، والمساعي التي تقوم بها آلية دول جوار ليبيا، مؤكدة أن الجامعة ستبقى ملتزمة بمرافقة الأشقاء الليبيين من أجل استئناف واستكمال هذه المسيرة السياسية بغية تجاوز حالة الانسداد التي تحول دون تنفيذ اتفاق الصخيرات والتوصل إلى تسوية سلمية شاملة للأزمة في ليبيا على نحو يحافظ على سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدة وتماسك مؤسسات الدولة الليبية.

وفي السياق ذاته أبدى مجلس الجامعة العربية غير مرة تأييده للمقاربات العربية التي تدعم الحل السلمي وترفض التدخل الأجنبي، وبدوره جدد مبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا السفير صلاح الجمالي التأكيد على أن الحوار هو السبيل لحل الأزمة الليبية، وأن الجامعة العربية دخلت على خط المساهمة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، مؤكدا أنه اجتمع بمختلف الأطراف في شرق ليبيا وغربها ووجد أن لديهم قناعة بالحوار، وأشار إلى أن الجامعة العربية تبنت مبادرة دول الجوار الليبي بهذا الخصوص، و التي ترمي إلى إحياء الحوار السياسي بين الفرقاء الليبيين وكسر الجمود حتى تتفادى ليبيا الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والاقتتال،إضافة إلى حث الفرقاء الليبيين على الحوار وتبديد الخلافات حول تنفيذ «اتفاق الصخيرات» والتأكيد على دور الأمم المتحدة باعتباره مظلة أساسية لأي حل سياسي في ليبيا.

ولا شك في أن هذه التصريحات التي تفيض بالحيوية والنشاط وتبعث على التفاؤل، ولكن تبقى تحركات جامعة الدول العربية على الأرض لتحويل كل هذه الأفكار والطروحات إلى إجراءات عملية ناجعة مكبلة بغياب الآليات وضعف الإمكانات في ظل تواضع ومحدودية التسهيلات التي توفرها مؤسسات الجامعة، ما يحتم العمل على طرح مقاربات جديدة غير تقليدية، ربما من بينها الاقتراح الخاص المطروح في سياق هذا التحليل بالعمل على عقد «مؤتمر وطني شامل» لإنقاذ الدولة الليبية و إخراجها من النفق المظلم.