أعمدة

نوافـذ :نفوس مهزومة حتى الرمق الأخير

16 سبتمبر 2017
16 سبتمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

أظهرت الأحداث الطبيعية التي تعرضت لها بعض الولايات والمدن في الولايات المتحدة الأمريكية، كما هو الحال في كثير من بلدان العالم، مدى حنقنا -نحن مجموعة غير قليلة من المسلمين- ومدى تشقينا وشعورنا بالانتصار لهزيمتنا النفسية التي نعاني منها جراء ما نراه من تداعيات سياسية في منطقتنا العربية على وجه الخصوص، اقرأ هذه الصورة المختزلة لمعنى الإنسانية الكبير في كثير من التغريدات والتفاعلات التي حملتها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكأن الحياة توقفت هنا، ومن هنا تبدأ القصة من جديد، وقد أحزنني هذا التواضع الإنساني، بل هذا التراجع الإنساني، وكأنني استحضر واقعا لا أعرفه، وإن قد سمعت عنه فيما مضى، وهو الحياة تظل للأقوى دائما، وأن الضعيف يتشبث بأي خيط للنجاة، وإن كان حال هذا الخيط كخيط العنكبوت.

بل هناك بعض الأصوات ذهبت أبعد من ذلك، وذلك من خلال الدعاء على هذه الأمم التي تعرضت لهذه العواصف؛ بالزوال الماحق، ولست متيقنا إن كان هناك من رفع الأيادي متضرعا الى الله في هذا الأمر، أما كقراءة فقد كانت موجودة على صفحات هذه الوسائل، هذه الصورة برمتها هي نفس الصورة التي استمعت إليها عبر محاضرة ألقتها إحدى المحاضرات والتي لخصت فيها الحالة الإنسانية المتردية في المجتمع الغربي او الأمريكي، وهي الصورة التي جعلت إنسان تلك الديار لا يرى في الإنسان الذي تدل عليه صورته أنه مسلم – كارتداء الحجاب؛ بالنسبة للمرأة، او تربية الذقن كالرجل؛ او التسمي بأحد الأسماء التي تكثر في العالم الإسلامي على وجه الخصوص، كمحمد، وعبدالله، وفاطمة، وخديجة وغيرها – لا يرى فيه إلا الشر المحمول على الجبين، والمبيت في القلب لارتكاب الشر على الطرف الآخر، حيث انسلت الإنسانية من كلا الطرفين هنا أو هناك، وكل ذلك بفعل أفعال الساسة الحمقى الذين تجاوزا الحقوق الإنسانية، وغدت الحياة عندهم عبارة عن مكسب وخسارة وفق مفهوم السوق.

فالإنسان المسلم، والعربي على وجه خاص؛ يعاني من «حمولة» نفسية مهزومة، أصلها في نفسيته المستعمر الذي مكث طويلا ولا يزال على أرض العروبة من أقصاها الى أقصاها، ومما زاد من عبء الحمل لهذه الـ «حمولة» هو الإنسان العربي المستعمر لذاته ولجغرافية وطنه، ولإنسانه العربي الشقيق، انطلاقا من تاريخ موغل في القدم، يؤرخ لهذه المساحات المستعمرة، يوم أن كانت تحفزه القبيلة، ويحفزه المرعى، وتحفزه «العزة بالإثم» وهو من ذلك التاريخ؛ والى هذا التاريخ لا يزال يراوح مكانه، على الرغم من كل حالات الـ «مسح» التي مرت به؛ من عوامل الوعي، والنصيحة، والتوجيه، والإرشاد، سواء منطلق ذلك من دينه الجديد (لا يزال في الفتيه الثانية 1438) او من روافد المعرفة التي تبين له، ليل نهار، الصح من الخطأ، فهو لا يزال مسكونا وإلى آخر رمق له في الحياة ببذرة الدم التي زرعها ابنا آدم منذ منشأ الخليقة الأولى.

والإنسان غير المسلم لا يزال هو الآخر مسكونا بحمى العنصرية المقيتة وروح المستعمر المتفوق، ومنساقا انسياقا تاما لهيمنة الإعلام المحيط به من جوانبه الأربعة حيث السجن الكبير؛ الذي عطل فيه المعرفة من أن تتوغل بين وعيه لتريه حقيقة البصر والبصيرة لما تعانيه الإنسانية في الطرف الآخر من هذا التطاول المعزز بقوة السلاح، وبقوة المكر، وبقوة الخيانات العظمى في الوطن المحتل، وفي الوطن الذي يخذله أهله، وبذلك تعيش الإنسانية في أصعب مراحلها على الإطلاق، ولم تستفد كثيرا من التطور المادي كمكسب إنساني تستظل تحت رايته الأرواح فتهدأ، بقدر ما تكسب به الأدوات منطلقا آخر للضرر بالطرف الآخر، أينما كان هذا الطرف قريبا من جغرافية الحمقى، او بعيدا عنها، والمهم في كل ذلك هو الانتصار الأخير، سواء جاء هذا الانتصار على شكل احتلال أرض وتعذيب من فيها بفعل الإنسان نفسه، أوالمآسي التي تسببها مجموعة الأنواء المناخية على أماكن الطرف الآخر، فكل يرى انتصاره من ناحية النقص الذي يفتقده.