1106676
1106676
إشراقات

الخليلي: العناصر الموجودة في الأرض توجد في الإنسان.. وهذا دليل على أنه مخلوق من هذا العنصر الأرضي

14 سبتمبر 2017
14 سبتمبر 2017

الأجرام الواسعة في الفضاء السحيق.. لبنات في بناء واحد مربوط بعضها ببعض بسنة الجاذبية -

نستكمل هنا الجزء الثاني من محاضرة سماحة الشيخ المفتي العام للسلطنة التي جاءت تحت عنوان: «الإعجاز العلمي في القرآن الكريم» التي ألقاها بجامعة السلطان قابوس ضمن دروس العقيدة التي يلقيها سماحته في الجامعة.. حيث يقول: ومن الباحثين المعاصرين الذين أدى بهم نظر في القرآن الكريم مع المقارنة ما بينه وبين الاكتشافات العلمية فاعترفوا بأن القرآن لا يمكن أن يكون إلا وحيًا من عند الله الطبيب الفرنسي المشهور الدكتور «موريس بوكاي» الذي ألف كتابًا بعنوان «العلم في التوراة والإنجيل والقرآن» ولسبب هذا الكتاب قصة طويلة ولكنه على أي حال بحث في هذا الكتاب عندما وجد القرآن الكريم واضحة دلالته على ما وصلت إليه الاكتشافات العلمية في كثير من الأمور، سواء ما يتعلق بالناحية الطبية أو ما يتعلق بعلم الفلك أو ما يتعلق بالعلوم الأخرى، وكان يرجع في ذلك إلى العلماء المتخصصين في تلك المجالات الواسعة المتعددة، عندما أبصر ذلك في القرآن الكريم أراد أن يدرس العهدين القديم والحديث أو التوراة والإنجيل لينظر هل هما كالقرآن الكريم في دلالتهما على هذه الحقائق المختلفة المكتشفة.. وعندما درس التوراة والإنجيل وجد الآيات أو العبارات العلمية فيها قليلة، ومع قلتها فإنها متعارضة مع الواقع تمام التعارض، بينما هذه الآيات في كتاب الله الخاتم القرآن الكريم كثيرة، ومع كثرتها هي متفقة تمام الاتفاق مع ما وصل إليه الاكتشاف العلمي، فكان نتيجة ذلك أن اعترف وقرر بأن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي لم يلحقه شيء من هذا التحريف ولا شيء من التبديل.

وأضاف قائلا: وقد كنت اجتمعت بهذه الرجل في الجزائر في الملتقى الخامس عشر للفكر الإسلامي الذي كان مخصصًا لبحث علوم القرآن وما يتعلق به، وحدثني بأنه ألف كتابا آخر بعنوان «الإنسان في القرآن» وقد كان في يوم من الأيام على طاولة الطعام معي، وفرغت زجاجة الماء من الطعام، فدعا بالذي يقرب الماء بعدما ضرب الطاولة بالزجاجة وطلب منه الماء ثم تلا قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ثم قال: إن في هذه الآية من الإعجاز ما تحار منه عقول البشر، وبعد ما رجعت من هناك وجدت عرضًا لهذا الكتاب في مجلة «الأمة» القطرية، ووجدت في هذا العرض بحثًا مطولاً فيما يتعلق بهذه الآية بالذات يفيد هذا البحث أن الماء هو مصدر الكائنات الحية على اختلافها.

وأشار إلى أن الأستاذ مصطفى صادق الرافعي أجاد عندما ذكر هذه الآية الكريمة أي قول الله سبحانه وتعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) في كتابه «الإعجاز البياني في القرآن» وقال: «إن لم يكن الإعجاز في هذا اللفظ واضحًا بداهة فليس يصح في الأذهان شيء» وأشار في تعليق له على بعض موضوعات هذا الكتاب أيضًا بأن كتاب الإعجاز القرآني المنتظر أي في المستقبل سيكون كتاب علم أي يبحث النواحي العلمية بعدما بحثت النواحي البيانية، ثم أشار أن هذا سيأتي من بعد فراقه للدنيا وقال: «ونرجو أن يكون لنا منهم - أي من أولئك الباحثين الذين سيبحثون في هذا الموضوع –أن يكون لنا منهم من الدعاء بالرحمة ما لهم عندنا من الدعاء بالتوفيق».

وقال: في هذه الجلسة أريد أن أشير إلى بعض الأمثلة بما يتعلق بهذه الناحية، ناحية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. الله سبحانه وتعالى يقص علينا نبأ خلق الإنسان في كتابه فيقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، هذه الآية تحدثنا بكل صراحة عن الأطوار التي يمر بها الكائن الإنساني عندما يكون جنينًا في رحم أمه منذ مرحلته الأولى، قبل ذلك كله يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن هذا الإنسان مخلوق من الطين ولقد تكرر ذلك في القرآن، فالله تعالى يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ)، فالإنسان مخلوق من هذا الطين، من حمأ من هذا الطين، صلصال حمأ غير طين ناشف، والحديث يدل على ذلك، فإن جميع ما يوجد في الأرض من العناصر المختلفة يوجد في جسم الإنسان أيضًا مما يدل على أن الإنسان مخلوق من هذا العنصر الأرضي. ثم بعد ذلك يخبرنا الله سبحانه وتعالى بالأطوار التي يمر بها هذا الإنسان، يمر بطور يكون فيه نطفة عندما يلتقي الذكر بالأنثى فيقذف الذكر ماءه في الأنثى، وهناك يخرج حيوان من بين تلك الحيوانات المنوية الهائلة العدد ليلتقي بالبويضة فيتصلان جميعاً بعد تلاحمهما بجدار الرحم، والبويضة خاصبة حادة تجرح ذلك الجدار فينهمر الدم في ذلك الحوض -حوض الرحم- ثم بعد ذلك يأخذ هذا الكائن يتغذى بذلك الدم إلى أن يتحول علقة، أي قطعة عالقة بجدار الرحم لأن باب الرحم يكون مفتوحاً في ذلك الوقت، ثم ينسد ذلك الباب فيتحول ذلك الكائن من وضعه إلى آخر، أي تلك العلقة تتحول إلى مضغة، وهي قطعة من اللحم كأنما تمضغ تردد بين جوانب الرحم كما تتردد اللقمة الممضوغة في جوانب الفم، بعد هذا كله تتحول هذه المضغة إلى التخليق، فخلقنا المضغة عظامًا، تتحول إلى العظام، فكسونا العظام لحما، بفاء الترتيب، والفاء الترتيبية تدل على أن ما بعدها جاء عقب ما قبلها، وقد ثبت أيضًا علميًا، بأن خلايا اللحم إنما تتكون بعدما تتكون خلايا العظام، ثم يخرج بعد ذلك خلق آخر ينفخ الله سبحانه وتعالى فيه الروح ليكون إنسانًا كاملًا.

وأبان سماحته بالقول: وقد وصفت طبيعة الرحم في هذه الآية الكريمة وصفًا دقيقًا في قول الله تعالـى (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ)، القرار موضع الاستقرار والطمأنينة، مكين من المكانة وهي كلمة تدل على الثبوت وتدل على الكُفْن، فإن الرحم يكتنف بعظام متشابكة تقي هذا الجنين مما يصيب الأم من لكمات، كما أن على باب الرحم إفرازات تقضي على الجراثيم التي تحاول أن تتسرب إلى الجنين لتفتك به، وبهذه العبارة الدقيقة يدل القرآن على ذلك حيث يقول: «في قرار مكين».

وأضاف: نأتي إلى طبيعة الأرض وكيف يصف القرآن الكريم في معرض ذكر الليل والنهار طبيعة هذه الأرض مما يدلنا على أن هذه الأرض كروية، الله سبحانه وتعالى يقول: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا)، النهار يسعى وراء الليل كما أن الليل أيضًا يسعى وراء النهار، ولكن بما أن النهار عارض (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ)، فالنهار كأنه جلد؛ لأن الظلمة هي الأصل، والنور عارض على الظلمة، اعتبر أن النور كأنه يطرد هذه الظلمة باستمرار (يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا)، فهذا النهار يغشى الليل يسعى وراءه سعيًا حثيثًا. وهكذا طبيعة الليل والنهار تجلت بعدما انكشفت طبيعة الأرض بأنها كروية، ويقول الله سبحانه وتعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)، وهكذا كل من الليل والنهار يحل محل الآخر، فإن النهار عندما يسعى وراء الليل يدخل حيثما كان الليل، والليل أيضًا عندما يسعى وراء النهار يدخل حيثما كان النهار، ويقول الله سبحانه وتعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)، أي الليل يكون مكورًا فوق النهار ككور العمامة - كما قال المفسرون - والنهار أيضًا يكون مكوراً فوق الليل؛ لأن كل جهة من جهات الأرض على اختلاف الجهات تعتبر هي جهة عليا بالنسبة للجهة التي تقابلها.

وقال: فبالنظر إلى سكان المنطقة التي نحن فيها، هذه المنطقة هي أعلى وتعتبر الجهة الأخرى هي أسفل، الذين هم عن أيماننا أو عن شمائلنا أو أسفلنا، وأيضًا عندما يكونون فوق الأرض هناك تكون بالنسبة إليهم تلك الجهة هي الجهة العليا، فالليل بالنسبة لنا نحن الآن هنا هو ككور العمامة فوق النهار بالنسبة إلى الجهة التي يغشاها النهار في هذا الوقت من الكرة الأرضية، والنهار عندهم هم أيضًا بالنسبة إليهم ككور العمامة بالنظر إلى هذه الجهة التي نحن فيها؛ لأن هذه الجهة بالنسبة إليهم هي الجهة السفلى، «يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل»، «يغشى الليل يطلبه حثيثا»، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل» هذه الآيات تكشف لنا طبيعة الأرض. ولعل أكثر كشفًا منها ما حكاه الله تعالى في كتابه من قصة ذي القرنين، لأن ذا القرنين اتجه إلى الجهة الغربية ثم من هناك وصل إلى مطلع الشمس، يعني ذلك أنه دار بالكرة الأرضية من الجهة الغربية، فوصل أولًا إلى أقصى بقعة معمورة في جهة الغرب، ثم وصل بعد ذلك إلى أقصى جهة معمورة في جهة الشرق، ثم وصل إلى ما بين السدين . والله سبحانه وتعالى ضرب مثلاً بالكافر فقال: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) الآية الكريمة دلتنا على أن الذي يصعد في الجهة العلوية يكون صدره ضيقًا. في هذا إشارة إلى ما يصيب الناس هناك إن صعدوا بدون أكسجين من الاختناق، إذن هذه الآية أيضًا تعتبر معجزة علمية من معجزات القرآن الكريم.

وأكد سماحته قائلا: الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن الكائنات كلها أنها كائنات متزاوجة فيقول سبحانه وتعالى في سورة يس: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) مما تنبت الأرض من النباتات المختلفة ومن البشر أنفسهم جعل الله سبحانه وتعالى فيهم تزاوجًا إذ فيهم الزوجان الذكر والأنثى ومما لا يعلمون، وقد اكتشف أخيرًا أن هناك تزاوجًا ما بين الكائنات المختلفة على اختلاف أصنافها، أدنى شيء هذه الذرة المهينة الدقيقة، ذرة الهيدروجين، تلكم الذرة التي يقال عنها بأنها أخف الذرات هذه الذرات نفسها فيها جزء سالب وجزء موجب، وتتولد الطاقة بتلاقي السالب والموجب، هذه الكهرباء التي نحن نتمتع بها في التبريد وفي التحرير، وفي الضوء، وفي مجالات شتى، هذه الكهرباء ما هي إلا نتيجة التقاء السائل السالب بالسائل الموجب فتتولد الطاقة الكهربائية من هذا اللقاء، وأدل من هذه الآية التي في سورة «يس» آية «الذاريات» حيث يقول الله تعالى فيها: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) لعل العالم الإنساني يصل إلى تقرير النظرية أو الاقتناع بالنظرية القائلة بأن الكائنات كلها خلقها الله سبحانه وتعالى من مبدأ هذا اللقاء ما بين الذرات والله تعالى على كل شيء قدير.

وأوضح قائلا: إن الله سبحانه وتعالى أيضًا أخبرنا عن طبيعة النباتات التي تنبت قال: (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)، ما هي هذه الزنة؟ يعني العلم الحديث جاء ليبين هذه الزنة، الأشياء كلها موزونة بموازين دقيقة، فالله سبحانه وتعالى ينبت النباتات المختلفة ويوجد فيها الثمار المتنوعة. وهذه الثمار مختلفة في الأحجام، منها الصغير، ومنها الكبير ولكنها مع اختلاف أحجامها مع وجود الصغير والكبير فيها، فإن ثمرة كل نوع من أنواع الأشجار المختلفة محدودة ذراتها على اختلاف العناصر التي تنتسب إليها هذه الذرات، بحيث لو زادت في هذه الثمرة ذرة أو نقصت ذرة لأدى ذلك إلى تحول هذه الثمرة التي زيدت فيها ذرة أو نقصت منها ذرة عن وضعها إلى نوع آخر من أنواع الثمار.

وأضاف: وبيّن أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يعرفه بحقائق هذه الكائنات التي كانت خفية عن أفكار الناس ومداركهم، وقد ساد عند كثير من الناس بأن الذرة لا يمكن أن تتجزأ، وقالوا في الذرة: بأنها الجوهر الفرد، وقالوا: إنها الجزء الذي لا يتجزأ، وشغلت مسألة الذرة بال المتكلمين منذ قديم الزمان، فخاضوا في ذلك واختلفوا وحصل ما حصل بينهم الشقاق، وحصل ما حصل بينهم من التكفير؛ لأجل شيء تافه، بحث تافه، لو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا ما يدل دلالة واضحة على أن هناك ما هو أصغر من الذرة، وإذا كان هناك ما هو أصغر من الذرة فمعنى ذلك بأن هذه الذرة يمكن أن تتجزأ ويمكن أن تنقسم (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) فمعنى ذلك أن هناك ما هو أصغر من الذرة، وقد تبين أخيرًا بتفتيت الذرة أن الذرة تتفتت وتنقسم، فهناك ما هو أصغر من الذرة.

وأشار إلى أن هناك مثل آخر من هذه الأمثلة وهو آية من كتاب الله في موضع وجزء آية من غيره، هذه الآية أو هذه العبارة في الكتاب جاءت تارة آية وتارة جزء آية تدل على نظام هذا الكون من أدق شيء منه إلى أكبر شيء فيه، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، ويقول سبحانه وتعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)، ويقول أعز من قائل: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)، كل عبارة من هذه العبارات التي تأتي تارة آية وتارة جزءًا من آية تتناول نظام هذا الكون كما يقال من الذرة إلى المجرة، فما من شيء في هذا الكون إلا ويصلح عليه هذا النظام الذي أخبر الله سبحانه وتعالى به.

مناقشات

السائل يقول: قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، ما المقصود بفيهما وإن كان المعنى السماء والأرض -والله أعلم- فلماذا خص الله سبحانه وتعالى ذكرهما فقط مع أنه يوجد في هذا العالم الفسيح الكثير من الكواكب؟

أنا أسأل عن هذه الكواكب هل هي خارجة من السماء، وما المقصود بمدلول السماء، هل المقصود بمدلول السماء كوكب معين من هذه الكواكب، فيقال بأن الكواكب الأخرى غير داخلة في مدلول السماء، أو مدلول السماء لغة كل ما علاك فهو سماء، فالله سبحانه وتعالى يقول: (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ).. أين فرعها؟ هل هو في كوكب من هذه الكواكب كوكب معين أصلها ثابت وفرعها في السماء، ويقول الله سبحانه وتعالــى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) فهل هذا الماء ينزل من الكواكب أو من كوكب من هذه الكواكب أو أنه ينزل من الجهة العلوية، فإذا كانت كلمة السماء تدل على كل ما كان أعلانا فإذا كل ما كان أعلاه فهو سماء إلى ما لا يحيط به إلا الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى عندما امتنَّ على عباده بخلق السماوات ما امتن بخلق عدد صغير من الأجرام الفلكية وسكت عن غير هذا العدد، المفسرون في القديم والحديث اختلفوا في هذه السماوات السبع المقصودة، كثير منهم ضيقوا مدلول السماوات، منهم أي المتقدمين -كالفخر الرازي- عندما لم يكتشفوا في ذلك الوقت، نبتن وبلوتو، عندما كانوا ما اكتشفوا هذه النجوم قال الفخر الرازي مثلاً بأن المقصود المجموعة الشمسية المكتشفة في ذلك الوقت وذكر من نفس هذه المجموعة الشمس نفسها وذكر منها أيضاً القمر، لا توجد دلالة بأن القمر هو السماء أو الشمس هي السماء، أو أن القمر هو إحدى السماوات أو أن الشمس إحدى السماوات، لا توجد دلالة على ذلك أبدًا. ثم جاء بعض المفسرين بعد هذا الاكتشاف الآخر فذكــروا أن المقصــود بالمجموعة الشمسية بكاملها، وقالوا عن الشمس لا تعد منها والقمر -طبعا- هو تابع صغير للأرض فلا يعد منها، والأرض لا تحسب لأن الأرض منها بالنظر إلى هذه الأجرام، فقالوا هي سبع سماوات، هذه السماوات السبع؟! كلمة السماوات السبع مدلولها أوسع من ذلك بكثير، الله سبحانه وتعالى يقول: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) ما معنى هذا البناء؟ نفس هذا الرباط رباط الجاذبية التي يربط ما بين هذه الأجرام الواسعة، هذا هو البناء، فهذه الأجرام الواسعة في كل الفضاء الهائل السحيق، هذه الأجرام الواسعة هي سماء؛ لأنها مربوط بعضها ببعض هي بمثابة اللبنات في البناء الواحد، لأنها مربوط بعضها ببعض بسنة الجاذبية، فإذن هذه كلها تعد سماء، قد تكون فيها درجات –طبقات– نفس هذه الأجرام، وقد تكون ما فيها طبقات وإنما بقية السماوات فوق ذلك، أنا في نفسي لا أستطيع أن أجزم بهذا وإنما أكل العلم إلى الله، ولكن أقول: هناك احتمال كبير بأن يكون كل ما اكتشف من هذه الأجرام الهائلة والمجرات الواسعة غير خارج عن السماء الدنيا، لا يبعد ذلك بدليل قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)، (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) فالله سبحانه وتعالى أخبر بأنه زين السماء الدنيا فلعل هناك بعد هذه الأجرام الفلكية، سماوات أخرى سبع أوسع مما يمكن أن يتصور البشر، وما ندري طبيعة هذه السماوات- والله أعلم.

السائل يقول: قال تعالى: (يكور الليل على النهار).. وقال أيضا: (يغشى الليل النهار) فما وجه تقديم الليل على النهار في الآيات القرآنية، وهل معنى ذلك أن الليل خلقه قبل النهار؟

الليل هو الأصل لأن الظلمة هي الأصل، الضوء يأتي ليغشى هذه الظلمة ليمزق هذه الظلمة ليسرى في هذه الظلمة ويبددها، فإذًا الضوء يأتي بعد الظلمة، ولما كان الضوء يأتي بعد الظلمة فإذًا الليل سابق على النهار فلذلك ذكره الله سبحانه وتعالى قبل النهار، وضرب الله تعالى مثلاً لسريان الضوء في الفضاء وطيه لهذه الظلمة، بآية لها جلد ويسلخ منها هذا الجلد (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) فكأنما النهار هو الجلد يحيط بهذا الليل ثم يسلخ منه النهار يسلخ منه هذا الجلد فإذا بالفضاء يبدو على طبيعته، وهو مظلم.

المصدر : موقع القبس الإلكتروني لعبدالله القنوبي