1104627
1104627
تقارير

السكري .. الصديق لمن يحافظ عليه والعدو لمن يتحداه أو يتناساه

13 سبتمبر 2017
13 سبتمبر 2017

يتجاوز عدد المصابين حسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة 89 ألف حالة -

كتب- أحمد بن علي الذهلي -

بعض الأشياء لا نختارها لأنفسنا، خاصة فيما يتعلق بالمرض الذي نصاب به، فعوامل جينية تنام وتصحو في جسدك دون أن تعلم بأنها قد تغير مسارات أيامك، أو عادات يومية خاطئة قد تستقطبك خلسة نحو سلم درجات المرض، وقد لا تدري بأنك تسير في طريق مليء بالعثرات حتى وإن ظهرت عليك بعض المؤشرات بالإصابة، فتظل تراوغ في عنادك، مقاوما لكل درجات الشك، ولم يخطر ببالك سابقًا ولو لبرهة من الزمن في تزويد نفسك ببعض الجرعات التثقيفية حول المرض والتي قد تجعلك تستفيق وتتدارك خطورة المصاب الذي ألم بك، ومع الوقت تجد نفسك تسير متثاقلا نحو النفق المظلم الذي يصعب الخروج منه إلا جثة هامدة وأن طال أمد المعاناة.

إنَّ من الأشياء التي جعلتني أقبل على الكتابة في هذا الموضوع بالذات هو التزايد المخيف في أعداد مرضى السكري في السلطنة، حيث كشفت إحصائية حديثة من وزارة الصحة أن عدد إجمالي حالات مرض السكري المسجلة على المستوى الوطني (القدامى والجدد) يبلغ 89246 مصابًا حتى 2016، وهو رقم قابل لزيادة في كل يوم، بالرغم من الجهود التي تبذل من الجهات المختصة لمكافحة انتشاره، والحد من خطورته عقب الإصابة به.

بعض الناس يرجع أسباب ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض إلى نمط المعيشة المتسارع والعادات الغذائية الخاطئة، وهم محقون في ذلك، لكن زمرة من الناس يوردون اعتقادا جازما بأن الحقبة التي سبقت النهضة المباركة، لم تكن تسجل إصابات تذكر لأمراض مشهورة مثلما أصبح منتشرًا في وقتنا الحاضر ومنها على سبيل المثال مرض السكري والقلب والضغط وغيرها، وردًا على ذلك ومن خلال واقع الحال، نؤكد بأن العلم في تلك الفترة غير متطور ولا توجد مستشفيات بمعناها الحقيقي، أو مختبرات طبية متخصصة، فالواقع يشير إلى أن الأمراض لم تنقطع عن البشرية منذ الخليقة، ولذا فإن فرضية أن الأمراض غير موجودة أمر باطل وبهتان بين، فالأمراض صحيح أنها تطورت لكنها لم تكن وليدة اليوم بل تعود إلى القرون الأولى، فهي بكل تأكيد موجودة وبكثرة وبصور ربما أكثر بشاعة حيث استطاع الطب الحديث القضاء على العديد من الأمراض التي كانت البشرية تعاني منها.

فحياة الإنسان في القرون الماضية كانت تعاني من ويلات الضنك حيث كانت تفتقر إلى سبل الكشف عن الأوئبة والأمراض المستعصية، ولم يكن هناك أي نوع من أجهزة التشخيص المتقدمة. أيضا لم تكن هناك مراكز علاجية بمعناها الشامل، لذا كان الكثير من المرضى وللأسف يعانون لسنوات طويلة، لدرجة أن المريض يتجرع آلام المرض بشكل يفوق الوصف، وفي نهاية المطاف يموت دون أن يعرف الناس المرض الذي كان يعاني منه، فرحلته المرضية في حقيقتها لا تأتي في كل الأوقات من وجبة عشاء أوما بين ليلة وضحاها، بل كانت هناك عوامل ومسببات مختلفة تجري في دمائنا، كشريط ممتد من لحظات المرض وحتى الغياب.

إنَّ من بين المسلمات التي نعرفها أن الأجسام البشرية لديها القدرة بما يكفيها لكي يقاوم العلل، فكم من حرب ضروس خاضها الجهاز المناعي في أجسادنا دون أن نشعر بها ولفترات متباعدة حيث لم تظهر على المريض أي أعراض إلا عندما خارت قوى أجهزته المناعية، عندها فقط بدأ مرحلة المعاناة، والتي قد تستمر عند البعض حتى اللحظات الأخيرة وهو على فراش المرض، فحينما تنكسر الجدران، وتخترق كل الحواجز يظهر شبح المرض على هيئة مارد مخيف، يقضي على ما تبقى من قوى المريض الجسمانية والعقلية.

حالة الفزع التي تنتاب بعض الناس عندما يعلمون بأنهم مصابون بالمرض، تتوقف مقاومتهم للمرض، وتعجل من وصولهم إلى النهايات، وهناك شواهد كثيرة لأشخاص قضوا نحبهم سريعًا، عندما علموا بسر مرضهم، فتدهور الحالة النفسية لدى المريض هي من تدفعه إلى عدم تقبل الحياة، ووصوله إلى مرحلة الاستسلام وانتظار الموت، وهذا تصرف مرفوض طبيا ودينيا، لذ لا بد للإنسان أن يكون أكثر إيمانًا وصبرًا على البلاء، وأن يتجلد قدر المستطاع، وهنا يأتي دور الأسرة أيضا والأصدقاء كعامل مكمل لمرحلة العلاج.

مع التأكيد على أن بعض الأمراض تقتحم أجساد بعض الناس في مراحل صغيرة من العمر، والمفرح أنهم يتعايشون معها ويمارسون حياتهم بكل بساطة ويأخذون بالأسباب من أجل أن يحافظوا على حياتهم من التدهور، وحتى لا يتمكن المرض منهم، فقد يكتب الله لهم الشفاء وينجون، أو يعاودهم مرة أخرى بعد فترة وتجدهم أكثر صلابة رغم الألم والمعاناة، لأنهم يصرون على أن يثبتوا بأنهم أكثر إصرارًا على تحدي المرض وعدم الاستسلام السريع له.

ربع قرن من المرض!

إننا في هذا الحديث الطويل، سوف نسلط الضوء على كيفية معايشة مرض السكري، وطرق إيجاد نوع من الصداقة معه، خاصة وأن شريحة كبيرة من البشرية تعاني منه فلا يكاد بيت في السلطنة يخلو منه، سوف أتطرق إلى الموضوع من واقع تجربة إنسانية أكتبها من خلال معايشتي للمرض لقرابة 25 عامًا، وما زلت أقاوم وجود هذا الصديق في جسدي، فكل ما كتبته هو بالطبع قابل للصواب وأيضا للخطأ، لكنه في النهاية اجتهاد شخصي، وهذا المرض نتلمسه في كل مكان فهو يعيش بيننا في العمل، وفي بيوتنا، وفي أجساد أعز أحبائنا، ومن الممكن أنه سلب منا أشخاصا لا تزال ذكراهم قابعة في قلوبنا، إنني أسوق هذا الموضوع من منطلق الرسالة الإعلامية السامية التي تحظ على تثقف الجمهور، خاصة وأن السكري ليس بمرض يأتي ويرحل فجأة، وإنما يمتد معك إلى النهاية، فهناك إحصائيات عالمية تشير إلى أن هذا المرض يقضي كل 5 أو 6 ثواني على أحد المرضى في العالم.

الشيء المثير، وربما الحقيقة الصادمة تتجلى عند البعض حينما يغيب عن ذهنه بأنه مصاب بالسكري ولفترات طويله، وهذا ما يفسر حديث البعض بأنه المرض الصامت، الذي يتسرب إلى أجسادنا خلسة حتى يصل إلى مبتغاه.

هناك عوامل وراثية وأخرى ممارسات خاطئة في حياة الناس هي من تأتي به، ليكون الرفيق الذي يشاطرنا كل لحظات الأجل المكتوب في الحياة، عندما تزور المستشفيات لأي سبب كان، سوف تشاهد براءة الأطفال الصغار كيف يصادقون المرض وهم في نعومة أظافرهم، وآخرون تحاصرهم الأعراض الجانبية للمرض في مراحل متقدمة منه، ولا تفرقة في ذلك سواء كانوا شبابا أو شيابا.

دائما نذكر ونطالب بأن تكون هناك رحمة في التعامل مع مرضى السكري بشكل خاص؛ لأسباب سنوردها تباعًا، فكم من أشخاص يعيشون بيننا ولا نعي بأنهم حين يغيبون عنا، يتجرعون آلام المرض ولحظاته العصيبة، فلا تعجب إذا وجدت البعض عابسًا شاردًا نحو البعيد، فربما أمور قد تجهلها قد أصابته بعد يومه في العمل، فبعض المرضى لا ينام الليل، وآخرون يتمنون أن يتخلصوا من كميات الأدوية التي تسكب في أوردتهم، وعلامات الإبر التي ترتسم في أماكن عدة من أجسادهم نظير وخز متكرر لدخول الدواء إلى جسده، مهما تعاطفنا مع بعضنا البعض، نصل إلى الحقيقة، وهي أنه لا أحد يحس بوجعك إلا نفسك، وعندما تتعب أو يحدث لك مكروه، فإنه لن يحس بلحظات الفقد إلا أقرب الناس إليك، وهم بكل تأكيد أسرتك وأطفالك، ولذا فإن المحافظة على صحة مريض السكر أمر مهم، فهو مرض يخبئ بداخله مجموعة من الأمراض، ويؤثر على مختلف الأعضاء، ولذا فإن سرعة انتشاره عالميًا أصبح أمرًا مقلقًا لمنظمة الصحة العالمية إذ يصنف بأنه مرض شبه وبائي، فهو يغزو كل طبقات المجتمع، ولا يفرق ما بين الصغير والكبير، لك أن تتخيل الأطفال الرضع مصابون بالمرض، لكننا نركز على أمر مهم وهو كيف نتجنب آثاره الجانبية ومد فترة ظهورها على الأشخاص، ونحاول أن نوجد المعادلة التي ليست صعبة وهي إننا نحافظ على حياتنا رغم أنه يتنفس بداخلنا ويتغلغل في كل عضو من أعضائنا البشرية.

كيفية التعايش مع السكري

السؤال الدائم والمهم الذي يطرح من البعض: هل بالإمكان التعايش مع مرض السكري، رغم خطورته على الإنسان المصاب؟

والجواب بكل تأكيد: نعم، فهذا المرض بالتحديد من حسناته أنه يمكننا أن نتعايش معه لسنوات طويلة، ونتقي ظهور مضاعفاته لأكبر وقت ممكن.

يمكن التغلب على مضاعفات السكري من خلال أربعة أشياء أساسية يجب مراعاتها: أولها – ممارسة الرياضة

ثانيا: نوعية الغذاء، ثالثًا: الانضباط في تناول الأدوية، رابًعا والمهمة وهي الحالة المزاجية والنفسية لدى مريض السكر.

سنتحدث ببساطة عن الطرق الأربع السابقة سريعا، فالرياضة أمر مهم لمريض السكر حتى ولو كان بمقدار نصف ساعة يوميا -هذا حسب رأي بعض الأطباء الذين نعالج معهم-، الأمر الثاني: الغذاء وهذا محور مهم، الكثير من الأطباء لا يفضلون اتباع سياسة الحرمان من الأكل ولكن يركزون على كمية الغذاء، فمريض السكر عليه أن يعي بأن عليه المحافظة على مستويات السكر في دمه كونه يعاني قصورًا في كمية الأنسولين خاصة فيما يعانون من ارتفاع السكر، الأمر الثالث: يجب أن يداوم المريض على تناول أدويته سواء الحبوب أو أبر الأنسولين وغيرها من الأدوية وذلك تجنبًا لحصول أي مضاعفات للمريض.

الأمر الرابع والمهم: الحالة النفسية لمريض السكر والتي تشكل فارقًا في حياته، فالضغوطات سواء في العمل أو البيت تؤثر سلبا عليه، ولذا ينصح أطباء السكر المرضى بالبعد عن المؤشرات العصبية، وتجنب كل ما من شأنه أن يحدث نوعا من الارتفاع المفاجئ في مستويات الدم نتيجة الزعل أوالمشادات التي من شأنها أن تؤثر على حياة مريض السكري.

غيبوبة السكر

بعض المرضى يعانون من انخفاض في مستوى السكر في الدم، وهو نوع آخر من أشكال المرض، وهذا ربما يكون الأخطر كون المريض معرضا في أي لحظة لهبوط مفاجئ، ولذا ينصح الأطباء بأن يضع المريض في جيبه قطعة سكر تجنبًا لحدوث طارئ.

بعض مرضى هذا النوع ومن هم كبار السن للأسف لا يعون خطورة المرض، فيتعرضون أحيانًا مؤثرات تجعلهم يدخلون في غيبوبة مفاجئة نتيجة الانخفاض السريع لمستوى السكر في الدم.

هالني منذ فترة زمنية ليست بالبعيدة، كيف لشيخ كبير قد احتضن الأرض بجانب أحد الشوارع الداخلية، وجدته وقد تفرقت عصاه وعمامته عن جسده، عرفت لاحقا بأنه سقط نتيجة هبوط مفاجئ في السكر نتيجة الطقس الحار، من ملامحه الأولى إنه حاول النهوض مرارًا وتكرارًا لكن قواه لم تسعفه، فحاول الزحف لمسافة بسيطة لكن النهار القائض لم يساعده في الوصول للظل، حرارة الساعة بعد الواحدة ظهرا توقد الحصى والتراب الذي سقط عليه، حين أدرك لا فائدة توسد وجه التراب بأنفاس متلاحقة، بعض الذين عبروا بجانبه بسياراتهم، أظنهم اعتقدوا بأنه مجنون أو لأي سبب آخر حين اقتربت منه لم أتمالك نفسي أحسست بأني ربما في يوم من الأيام سأكون مكانه فأي رحمة هي التي نحتاجها، من ملامحه يبدو أنه سقط على الأرض منذ فترة ليست بالقصيرة، كان الدم حاضرًا في بعض أجزائه، في قدمه ويديه ووجهه، أما ثيابه فهي عفرة بالتراب، توقف عقلي عن التفكير للحظات، كل ما استطعت قوله، تعرف بيتك يا أبي، أجاب بصعوبة: نعم، تحامل على نفسه كثيرًا وبمساعدتي ركب السيارة، وصلنا إلى بيته، استقبلنا أحد أبنائه أخبرني بمرض أبيه، وأن ما حصل له ليست هي المرة الأولى فقد نجا منذ فترة بعد حملته سيارة الإسعاف إلى المستشفى، فهو رجل يصر على الذهاب إلى المسجد للصلاة رغم مرضه ومعاناته المزمن، أحسست بحجم المشكلة، وأخبرني بأنه تعب من الحديث إليه خاصة وأنه يذهب إلى العمل، وسألني هل أقفل الباب عن خروج أبي ؟

بعد لحظات استفاق الأب بعد أن شرب الماء، أمسك في ثوبي وأنا أهم بالانصراف مصرًا على أن أجلس معهم للغداء، زاد من حزني عليه، اعتذرت له بأني مشغول ومعي أدويتي في السيارة يجب أن أذهب بها إلى البيت واضعها في الثلاجة، وأنا أهم بالذهاب ترجيته أن لا يذهب للمسجد البعيد، وأن يصلي صلواته في البيت خوفا عليه، تركته ورحلت لكن كل ما صار أمامي، كان كفيلًا بأن أقول بأننا بحاجة إلى أن نحس ببعضنا البعض، فالرحمة يجب أن تسود في كل المواقف.