أفكار وآراء

مجموعة عمل «مينا فاتف»

13 سبتمبر 2017
13 سبتمبر 2017

د. عبدالقادر ورسمه غالب -

تلقيت استفسارات، بعد مقالي السابق، تسأل من المينا فاتف. ونقول، ان من المبادرات المهمة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قيام مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمعروفة جوازا باسم “مينا فاتف”، التي تم الاتفاق علي قيامها في عام 2004 وهي تتكون من غالبية الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والسودان، كما تتمتع بعض الدول الأخرى والمنظمات الاقتصادية الدولية بصفة المراقب مع وجود سكرتارية المجموعة في البحرين. وتتميز منطقة الـ “مينا”، بصفة عامة، بأهميتها الاقتصادية مع وجود الفوائض المالية والمؤسسات الاستثمارية المالية الكبيرة والشركات العالمية والأيدي العاملة الأجنبية التي تفوق الملايين من البشر... ولهذا فان السيطرة على جرائم، غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في هذه المنطقة الحساسة له أبعاد كثيرة ومدلولات أكثر أهمية.

لتحقيق المساهمة الفاعلة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قامت مجموعة عمل “مينا فاتف” بانتهاج عدة أهداف أساسية من ضمنها مثلا العمل على تنفيذ التوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي “فاتف” الخاصة بمحاربة غسل الأموال. وهذه التوصيات تشكل الدعامة الرئيسية في مجابهة هذه الجريمة، والعمل علي تنفيذ التوصيات الإضافية الملحقة الصادرة من “فاتف” الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، وكذلك العمل على تنفيذ معاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الصادرة بخصوص هذا الجرائم وتحقيق التعاون المطلوب لتعزيز الالتزام بمعايير المكافحة وتعزيز الإجراءات في العمل مع كل العالم لتحقيقها. وكل هذا يهدف للعمل بهمة لتحديد الموضوعات المرتبطة بغسل الأموال والإرهاب في المنطقة مع الحرص على تبادل الخبرات الفنية للاستفادة منها تعزيزا للأنظمة القانونية.

لا بد من القول بأن الدول المعنية والجهات المختصة بها، مثل البنوك التجارية والمركزية، قد استفادت كثيرا من قيام هذه المجموعة وأعمالها المتواصلة خاصة في ما يتعلق بتقييم مدى التزام الدول الأعضاء بالمعايير والتوصيات الدولية التي تصدر في تتابع متصل من أجل كبح جماح هذه الجرائم الخطيرة ومكافحتها بشتى الوسائل والإجراءات القانونية المستحدثة. وفي خضم هذه الأعمال يتم تقديم التدريب والدعم الفني مع رفع درجة التثقيف والوعي بهذه الجرائم ومدى جسامتها.. ولتحقيق هذه الأهداف تقوم مجموعة عمل “مينا فاتف” بعمل برامج تقييم مشترك للدول الأعضاء وفق معايير فنية عالية تقوم بها كفاءات عالية ومدربة للقيام بهذا العمل الهام. وبعد الانتهاء من التقييم لكل دولة تتم المتابعة لما ورد في التقييم للتأكد من تحقيق أهدافه والعمل على تقديم المساعدة المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف وهذا يشمل تقديم التدريب لتطبيق المهام المطلوبة وفق التقييم.

إن غسل الأموال وتمويل الإرهاب من الجرائم الدولية التي تحتاج إلى تكاتف الجهود الدولية والاصطفاف كوحدة واحدة للسيطرة علي منابعها للتمكن من مكافحتها، ونلاحظ أن مجموعة العمل المالي “فاتف” أخذت هذا الموقف منذ عام 1990 حيث ركزت في توصياتها الأربعين الخاصة بمكافحة غسل الأموال على ضرورة بل حتمية التعاون الدولي والإقليمي لتحقيق القوة الضاربة في الوحدة الواحدة خاصة وأن طرق الإجرام تبحث عن أماكن الضعف للولوج من خلالها لتحقيق المآرب الإجرامية، ولسد هذه المنافذ فلا بد من العمل بيد واحدة وقلب واحد. وعليه فان التوصيات تنادي بضرورة التعاون الجماعي المتبادل في كل المراحل بدءا من التحقيقات إلي مرحلة المحاكمات ولهذا يجب على كل الدول تجريم هذه الأفعال عبر إصدار التشريعات الضرورية لذلك مع ضرورة أن تتبني كل الدول نفس الإجراءات لتمكين السلطات المختصة، وكلما دعا الحال، من التعرف مثلا على الممتلكات المصادرة وتنفيذ الإجراءات الاحترازية المؤقتة كالحجز والضبط ومنع السفر ومراقبة التحويلات المالية الدولية والعمليات المصرفية المشبوهة للسيطرة على الجريمة بنفس المستوى ومتابعتها في كل مكان وبنفس المستوى المطلوب ... وكل هذا العمل يتحقق بالتعاون الوثيق بين الدول ومجموعات العمل المشتركة ومنها مجموعة “مينا فاتف” الخاصة بمنطقتنا... وبعد انتهاء العمل، وإذا دعي الأمر، فان توصيات “فاتف” تقضي بإحالة الأمر للسلطات الدولية المختصة مثل الإنتربول وغيرها لتحقيق التعاون في تنفيذ أوامر المصادرة أو تبادل المجرمين وذلك عبر الاتفاقيات الجماعية أو الثنائية مع العمل على تنفيذ كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات.

ما تقدم يبين لنا أن توصيات “فاتف” والتي تبنتها مجموعة عمل “مينا فاتف” أدركت من الوهلة الأولى ضرورة التعاون بين الجميع لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لأن لا أحد يستطيع أن يعمل بمفرده. ولا بد من الإشادة بتوصيات مجموعة العمل المالي الدولي “فاتف” التي وضعت مسارا صحيحا انتهجته معظم، إن لم نقل كل، دول العالم ولقد شكلت هذه التوصيات نبراسا وسراجا اهتدى به الجميع عند وضع التشريعات المحلية لتنظيم الإطار القانوني السليم. ومن الناحية الثانية العمل في نفس الوقت في تعاون إقليمي ودولي كأوركسترا يشارك فيها الجميع بنغم واحد للوقوف كوحدة واحدة في وجه الإجرام الخبيث المتمثل في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وما ينجم عنهما.

ومن تجربتنا المتواضعة، نقول وبكل ثقة أن أعمال “فاتف” ومن بعدها “مينا فاتف” أثرت الجهود في مكافحة هذه الجرائم والحد منها على مستوى العالم ومنطقة “مينا”. ولقد قادت الأعمال إلى تحقيق نتائج مبهرة حيث يمكننا القول بأن الوضع “تحت السيطرة”، ولكن هذا ليس آخر المطاف بل يجب السير بحزم في هذا الطريق ليتم الاستئصال الكامل لهذه الجرائم الخطيرة التي تنبت في كل يوم ويجب أن يكون هذا هو الهدف الذي نعمل لتحقيقه مهما واجهنا من صعوبات قد تكون أخطر من الجريمة نفسها. ونقطة هامة، لا بد من الإشادة بمجهودات هذه المجموعات وكذلك البنوك المركزية والتجارية خاصة دوائر مكافحة غسل الأموال ومتابعة وتنفيذ الالتزام بالقانون... حيث يقوم الجميع بأعمال مضنية في تجرد ونكران ذات من أجل الالتزام بتنفيذ القانون لسد كل المنافذ ولملاحقة وردع الإجرام ... ونقول ما زال الطريق طويلا ومليئا بالأشواك، وهذا يتطلب العمل الجاد مع اليقظة التامة.

Email: [email protected]