Untitled-2
Untitled-2
مرايا

جريس هوبر.. أم أجهزة «الكمبيوتر»

13 سبتمبر 2017
13 سبتمبر 2017

اعداد - مروه حسن

«إنجاز» هو محاولة لتسليط الضوء على إيجابيات في حياتنا قد تكون أنت صانعها أو أنتِ أو شخص قرأت عنه أو سمعت عنه في محيطك، فلا تستهن بالأمر، وتقول ليس بحياتي شيء يذكر، فقد يكون إقلاعك عن التدخين إنجازا، وقد يكون نجاحكِ في تحمل مسؤولية أبنائك بمفردك إنجازا، فحياتنا مليئة بالكثير والكثير، ولكننا نادرا ما ننظر لذلك النور الذي يشع منها، بل إننا كثيرا ما نركز على تلك البقعة المظلمة فيها. الخلاصة أننا في هذا الباب لن نتحدث عن سلبيات أوعن أخطاء، وإن عرضناها ستكون حتما بداية لنجاح وإنجاز لصاحبها ودليلا لمن سيقرأها معنا، وتكون نورًا وبابًا جديدًا للأمل، لذلك اسمحوا لي أن نتعمق سويًا في نجاحاتنا، وتأكدوا أنها مهما كانت بسيطة في نظرنا فإنها قد تكون إنجازًا عند غيرنا، وقد تكون شعاع الأمل للكثير منا. ففي هذا الباب سنعرض إنجازات لمشاهير قد نكون سمعنا عنهم مع عدم إغفال محاولاتهم وإصرارهم على تحقيق النجاح، ولن نقصر الأمر علينا كمسلمين أو عرب، بل سنفتح الباب على مصراعيه ليسع الجميع، لذا سنعرض أحيانا إنجازات لغير العرب ولغير المسلمين، كما سنعرض أيضا تجارب شخصية لأفراد بيننا، قد تكون أنت أو أنتِ أعزائي القراء بطلا لأحدها. لذا أتمنى أن تتواصلوا معي بإنجازاتكم سواء الشخصية لكم أو لمن يحيطون بكم أو حتى التي قرأتم عنها، وليس الأمر مقصورًا على عالمنا العربي ولكنه مفتوح على العالم أجمع، فقط ابحث وستجد حتما ولا تستهن بالأمر أبدا، فعمل بسيط تغلبت عليه أنت هو حتما إنجاز ونقطة أمل لغيرك، وكونوا أبطالاً في مقالاتنا القادمة في «إنجاز».

واليوم دعونا نبدأ بسرد قصة جديدة من قصص الإنجازات التي نرصدها في عالمنا الماضي والمعاصر، لذا تابعوا معنا السطور القادمة..

[email protected]

هناك العديد ممن يقرأ هذا المقال كان يعتقد أن اختراع الحاسوب واستخدام لغة البرمجة كلها كانت بيد الرجال، والقليل من يعرف أن أول مترجم أوامر لتحويل لغة البرمجة إلى لغة يقرأها الحاسب كانت صاحبتها امرأة، هي جريس هوبر العالمة الأمريكية، وإحدى رائدات علوم الحاسب الآلي والتي مهدت الطريق لابتكار لغة “كوبول”، وساهمت في تطوير لغات البرمجة، وطرق معالجة البيانات الحديثة، ووسعت مجالات استخدام الحاسب الآلي.

ولدت جريس بروستر موراي، في نيويورك، في العام 1906، ومنذ طفولتها كانت مولعة بتفكيك الأشياء وإعادة تركيبها، خصوصًا ساعات التنبيه، لمعرفة كيف تعمل هذه الأشياء العجيبة.

وحصلت بروستر على بكالوريوس الرياضيات والفيزياء، في العام 1928، من كلية “فاسار”، وبعد عامين حصلت على ماجستير الرياضيات من جامعة “ييل”، ثم تزوجت من فينسنت فوستر هوبر، وفي العام 1934، حصلت من ذات الجامعة على دكتوراه الفلسفة في الرياضيات، وكان حصول امرأة على دكتوراه في الرياضيات وقتها إنجازًا نادرًا.

بدأت جريس مسيرتها المهنية بالتدريس في كلية “فاسار”، حتى شغلت وظيفة أستاذ مشارك، وعندما احتدمت الحرب العالمية الثانية، تطوعت للعمل في خدمات الطوارئ في البحرية الأمريكية، لتلتحق بمختبر حسابات الهندسة والفيزياء التطبيقية بجامعة هارفارد، والتابع لإدارة حسابات الذخائر بالبحرية الأمريكية.

وعندما ذهبت إلى المختبر، أثار الحاسب الآلي فضولها، وذكرها بهوايتها القديمة في تفكيك المنبهات، وبروح المثابرة التي كان تميزها، عملت بجد وحماس، ليتم ترقيتها بعد عام إلى رتبة ملازم أول، وكلفت ببرمجة النسخة الأولى من “كومبيوتر مارك” وهو أول جهاز كمبيوتر تجاري في العالم.

وعندما عثروا على خطأ برمجي bug، كانت تعوق عمل جهاز مارك الثاني بكفاءة، وتمت إزالة الخطأ من الجهاز، وعاد الجهاز للعمل بكفاءة، اقترحت “جريس” عملية التنقيح البرمجي debugging، ووسعت مفهومها لتصبح عملية متكاملة لإعادة تصحيح الأوامر، وفى النهاية، نجحت في برمجة ثلاثة أجيال من كومبيوتر مارك، وقدمت تطبيقات رائدة لإدارة الذخائر البحرية.

كيف يمكن للجمهور أن يستخدم الحاسب الآلي “الكمبيوتر”؟ سؤال سألته جريس لنفسها، ووجدت الإجابة في توافر الأجهزة، والبرمجة الممكنة، والتطبيقات المتوافقة، ومن أجل تحقيق ذلك، خاطرت بمستقبلها المهني، وانتقلت للعمل في القطاع الخاص في العام 1949، وذلك طبقا للمعلومات التي ورد أغلبها بموقع “دوت مصر”.

وأضاف الموقع أنها كانت تعتقد أن اقتصار استخدامات الحاسب الآلي على الأغراض العلمية يُعزى أساسًا إلى نقص أعداد المبرمجين، وصعوبة استخدامه من قِبل غير المتخصصين، لذلك راهنت على أن تطوير لغات برمجة يفهمها غير المتخصصين، سوف يفتح آفاقًا جديدة، وتوقعت أن يصير حجم الأجهزة أصغر يومًا ما، حيث يمكن وضعها فوق المكتب، واستغرق الأمر عدة سنوات ليتضح أنها كانت على صواب.

أشرفت جريس على برمجة الكمبيوتر يونيفاك الأول (UNIVAC-1)، الذي كان أول كومبيوتر رقمي إلكتروني، ومن أجل تسهيل مهمة المبرمجين، شجعتهم على تجميع وتبادل ومشاركة أجزاء من البرامج، وعلى الرغم من أن هذه البرامج المشتركة كانت تنسخ بخط اليد، إلا أنها ساعدت في توفير الوقت والجهد، وقللت الأخطاء إلى حدها الأدنى. وبعد فترة قصيرة من العمل الجماعي المنظم تحت قيادتها، تم تحويل هذه البرامج إلى شفرة ثنائية قابلة للتنفيذ بواسطة الكمبيوتر، ووسعوا هذا التحسين للشفرة الثنائية، لتتمكن من ابتكار أول مترجم أوامر (compiler) للغات الكمبيوتر، في العام 1952.

كان المترجم (compiler: A-O)، برنامجًا لترجمة العلامات والرموز والإشارات الرياضية إلى لغة الماكينة، وهي شفرة ثنائية يمكن أن يقرأها الكمبيوتر، بعدها طورت مترجمًا جديدًا من نوع (compiler: B-O)، سمي فيما بعد بـ”فلو-ماتيك” FLOW-MATIC))، وقد صمم هذا البرنامج من أجل تنفيذ عمليات مثل حساب الرواتب ودفع الفواتير.

ومهد اختراع المترجم “فلو-ماتيك” (FLOW-MATIC) لابتكار لغة الأعمال المشتركة الموجهة (Common Business Oriented Language)، والتي عرفت اختصارًا باسم “كوبول”، وعلى الرغم من أنها لم تخترعها، إلا أنها شاركت في الاجتماعات الأولى لصياغة مواصفاتها، وكانت مستشارًا فنيًا للجنتها التنفيذية، وفي العام 1959، ظهرت لغة “كوبول” للوجود متأثرة في تصميمها بالمترجم “فلو-ماتيك” (FLOW-MATIC)، لدرجة يمكن القول معها أنه لولاه ما كان لهذه اللغة أن توجد.

بعد تقاعد جريس بسبعة أشهر، عادت للعمل في البحرية كقائد لمشروع “أتمة البيانات البحرية”، وظلت تعمل حتى تقاعدت نهائيًا في عمر 79 عامًا، برتبة لواء، وفي العام 1986، ساعدت في تطوير وتنقيح لغة “كوبول” وتكييفها للاستخدام على نطاق واسع في الأعمال التجارية والاقتصادية، كما أقنعت البحرية الأمريكية بضرورة استخدامها.

حصلت جريس على عدد من الجوائز وشهادات التقدير، ففي العام 1960، حصلت على أول جائزة كـ”رجل العام”، من جمعية إدارة معالجة البيانات، وفي العام 1971، خصصت “شركة سبيرى” ورابطة أجهزة الحاسبات الأمريكية جائزة باسمها، تمنح سنويًا لمن يقدمون مساهمات بارزة في علوم وتكنولوجيا الكمبيوتر، وفي العام 1973، كانت أول أمريكي، وأول امرأة في العالم، تنتخب زميلًا متميزًا لجمعية الحاسبات البريطانية، وفي العام 1991، منحت الميدالية الوطنية للتكنولوجيا، وكانت أول امرأة تحصل، دون شريك، على تلك الميدالية المرموقة. رحلت جريس هوبر، في أول يوم من العام 1992، عن عمر ناهز 85 عامًا، وخسرت النساء والعالم مصدرًا من مصادر الإلهام،وأطلق عليها الناس في ذلك الوقت لقب “أم الكومبيوتر”، وحقا فهي تستحق هذا اللقب فهي امرأة عشقت التفاني في العمل ووضعت بصمة لا يمكن أن يغفلها أحد في عالمنا المعاصر.