1106397
1106397
المنوعات

تحليل أسلوبي في قصيدة «أخي» لميخائيل نعيمة..

11 سبتمبر 2017
11 سبتمبر 2017

كتبته: خلود الفزارية -

قصيدة «أخي» للشاعر ميخائيل نعيمة من ديوان «همس الجفون» تحكي الوضع العربي بعد الحرب العالمية التي شارك فيها الجنود العرب ولا ناقة لهم فيها ولا قتب، إلا أن المتوقف على أعتابها يلمس أن القصيدة تاريخية تخاطب كل عصر بما فيه عصرنا الحالي وما ألم به من شتات وفتن.

يخاطب الشاعر فيها أخاه العربي في قصيدة اختار لها بحر الهزج تتكون من خمس فقرات. قسمها إلى خمس حالات عاشها العربي بعد الحرب. وتتناول قصيدته العار الذي حل بالعربي بعد مشاركته في حرب تكبد من خلالها الخسائر ولم يقدر له الغرب صنيعه.

أخي ! إنْ ضَجَّ بعدَ الحربِ غَرْبِيٌّ بأعمالِهْ

وقَدَّسَ ذِكْرَ مَنْ ماتوا وعَظَّمَ بَطْشَ أبطالِهْ

فلا تهزجْ لمن سادوا ولا تشمتْ بِمَنْ دَانَا

بل اركعْ صامتاً مثلي بقلبٍ خاشِعٍ دامٍ

لنبكي حَظَّ موتانا

ينادي الشاعر أخاه العربي بقوله أخي.. حذف فيها أداة النداء، وبدأ بأسلوب شرط : إن ضج بعد الحرب غربي بأعماله .. وقدس ذكر من ماتوا وعظم بطش أبطاله، وجواب الشرط : فلا تهزج لمن سادوا ولا تشمت بمن دانا، ويجد له الحل المناسب وهو: بل اركع صامتا مثلي بقلب خاشع دامٍ، ليخبره السبب: لنبكي حظ موتانا.

نلاحظ أن الشاعر استخدم مفردات متقاربة ففي الأفعال نجد: ضج، قدس، عظم، لا تهزج، سادوا، لا تشمت، دانا، اركع، لنبكي، ونلاحظ أن الأفعال نوعين وهي تدل على الفرح بالانتصار والجلبة التي افتعلها الغربي بعد نهاية الحرب، وتقابلها أفعال تدل على الخنوع والحسرة في الركوع أو البكاء. أما الأسماء: أخي، الحرب، غربي، أعمال، ذكر، بطش، أبطال، صامتا، قلب، خاشع، دام، حظ، موتانا، يخاطب الشاعر أخاه، ويذكر له مفردات دالة على الحرب والغرب والبطش وهي التي قامت بالحرب، والمفردات الأخرى تدل على حالة العرب وما حصلوا عليه بعد الحرب من مذلة من خلال الصمت، والخشوع، وذكر الموتى. وفي الأصوات: الأحرف المستخدمة في الأسماء والأفعال معظمها يدل على الشدة لتتناسب مع الحرب، أو الحسرة كما في القافية التي اختارها في الهاء الساكنة أو نا..

أما جماليات المقطع الأول فهي المقابلة في بيتي: فلا تهزج لمن سادوا ولا تشمت بمن دانا، وهو في هذا البيت يطالب أخاه بأن ينتبه لأنه هو الخاسر فلا ينبغي له أن يفرح بسبب الخسائر التي حلت به بموت أصحابه ولا أن يشمت بمن خسر الحرب لأن الشماتة لن تعود له بشيء.

أخي ! إنْ عادَ بعدَ الحربِ جُنديٌّ لأوطانِهْ

وألقى جسمَهُ المنهوكَ في أحضانِ خِلاّنِهْ

فلا تطلبْ إذا ما عُدْتَ للأوطانِ خلاّنَا

لأنَّ الجوعَ لم يتركْ لنا صَحْبَاً نناجيهم

سوى أشْبَاح مَوْتَانا

يعود الشاعر مجددا لينادي أخاه في الفقرة الثاني..أخي، ويعود لأسلوب الشرط: إن عاد بعد الحرب جندي لأوطانه، وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلانه، وجواب الشرط: فلا تطلب إذا ما عدت للأوطان خلانا، والسبب: لأن الجوع لم يترك لنا صحبا نناجيهم سوى أشباح. موتانا. ويستخدم مفردات: عاد، ألقى، لا تطلب، يترك، نناجيهم في الأفعال التي تدل هنا على الانتهاء من الحرب، وكرر بعض الأفعال عاد، عدت، والأسماء: الحرب، جندي، أوطان، جسم، المنهوك، أحضان، خلان، الجوع، صحب، أشباح، موتانا، وتدل المفردات المستخدمة على حال الجنود بعد انتهاء الحرب كعودتهم للأوطان، والإنهاك بعد الحرب، ولقيا الأحبة، أما الأصوات: يعود الشاعر في الفقرة الثانية من القصيدة ليجدد الألم والحسرة باستخدام قافية الهاء الساكنة، ونا. واستعار الشعار تعبير: ألقى جسمه المنهوك في أحضان خلانه.. كناية عن الراحة، والجوع لم يترك لنا صحبا نناجيهم: استعارة شبه الجوع بالشخص الذي له سلطة على العربي ليمنعه من أصحابه، وكرر الشاعر في الأسلوب (عاد جندي لأوطانه، ولا تطلب إذا ما عدت للأوطان..) ليقارن بين حال عودة الجندي الغربي والجندي العربي.

أخي ! إنْ عادَ يحرث أرضَهُ الفَلاّحُ أو يزرَعْ

ويبني بعدَ طُولِ الهَجْرِ كُوخَاً هَدَّهُ المِدْفَعْ

فقد جَفَّتْ سَوَاقِينا وَهَدَّ الذّلُّ مَأْوَانا

ولم يتركْ لنا الأعداءُ غَرْسَاً في أراضِينا

سوى أجْيَاف مَوْتَانا

يعود الشاعر مرة ثالثة في فقرة جديدة لينادي أخاه بأسلوب الشرط: أخي.. إن عاد يحرث أرضه الفلاح أو يزرع، ويبني بعد طول الهجر كوخا هده المدفع، وجواب الشرط: فقد جفت سواقينا وهد الذل مأوانا، ولم يترك لنا الأعداء غرسا في أراضينا سوى أجياف موتانا، واستعمال مفردات: عاد، يحرث، يزرع، يبني، جفت، هد، لم يترك، حيث جاءت الأفعال في هذه الفقرة لتدلل على أن العربي يحاول أن يرمم نفسه ليعود ويحرث ويبني، بسبب الجفافا والأجياف التي خلفتها الحرب، وأرض، الفلاح، طول الهجر، كوخا، المدفع، سواقينا، الذل، مأوانا، الأعداء، غرس، أجياف، موتانا، والمفردات هنا تدل على بدائية العربي الذي يملك أرضا بها كوخ ولا غرس فيها ما عدا السواقي الجافة، أما الأصوات: العين الساكنة في الروي تدل على التوجع، ونا تدل على الحسرة. وفي البيت الأول أخر الفاعل وقدم المفعول به (يحرث أرضه الفلاح)، (يزرع) الفاعل محذوف يعود للفلاح، والبيت الثاني: (يبني بعد طول الهجر كوخا..) الفاعل محذوف يعود للفلاح واعترضت الجملة - بعد طول الهجر - كناية عن إهمال الأرض ونسيان الذات. لم يترك لنا الأعداء.. قدم شبه الجملة على الفاعل، وربما تكمن الجمالية في تأخير الفاعل لتزيد من شدة التأثير فضلا عن الضرورة الشعرية لتستمر التفعيلة مفاعيلن – مفاعيلن

أخي ! قد تَمَّ ما لو لم نَشَأْهُ نَحْنُ مَا تَمَّا

وقد عَمَّ البلاءُ ولو أَرَدْنَا نَحْنُ مَا عَمَّا

فلا تندبْ فأُذْن الغير ِ لا تُصْغِي لِشَكْوَانَا

بل اتبعني لنحفر خندقاً بالرفْشِ والمِعْوَل

نواري فيه مَوْتَانَا

في الفقرة الرابعة يخبره نعيمة أخاه العربية بأنه حصد عمل يديه الذي جلب البلاء بإرادته، لذلك لا يحق له أن يندب فلن يجد من يسنده، ويحثه على حمل المعول ليحفر قبر أخيه، واستخدم الشاعر: تم، نشأه، عم، أردنا، لا تندب، لا تصغي، اتبعني، نحفر، نواري، تدل على انتشار البلاء وتدل على الإرادية في جلب هذا البلاء، لا تندب، لا تصغي تدل على خنوع حال العربي، وألفاظ: البلاء، أذن، شكوانا، خندقا، الرفش، المعول، موتانا، نتيجة مسايرة العربي للغرب كانت البلاء والشكوى والمذلة واليأس جميعها يشعر بها العربي من خلال المفردات التي اختارها الشاعر، الرفش والمعول أدوات بدائية يستعملها العربي ليحفر الخندق ليضم جثث القتلى الكثيرة التي لا تسعها القبور، كما استخدم الميم المشددة، واللام الساكنة، نا التوجعية أحرف الروي تشدد على الشفتين بالميم، والسكون في اللام، تجعل القارئ يشعر بالحسرة التي يقصدها الشاعر بقصيدته. وفي الجماليات استخدم الشاعر: أذن الغير لا تصغي لشكوانا، استعاض بالجزء وهو الأذن ويقصد به الغرب لا يصغون لنواح العرب ومصيبتهم، لا تندب أسلوب النهي لأن البكاء لن ينفعه.

أخي ! مَنْ نحنُ ؟ لا وَطَنٌ ولا أَهْلٌ ولا جَارُ

إذا نِمْنَا، إذا قُمْنَا رِدَانَا الخِزْيُ والعَارُ

لقد خَمَّتْ بنا الدنيا كما خَمَّتْ بِمَوْتَانَا

فهات الرّفْشَ وأتبعني لنحفر خندقاً آخَر

نُوَارِي فيه أَحَيَانَا

ويختتم الشاعر الفقرة الأخيرة باستفهامه الإنكاري مخاطبا أخاه.. من نحن؟؟ لا وطن، لا أهل، لا جار..، ويخبره بأن الخزي والعار ألم بهم، والدنيا تعفنت بالأحياء قبل الموتى ويقترح عليه أن يبنيا خندقا آخر ليدفنوا بقية العرب الأحياء، وتناول الشاعر مفردات: نمنا، قمنا، ردانا، خمت، هات، اتبعني، نحفر، نواري، فاختار الأفعال ليدلل بها عن حال العربي اليومي من نوم ويقظة، ثم يأمره بالفعل هات واتبعني، ليحفروا ويواروا، والأسماء: وطن، أهل، جار، الخزي، العار، الدنيا، موتانا، الرفش، خندق، أحيانا، وتدل على مجتمع العربي في الدنيا من الوطن والأهل والجار الذي أصبح خاويا منها، وحل محله الخزي والعار ليستحوذ عليه اليأس ويبحث عن الرفش لحفر الخندق ودفن الأحياء، وفي الأصوات: الراء المضمومة، والراء الساكنة، ونا الممدودة.. تدل على اليأس والحسرة والتوجع. واختار الشاعر الاستفهام الاستنكاري ليتساءل مع أخيه العربي عن هويتهما بعد فقد الأحباب...نمنا.. قمنا: تضاد، والاستعارة.. حيث شبه الخزي والعار بالرداء الذي يرتديه الإنسان، وخمت بنا الدنيا.. كناية عن الذل وقد شبه حال الأحياء بالجثث المتحللة التي تنبعث منها الرائحة النتنة، ونواري أحيانا.. وأصلها أحياءنا حذفت الهمزة للتسهيل، وتدل على حجم اليأس الذي حل بالشاعر ليموتوا من العار.