الملف السياسي

الأزمة الكورية .. إلى أين تمضي ؟

11 سبتمبر 2017
11 سبتمبر 2017

اميل امين -

كاتب مصري -

[email protected] -

من بين الأزمات الأخيرة الدولية تأتي أزمة كوريا الشمالية في المقدمة وقد باتت تمثل خطورة حقيقية على أمن وسلام منطقة شرق آسيا من ناحية ، وكذا أمن وسلام العالم برمته ، وقد اعتبرها البعض أنها اخطر أزمة عرفها العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبية أوائل ستينات القرن المنصرم .

عدة أسئلة جوهرية تطرح ذاتها في هذه القراءة في المقدمة منها هل يمكن ان يتطور الأمر الى مواجهة حقيقية نووية لا تبقي ولا تذر ما بين بيونج يانج وواشنطن ؟ ثم وربما هذا هو الأخطر « هل يمكن للأزمة القائمة ان تجر إليها بكين و موسكو معا ؟

المؤكد ان الصاروخ الباليستي الاخير الذي أطلقته بيونج يانج ومر بأجواء جزيرة هوكايدو في اليابان ليس الاول من نوعه ، فرحلة كوريا الشمالية مع الصواريخ بدأت منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي من خلال العمل على نموذج صاروخ «سكود بي « السوفيتي « مداه 300 كلم « ومنذ ذلك الوقت وهي تعمل جاهدة على تطوير شبكة صواريخ بعيدة المدى وصل آخرها الى 1300كلم .

ولعل السؤال المقلق للجميع « هل لدى بيونج يانج « أسلحة نووية يمكن تركيبها على متن تلك الصواريخ ؟

الشاهد ان هناك اختلافا ما في الرؤى والتقديرات ففيما بعض اجهزة الاستخبارات الامريكية تقول بان بيونج يانج لم تصل بعد الى القنبلة النووية الصغيرة ، تذهب طوكيو الجار الاكبر والمهدد الاقرب الى استنتاج ان كوريا الشمالية بات لديها قنابل نووية صغيرة وانها قابلة بالفعل لان تحملها الصواريخ ما يجعل خطرها كبير جدا .

والثابت ان التوجه الايديولوجي لنظام « كيم جونج اون « لا يواري ولا يداري عداءه للولايات المتحدة الامريكية ولكل حلفاءها في شبه القارة الآسيوية وفي المقدمة من تلك الاهداف كوريا الجنوبية ، حيث يوجد هناك قرابة 28 الف جندي امريكي هؤلاء يمكن اعتبارهم صيدا سهلا حال اندلاع مواجهة ما بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الامريكية عطفا على اليابان التي تنظر اليها على أنها الحليف الرئيسي لواشنطن في المنطقة ، واليابان هي الضلع الثالث في مثلث الرأسمالية العالمية مع أوروبا وامريكا .

لكن ماذا عن اكبر تهديد تخشى منه واشنطن ، بمعنى الخوف من ان تطال صواريخ « كيم جونج اون « هذا المكان ؟

الشاهد اننا نتحدث عن قاعدة « جوام « العسكرية الامريكية في المحيط الهادي والتي تقع على نحو 3300 كيلو متر فقط من كوريا الشمالية ، مايعني ان هناك امكانية حقيقية لأن تطالها صواريخ بيونج يانج .

الجزيرة التي نحن بصددها يطلق عليها « اكبر حاملة طائرات امريكية « راسية على الارض» ، حيث توجد بها قاعدة عسكرية جوية و أخرى بحرية وتحتفظ فيها واشنطن بنحو ستة آلاف جندي عطفا على الطائرات القاذفات الثقيلة .

والميزة الاستراتيجية لهذه الجزيرة هي انها تمثل نقطة انطلاق هامة تسمح للولايات المتحدة بالوصول السريع الى مناطق التوتر المحتملة في الكوريتين وفي مضيق تايوان ، وهذا الدور الذي أدته خلال حرب فيتنام بين عامي 1955 و 1975 حين كانت قواعدها منطلقا رئيسيا للطائرات الامريكية المتوجهه لضرب هانوي خلال الحرب .

لم يتوان او يوفر زعيم كوريا الشمالية عن تهديد تلك الجزيرة بل انه طلب من كبار عسكرييه بالفعل تجهيز الخطط اللازمة لمهاجمتها ناهيك عن ان الشكوك الآن باتت تذهب جهة القول بأن صواريخ بيونج يانج قد يطال بعضها الساحل الغربي للولايات المتحدة الامريكية ، وانه حال حملت تلك الصواريخ روؤسا نووية ستكون الخسائر فادحة في الارواح والممتلكات على حد سواء .

مؤخرا حذر وزير الخارجية الفرنسي « وهو عينه وزير الدفاع في الحكومة الفرنسية السابقة « من ان صواريخ كوريا الشمالية قد تطال الدول الاوروبية ايضا ، طالما انها ستطال امريكا ، معتبرا الوضع خطيرا بالفعل وتساءل « هل علينا ان نخاف من كوريا الشمالية ؟ واجاب الرجل بالقول : نعم فإن الوضع خطير جدا ولهذا ينبغي استباق الامور ... كيف ؟

يرى « لودريان « انه لابد من العودة الى المفاوضات بشكل سريع ، لكن هل نظام « بيونج يانج « راغب في أي من مفاوضات جديدة ؟ الشاهد ان المتابعة والتحليل تفيد ان كوريا الشمالية تضع شروطا عسيرة في مواجهة المجتمع الغربي ، في المقدمة منها رفع العقوبات المفروضة عليها منذ وقت طويل رفعا شاملا كاملا مرة واحدة ثم انهاء حالة الحرب المفروضة عليها منذ خمسينات القرن الماضي ، ثم سحب الجنود الامريكيين من كوريا الجنوبية ، فيما الاخطر والاكثر اثارة لغضب الدوائر الغربية يتصل بالحفاظ على البرنامج النووي وعدم الاقتراب منه ، وهي شروط تكاد تكون تعجيزية ولا يمكن القبول بها من طرف أي من القوى الغربية .

هل يعني ذلك ان المواجهة المسلحة هي الطريق الوحيد المتبقي للطرفين ؟ في بداية الازمة الاخيرة تحدث الرئيس الامريكي « دونالد ترامب « بالقول ان الغضب والنار سيكونان من نصيب نظام بيونج يانج ان لم ترتدع وتعود عن برنامجها النووي والصاروخي ، وقد اعتبر كثيرون حول العالم ، ان تهديدات ترامب لا تعني الا شيئا واحدا ، وهو استخدام السلاح النووي ولو بشكل رؤوس تكتيكية صغيرة في مواجهة الدولة التي تعتبرها مارقة .

والثابت انه فيما بعد اطلاق كوريا الشمالية صاروخها الاخير في الأجواء اليابانية كتب الرئيس ترامب تغريدة مثيرة للقلق قال فيها « الحوار لا يجدي مع كوريا الشمالية «.

ورغم ان وزير خارجيته ريكس تيلرسون سارع الى نفي مثل هذا التوجه بالقول ان باب المفاوضات لم يغلق بعد ، الا ان كثيرين اعتبروا تغريدة ترامب بمثابة اظهار للنوايا الامريكية، وقبله اشار احد الجنرالات من خارج الخدمة الى ان واشنطن يمكنها ان تزيل كوريا الشمالية بأكملها من على الخريطة خلال خمس عشرة دقيقة .

لكن السؤال الذي لم يجب عليه احد من الجانب الامريكي هل سيقف نظام كوريا الشمالية مكتوف الايدي امام مثل هذا الهجوم ام انه ربما سيلجأ الى مايعرف في استراتيجيات المقاومة بالخيار شمشمون اي هدم المعبد على رأس اعدائه وعلى نفسه حال تم التضييق عليه واضحت امكانيات النجاة معادلة لفرص الموت ؟

الجواب هذه المرة جاء على لسان الخبير العسكري المعروف « ايغور كورو تشنكو « رئيس تحرير مجلة « الدفاع الوطني « الروسية وعنده ان اندلاع الحرب المحتملة ربما يجعل من آسيا كتلة مشتعلة بالنيران واول الخاسرين ولاشك سوف تكون كوريا الجنوبية بما فيها من جنود امريكيين فمن شأن مثل هذه الحرب ان تدفع لتدمير «سيول « عاصمة كوريا الجنوبية بالكامل ما يعني سقوط عشرات الالاف من القتلى هناك مرة واحدة ، وبالطبع لن توفر كوريا الشمالية القواعد العسكرية الامريكية في اليابان ، وستعمد الى إلحاق اكبر الاضرار بجزيرة « جوام « الامر الذي يشيء بان استخدام الاسلحة النووية هناك سوف يكون امرا يسيرا بصورة كارثية .

هل الضربة النووية حتمية لا غنى هنا ؟

بحسب مسؤول متقاعد في وزارة الدفاع الامريكية لمجلة «ذا ناشيونال انتريست « الامريكية فإن واشنطن « لن تحتاج بالضرورة الى اللجوء لضربة نووية « ويضيف: « لدينا قدرات وامكانيات مناسبة لتعطيل العديد من التهديدات التي تهمنا ... ولن يكون ذلك سهلا بالطبع «.

لكن ماذا لو فعلها « كيم جونج اون « وقصف أي من الاهداف الامريكية المجاورة بقنبلة يشك انها نووية حتى وان كانت بدائية ؟

بالقطع سيكون الرد الامريكي نوويا لكن عبر أي طريق ... هل ستطلق واشنطن صواريخ نووية من غواصاتها في المحيط الهادي مثلا ؟

هناك تحذيرات جدية من هذا السيناريو لانه قد يفسر من قبل الصين وروسيا على انه ضدهم وعليه فأغلب الظن ان من سيقوم بتلك المهمة هي قاذفات من نوع يطلق عليه « نور ثروب بي سبيرت « وهي طائرة حربية لا توجد الا عند سلاح الجو الامريكي فقط وقد صممت كقاذفة صواريخ نووية من المحتمل انها سوف تتحمل العبء .

لكن الحديث عن السيناريو النووي ليس حديثا سهلا او مريحا لانه سيأخذ في عين الاعتبار الاوضاع المتأزمة بين بكين وموسكو من جهة وواشنطن من جهة ثانية ، فالاولى لديها من الصدامات مع الامريكيين الكثير وبنوع خاص في بحر الصين الجنوبي كما انها مهتمة بعالم التجارة مع امريكا التي تعد السوق الاكبر لترويج منتجاتها وموسكو المقبلة على انتخابات رئاسية جديدة العام القادم لا تريد ما يعكر صفو حياتها ولهذا فإن احدا ما لا يفضل اشتعال حرب نووية على مقربة منه على هذا النحو ، لكن هذا ايضا لا يعني انه لن تكون هناك ردات افعال ، فالدولتان القطبيتان روسيا والصين لن تقبلا ابدا بهيروشيما جديدة على اراضي القارة الآسيوية .

هل الاشكالية الكورية الشمالية هي ازمة اسلحة ام ازمة ثقة ؟

يذهب البعض الى ان ثقة الدول حول العالم في ايمان واشنطن بالعدالة والسلام والعيش الامن تتراجع وان بعض الدول التي قامت واشنطن بغزوها لو كانت تمتلك اسلحة صاروخية او نووية لما اقدمت واشنطن على الاقتراب منها ولهذا فإنها تحمي نفسها بامتلاك تلك الاسلحة كما تفعل كوريا الشمالية .

في هذا السياق تكون الحاجة الى رؤية وواقع سياسي جديد اهم من طروحات المواجهه العسكرية والقول بأن ازمة كوريا الشمالية معقدة ومتعددة الابعاد هو قول صائب فالمسألة ليست عسكرية بالمطلق واغلب الظن ان القيادة السياسية لكوريا الشمالية انما هي تقوم بتصعيد عسكري للوصول الى حلول دبلوماسية وسياسية طويلة الامد ، وعليه فان الامر يحتاج الى تضافر جهود واشنطن وموسكو وبكين وسيدني وبقية اطراف المجتمع الدولي مثل بروكسل من اجل التوصل الى حل سياسي .

الازمة جد خطيرة وكفيلة بتغيير ابعاد المشهد الآسيوي وهذا معناه اشتعال المشهد في آسيا باكبر قدر ممكن وتهديد الامن والسلم العالميين ... فهل من عقلاء لإنهاء الأزمة ؟