1105518
1105518
الاقتصادية

تداعيات الأزمات النفطية

10 سبتمبر 2017
10 سبتمبر 2017

تقرير- شمسة الريامية -

لعبت العائدات النفطية في الدول الخليجية دورا مهما في التنمية الاقتصادية والبشرية، فضلا عن إسهامها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في الدول العربية غير المنتجة للنفط وذلك من خلال المساعدات الخارجية التي كانت تقدمها الدول المصدرة للنفط لتلك الدول.

وبالرغم من أن تصدير النفط بدأ في بعض الدول العربية في عشرينات القرن الماضي كالعراق، وفي الثلاثينات كالمملكة العربية السعودية، إلا أن العائدات النفطية ارتبطت باقتصادات الدول العربية والخليجية في عام 1952، إذ قامت باقتسام الأرباح مع الشركات النفطية الكبيرة، ونتج عنه تطورات كبيرة في قطاع النفط في الدول العربية التي كانت من بينها إنشاء شركات نفطية وطنية.

ويٌعد 1973 عاما انتقاليا واستثنائيا في الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط، إذ ارتفع سعر النفط من 3 دولارات للبرميل إلى 34 دولارا؛ وذلك نتيجة جهود منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” في تصحيح الأسعار، ومواجهة الشركات العالمية الكبيرة المسيطرة على النفط وخاصة الغربية منها، والتي ظلت تستنزفه لسنوات بأسعار رخيصة.

ومنذ ذلك العام، بدأت الدول العربية تعتمد على العائدات النفطية في موازناتها السنوية، إذ بلغ الاعتماد عليها بنسبة تتراوح بين70-90% من إجمالي الإيرادات العامة، كما زاد الإنفاق على التنمية بكافة جوانبها ومن أهمها التعليم، والصحة، والطرق، والشبكات الكهربائية، والقطاع المصرفي وغيرها. فضلا عن تحقيق التنمية البشرية التي تقوم على ثلاثة مرتكزات وهي التعليم، والصحة، والدخل، حيث حققت كل من قطر، والبحرين، والإمارات، والكويت تنمية بشرية مرتفعة تتراوح بين (0,844 - 0,849)، بينما حققت سلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية تنمية بشرية بدرجة متوسطة تتراوح بين (0,512- 0,799).

وساهمت العائدات النفطية في عقد السبعينات إلى ارتفاع النمو الإجمالي في الدول العربية بنسبة (10%)، إضافة إلى ارتفاع الدخل الحقيقي للفرد من ( 2000) دولار في منتصف العقد إلى (2800) دولار بنهايته. أما الدول العربية الأعضاء في أوبك، فقد ارتفع متوسط دخل الفرد فيها من (2600) دولار إلى (3700) دولار، بينما بلغ المتوسط في الدول العربية الأخرى (600 دولار).

وقد نالت الدول العربية غير النفطية نصيبا من الرخاء الاقتصادي، وذلك عن طريق تحويلات العاملين في الدول النفطية، إذ قدرت تلك التحويلات في الفترة بين 2000 و2012 حوالي (361,2) مليار دولار، أي بمتوسط سنوي يقدر بـ (27,8) مليار دولار. فضلا عن المساعدات التي كانت تتلقاها الدول العربية غير المنتجة من الدول النفطية، إذ وصلت قيمة تلك المساعدات إلى (31.9) مليار دولار في نهاية عقد السبعينيات، وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط في الثمانينات فإن المساعدات العربية حافظت على مستواها المرتفع، إذ بلغت (32.7) مليار دولار.

الثقل السياسي

ولم يقتصر دور العائدات النفطية على تحقيق التنمية في الدول العربية المنتجة للنفط، وإنما ساهمت أيضا في توحيد أيادي تلك الدول نحو التعاون في مجالات عدة، وتكوين ثقل سياسي لها.

ويمكن القول إن النفط يؤدي دورا مزدوجا في التنمية، فتوفره يساعد على التوسع في الأنشطة الاقتصادية المختلفة وخاصة الصناعية منها، ويسهم التوسع في تلك الأنشطة في زيادة الطلب على خدمات الطاقة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة العائدات النفطية التي تعد عصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة الدول العربية سواء تلك المنتجة للنفط أو غير المنتجة له.

وقد ظلت الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط تعيش في رخاء، وتصرف على جوانب التنمية المختلفة نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ولكن ذلك الوضع لم يستمر طويلا، إذ بدأت الأسعار تنخفض من بداية الثمانينات، حتى انهارت بشكل فعلي عام 1986 وذلك بسبب “ الفائض النفطي”، حيث قامت بعض دول منظمة أوبك بزيادة إنتاجها دون التقيّد بالحصص المحددة لها، إضافة إلى إقدام الدول المنتجة للنفط من خارج المنظمة على زيادة إنتاجها وطرح الفائض منه في السوق الدولية، فضلا عن إتباع الدول الصناعية الكبرى سياسة التخزين، وترشيد استهلاك الطاقة، واللجوء إلى إيجاد مصادر جديدة للطاقة، مثل الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.

وفي بداية عقد التسعينات تراجعت أيضا أسعار النفط من (22,3) دولار للبرميل الواحد في عام 1990 إلى (18,6) دولار في عام 1991م، وذلك بسبب الحرب العراقية الكويتية أو ما يعرف بحرب الخليج الثانية، فقد ساهمت هذه الحرب في انخفاض الإمدادات النفطية من الكويت والعراق، إذ دُمرت المنشآت النفطية الكويتية، وفٌرض حصار اقتصادي على العراق. وتكرر سيناريو هذا الانخفاض في نهاية العقد نفسه، وبالتحديد عام 1998، وذلك نتيجة الأزمة الاقتصادية التي ضربت جنوب شرق آسيا، فقد أدت تلك الأزمة إلى انخفاض الطلب على النفط ،وانخفاض أسعاره إلى (11) دولارا، ثم إلى (9,5) دولار في الأشهر الأولى من عام 1999م. وقد تأثرت دول الخليج بالأزمة الآسيوية باعتبار أن دول جنوب شرق آسيا من الدول الرئيسة المستوردة للنفط الخليجي، الأمر الذي أدى إلى أزمة مالية واقتصادية فيها بسبب انخفاض أسعار النفط التي تعتمد عليه بشكل أساسي في إيراداتها.

وخلال الفترة بين عامي 1999 و2010 لم تسجل أسعار النفط أي انخفاض سوى في عامي 2001 و2009. إذ تراجعت أسعار النفط بشكل طفيف في عام 2001 تراوحت النسبة بين 13- 19 % ، وذلك نتيجة زيادة دول أوبك حصصها الإنتاجية في عام 2000م والتي بلغت ( 3,7 ) مليون برميل يوميا، مما أدى إلى حدوث فائض في المخزون التجاري النفطي لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. بينما تراجعت الأسعار في عام 2009 نتيجة حدوث الأزمة المالية العالمية التي عصفت بكافة الاقتصادات، إذ بلغت نسبة الانخفاض في الأسعار ما بين (33-37%) مقارنة بعام 2008، ولكن هذا الانخفاض لم يدم طويلا، إذ عادت أسعار النفط بالارتفاع مجددا في بداية 2010 واستمرت هكذا حتى الربع الأخير من 2014 ، إذ انخفضت بشكل حاد جدا، وبنسبة تقدر ب50%، وتعود أسباب هذه الأزمة التي عانت منها الدول العربية المصدرة للنفط إلى عوامل عديدة، منها: وجود فائض نفطي لبعض الدول كإيران التي أصبحت تنتج أربعة ملايين برميل يوميا بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، كذلك من تلك العوامل ارتفاع قيمة الدولار، وتمسك دول منظمة أوبك بحصصها في السوق على حساب الأسعار، وتباطؤ النمو الاقتصادي في بعض الدول الناشئة.

وقد خلفت الانخفاضات الحادة في أسعار النفط أو ما يطلق عليه بالأزمات النفطية آثارا عديدة منها تراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المصدرة للنفط بنسبة 2,3% في الثمانينات. فضلا عن انخفاض العوائد النفطية إلى 43,4 مليار في 1986 مقارنة ب6,6 مليار في 1984، الأمر الذي دفعها إلى الاستدانة من الخارج، إذ تقدر قيمة الديون العربية في الثمانينات ب200 مليار دولار. أما في عام 1998 فقد أدت الأزمة إلى عجز في الموازنات السنوية بحوالي 32,8 مليار دولار لدول الخليج الست جميعها.

ويمكن القول إن تراجع العائدات النفطية للدول المنتجة والمصدرة للنفط تؤدي إلى حدوث العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية أهمها توقف عملية التنمية، وتراجع في التحويلات المالية الخارجية، وانخفاض في السيولة النقدية الدولية، وتقلص المساعدات المالية التي تمنحها الدول النفطية للدول الأخرى، فضلا عن انخفاض نسبة العمالة المهاجرة من الدول غير النفطية إلى الدول النفطية، الأمر الذي يؤدي إلى مشاكل في الدول المصدرة للعمالة، وتكدس العمالة الفنية في الدول النفطية التي تطالب بفرص عمل جيدة.