أفكار وآراء

استخدام الأساليب الكمية في تخطيط وتنفيذ المشروعات الاستراتيجية

09 سبتمبر 2017
09 سبتمبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

في عام 2006م أصدرت اللجنة الاستشارية للإحصاء بوزارة الاقتصاد الوطني مطبوعا رصينا علميا بعنوان «الاستراتيجية الإحصائية لسلطنة عمان» تضمن تفاصيل مجدولة في استخدام البيانات الإحصائية في دراسات الجدوى وتقييم تطور تنفيذ المشاريع التنموية. كما تضمن دعوة متخذي القرار وصانعي السياسات ومنتجي ومستخدمي الإحصاءات في القطاعين الحكومي والخاص إلى الإفادة من هذه الإستراتيجية. وكان ذلك المطبوع الذي صدر باللغتين العربية والإنجليزية بمثابة الدليل لاستخدام منهجية الأساليب الكمية في تخطيط المشاريع وتنفيذها في السلطنة.

عدد غير قليل من المشاريع التي يتعثر العمل فيها ويتأخر إنجازها زمنا وتتصاعد تكاليفها فتتسبب بخسائر مادية كبيرة. وطالما يتم اللجوء للقضاء للفصل بين المتعاقدين على تنفيذ المشاريع. وبالمقابل فإن العديد من المشاريع يتم إنجازها بزمن يختصر الزمن الذي خطط لإنجازها. وبين المشاريع المتعثرة في الإنجاز والمشاريع الناجحة يمكن تأشير مدى الدقة في التخطيط والتنفيذ بين الحالتين. فبيوت الخبرة في الإدارة الهندسية (مكاتب أو شركات) العالمية ما عادت تعتمد على الخبرات الوصفية بل تعتمد على الأساليب الكمية في علم بحوث العمليات.

وكان لابد من اللجوء إلى التحليل الكمي بسبب حجم المشروعات الاستثمارية وضخامة الأموال المخصصة للإنفاق على تنفيذها، وصار استخدام النماذج الكمية للتعبير عن العلاقة بين عدد كبير من المتغيرات التي تتطور بدءا من مرحلة التخطيط وإلى مرحلة التنفيذ. وخلال الوقت الذي يمتد بينهما لابد من اتخاذ العديد من القرارات التي تستند إلى المعطيات الكمية. ولم يعد ممكنا الاعتماد على الاجتهاد الشخصي والأساليب التقليدية لمعالجة المشكلات التي قد تطرأ أو صنع القرار.

ولعل التطور العلمي - التكنولوجي واختراع الحاسوب يسّر استخدام التحليل الكمي واستخدام النماذج الرياضية في تخطيط وتنفيذ المشاريع. فهناك برمجيات متكاملة للأساليب الإحصائية أو الرياضيات التطبيقية. ويمكن القول إن استخدام التحليل الكمي في التخطيط والرقابة على المشروعات الاستثمارية لا يلغي الدور المهم الذي تقوم به الخبرات الإدارية التي يمكن أن تتخذ القرارات وتستشرف المخاطر وتتنبأ بالتطورات. لذا فإن المواءمة والتوفيق بين ما يمكن أن تتوصل إليه نماذج وأساليب التحليل الكمي وبين تصور الخبرات في صنع القرارات يجعل من التخطيط وتنفيذ المشاريع أكثر دقة.

يعتبر التحليل الكمي في التخطيط والتنفيذ والرقابة على المشروعات الاستثمارية من أكثر أساليب إدارة المشاريع نجاحا. فمنذ أربعينات القرن العشرين تزايد الاتجاه نحو استخدام الأساليب الرياضية والإحصائية الحديثة) التي استخدمت خلال الحرب العالمية الثانية في العمليات الحربية وأطلق عليها اصطلاح بحوث العمليات (في معالجة مشاكل الوحدات الاقتصادية). وكان السبب الذي عزز هذا التوجه هو تعقد وتشابك مشاكل التخطيط والرقابة على المشروعات الاستثمارية الأمر الذي جعل استخدام التحليل الكمي أمراً ضرورياً في التخطيط والرقابة على المشروعات الاستثمارية والتي لا يمكن للأساليب التقليدية في المحاسبة أن تساعد في حلها. يندرج التحليل الكمي ضمن علم بحوث العمليات: وهو العلم الذي يستخدم أساليب وطرقاً كمية علمية للتخطيط للمشاريع وتنفيذها، وكذلك للتعامل مع ما قد يطرأ من المعوقات خلال زمن التنفيذ. من خلال وضع الخطط والبدائل واختيار الأسلوب الأمثل ضمن الإمكانات المتاحة. وامتدت تطبيقات بحوض العمليات لعدة مجالات مثل الهندسة، والصناعة، والإدارة، والنقل، والمواصلات، والتسويق، والمجال العسكري، والكثير من المجالات الأخرى. كما أن أساليب بحوث العمليات كثيرة وتطبق في مجالات كثيرة. ومنها تصميم النماذج الرياضية، والبرمجة الخطية، والبرمجة الشبكية، والتحليل الإحصائي، لاتخاذ القرار والوصول للحل الأمثل. وتتطلب بحوث العمليات الإلمام بالرياضيات مثل معركة الحساب باستخدام المصفوفات وعلم الاحتمال وغيرها. كما يتطلب تطبيق أساليب بحوث العمليات متخصصين من ذوي الخبرة والتخصص. ويمكن تلخيص الفوائد التي يمكن تحقيقها من استخدام التحليل الكمي في مجال التخطيط والرقابة على المشروعات الاستثمارية بما يلي:

ــــ يتم وضع خطط التنفيذ المقترحة في الظروف المواتية وبدائلها في الظروف غير المتوقعة لتمكن إدارة المشروع من المفاضلة بين البدائل المتاحة التي تمثل الحل الأمثل لما قد يعيق التقدم في تنفيذ المشروع.

ـــــ تعتبر وسيلة مساعدة في اتخاذ القرارات الكمية باستخدام الطرق العلمية الحديثة.

ــــــ يعتبر علم بحوث العمليات من الوسائل العلمية المساعدة في اتخاذ القرارات بأسلوب أكثر دقة وبعيدا عن العشوائية الناتجة عن التجربة والخطأ.

ـــــ تعتبر بحوث العمليات علما تطبيقيا يتعلق بالتوظيف الكفء للموارد المتاحة وكذلك قابليتها الجديدة في عكس مفهوم الكفاءة والندرة في نماذج رياضية تطبيقية.

ــــــ يسعى هذا العلم إلى البحث عن القواعد والأسس الجديدة للعمل الإداري، وذلك للوصول إلى أفضل المستويات من حيث الجودة الشاملة، ومقاييس المواصفات العالمية (الايزو).

ـــــــ تساعد على تناول مشاكل معقدة بالتحليل والحل والتي يصعب تناولها في صورتها العادية.

ــــــ تساعد على توفير تكلفة حل المشاكل المختلفة وذلك بتخفيض الوقت اللازم للحل.

ــــــ تساعد على تركيز الاهتمام على الخصائص المهمة للمشكلة دون الخوض في تفاصيل الخصائص التي لا تؤثر على القرار، ويساعد هذا في تحديد العناصر الملائمة للقرار واستخدامها للوصول إلى الأفضل.

ـــــ تُبرز مختلف الحالات التي يمكن التقريب بين الأهداف المتعارضة ليتمكن متخذ القرار من تحقيق المواءمة والتوفيق بين الأهداف المتعارضة. ففي حالة وجود مجموعة من البدائل يتم اختيار الأفضل والأكثر ملاءمة. كما أن عنصر التقييم الشخصي ينحصر في نطاق ضيق. وبالتالي يتم اتخاذ القرارات بدقة وفاعلية.

ـــــ تساعد الإدارة على اتخاذ القرارات في ظل ظروف عدم اليقين وظهور المعوقات خلال التنفيذ. فهي تعرض نتائج القرارات البديلة في ظل الظروف المختلفة وبهذه المعلومات يمكن لمتخذ القرار أن يوازن بين كل من المخاطر والعائد ويختار البديل الأمثل الذي يؤدي إلى تقليل المخاطر. وإذا ما أمكن تحديد احتمالات للظروف المختلفة فإن تحليل المخاطر يصبح أكثر دقة وموضوعية.

4 – تُعزز الحصيلة العلمية والتطبيقية للكوادر البشرية من تطبيق الأسلوب العلمي في التنبؤ والتقدير. فيقلل من مخاطر عدم التأكد المتعلقة بتقديرات البيانات.

5 – تسهل مهمة وضع البرنامج الاستثماري الأمثل من بين المشروعات المقترحة وذلك باستخدام أساليب البرمجة الرياضية المناسبة في هذا المجال.

6 – يستخدم اسلوب المحاكاة لدراسة المشروع وهذا يوفر الكثير من التكلفة والجهد معتمدا على التحليل الكمي في التوزيع الاحتمالي الحقيقي لقيمة المشروع.

7ـــ يستخدم بعض المشروعات تحليل الحساسية التي تتنبأ بالظروف غير المواتية بالظروف المفترضة فيمكن لمتخذ القرار من تلك المشروعات تقليل المخاطر.

8 ـــ تحليل الحساسية يقلل من أخطاء تقدير التكاليف الكلي للمشروعات ويضع تصورا للبدائل في حال حدوث التغيير في قيم المدخلات . وبذلك يتم تحديد العناصر التي يحتمل أن تتعرض للمخاطر فيؤشر محددات الرقابة والمتابعة.

فالكثير من المشاريع التي تعتزم الحكومات تنفيذها في خطط التنمية الاستراتيجية والتي تحال إلى الشركات المنفذة المحلية أو الأجنبية يجب أن تسبقها دراسات تقوم بها فرق عمل حكومية متخصصة تستخدم الأساليب الكمية في إطار بحوث العمليات لتتمكن من أن تستشرف قدرة الشركات المنفذة على الإيفاء بتنفيذ عقود تلك المشاريع والالتزام بتنفيذها زمنا وكلفة.