أفكار وآراء

برلين تلاحق «مجرمي الحرب» وتتعاون مع اللاجئين

08 سبتمبر 2017
08 سبتمبر 2017

سمير عواد -

يبدأ البحث عن مجرمي الحرب في سوريا الذين يتواجدون في ألمانيا، داخل مكتب في مدينة «ماكنهايم» الألمانية يقع في مبنى قريب من الطريق الرئيسي، ويخضع لحراسة مشددة، والسبب أنه المقر الرئيسي لوحدة جرائم الحرب، التي مهامها البحث عن مجرمي الحرب في ألمانيا، ويشرف عليها الألماني كلاوس تسورن، الذي يتولى ليس البحث عن مجرمي الحرب فقط، وإنما إيجاد الأدلة الدامغة ضدهم.

وحين سمحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مطلع سبتمبر 2015 فتح أبواب بلادها أمام مئات الآلاف من اللاجئين الذين توافدوا إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى، دون التدقيق بهوياتهم وأوراقهم الشخصية، تبين لاحقا أن العديد من مؤيدي الرئيس السوري بشار الأسد استطاعوا أن يندسوا في صفوف اللاجئين ويتواجدوا اليوم في دول في وسط وشمال أوروبا، وحصل بعضهم على حق اللجوء وتظهر في عناوين الصحف بين فينة وأخرى أخبار حول انكشاف أمرهم بعد تعرف بعض اللاجئين عليهم، إما لأنهم شاركوا في تعذيب وقتل المدنيين السوريين بشكل أو بآخر أو لمشاركتهم في صفوف ما يُسمى تنظيم -داعش- أو غيرها من الجماعات المسلحة المتطرفة والإرهابية . وتتعاون السلطات الألمانية مع عدد من السوريين الذين تعرض بعضهم للتعذيب على أيدي هؤلاء، الذين ينظر اليهم على انهم ارتكبوا جرائم حرب، وانهم بالتالي «مجرمي حرب»، وذلك من اجل البحث عنهم والتدقيق في ملفات اللاجئين. وباعتقاد المراقبين فإن هذه العملية سوف تستغرق بضعة أعوام لكن الاعتقالات التي تمت خلال العامين الماضيين وإنشاء مكتب لملاحقة مجرمي الحرب في سوريا وغيرها من الدول التي ينتمي إليها اللاجئون، جعلت مجرمي الحرب يفقدون الأمل بأنهم وصلوا إلى بر الأمان وأنهم لن يتعرضوا للمحاسبة.

ويعمل « تسورن» منذ أكثر من 20 عاما في مجال ملاحقة مجرمي الحرب، حيث بدأ عمله في ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في «رواندا» و«سربرنيتشا» و«الكونغو». وشكل في مطلع عام 2000 قوة صغيرة من الموظفين في مكتب الجنايات الفيدرالي لهذه الغاية، ويشرف الآن على قوة تضم عشرات الموظفين ومن المتوقع زيادة عددهم، وهم ينسقون مع كافة الأجهزة الأمنية الألمانية، بالإضافة إلى دائرة الهجرة واللجوء، ذلك أن قانون العقوبات الدولية يسمح لهم بملاحقة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية حتى لو لجأوا إلى الأراضي الألمانية.

ويعتمد «تسورن» ومساعدوه على تعاون اللاجئين الذين فروا من الحرب في سوريا، وتمكنوا حتى اليوم من الحصول على 4100 معلومة، وتنتشر على جدران مكاتبهم صور المشتبه بهم والتقارير الصحفية التي تتحدث عن جرائمهم، كما يتلقون معلومات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ومن منظمات حقوقية تعمل داخل وخارج سوريا، حصلت على معلومات عن المعتقلين والمفقودين وأساليب التعذيب في السجون والجرائم التي وقعت خلال الحرب، وشهادات لاجئين في ألمانيا، تعرف أحدهم على مقاتل في صفوف «داعش»، كما تعرفت لاجئة على رجل كان يمارس التعذيب في أحد سجون دمشق، وقالت إنه اعتقل زوجها وقام بتعذيبها. وقال «تسورن» إن هذه روايات مؤلمة جدا.

قبل ستة أعوام كان «تسورن» يحقق بقضية واحدة وأصبح بعد عام 2015 يحقق بأكثر من ألفي قضية، أضيفت إليها 1120 قضية في العام الماضي. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال التحقيقات التي يقوم بها موظفو دائرة الهجرة واللجوء مع اللاجئين، يُطرح عليهم السؤال «هل كنت بنفسك شاهدا أو ضحية أو معتديا وارتكبت جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية ومارست التعذيب أو الإعدام ضد المدنيين، أو شاركت في أعمال الدفن الجماعي أو استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين ؟» . وأكد «تسورن» أن بعض الأشخاص اعترفوا أنهم ارتكبوا مثل هذه الجرائم التي يعاقب عليها القانون الألماني حتى لو لم تحصل في ألمانيا. علاوة على أن الكثير من الشكاوى التي وردتنا من لاجئين سوريين وعراقيين لم تثبت صحتها وتبين أن هدفها كان الانتقام من بعض الأشخاص ليس أكثر.

وتشعر السلطات الألمانية بقلق مع ازدياد عدد الاعتداءات الإرهابية التي وقعت أخيرا في أوروبا، ولا يشغلها فقط عودة الألمان الذين قاتلوا في صفوف «داعش»، وبدأوا يعودون إلى بلادهم بعدما خابت آمالهم من التنظيم - داعش - وتخشى أن يستخدموا الخبرة في القتال، التي تعلموها خلال الفترة التي قضوها هناك، في تنفذ اعتداءات إرهابية داخل ألمانيا، في الفترة القادمة، لكنها في الوقت نفسه، تخشى وقوع اعتداءات في دول أوروبية أخرى. وقال «تسورن» إن وحدة جرائم الحرب تمكنت من التوصل إلى أكثر من مائة من المجرمين، الذين يتطلب الأمر مواصلة التحقيق معهم للتأكيد من صحة الشكاوى التي وردت عنهم إلى السلطات الألمانية من قبل لاجئين.

وتملك وحدة جرائم الحرب قائمة بأسماء عدد من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب، ومنهم مسؤولون حكوميون في سوريا، لكن لا يتم القبض على المجرمين بهذه السهولة، إلا بعد ثبوت الأدلة ضدهم وإصدار مذكرة إيقاف بحقهم. فقبل فترة قصيرة احتج لاجئون سوريون على منح إحدى قريبات الرئيس السوري بشار الأسد، حق اللجوء لألمانيا، لكنها أكدت أنها معارضة للنظام السوري حتى لو كانت قريبة للأسد.

وحينما يشعر «تسورن» ومساعدوه أنهم حصلوا على أدلة دامغة، فإنهم يستقلون سياراتهم ويتوجهون إلى الشهود للتحقيق معهم والتأكد من صحة كلامهم، ويؤكد «تسورن» أن هذه مسألة صعبة لأنه علينا كسب ثقتهم والتأكيد بأننا سنتولى حمايتهم، لأنهم يخشون التعرض للانتقام أو تعرض عائلاتهم في سوريا للانتقام. كما ينبغي التأكد فعلا من أنهم شهود حقيقيون، لأن البعض يريدون التظاهر بأن لهم أهمية وينسجون قصصا من خيالهم ويتسببون في أذى الآخرين.

وصدرت منذ عام 2015 إلى اليوم 7 أحكام في ألمانيا ضد مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، بينما يتم التحقيق في 41 قضية ذات علاقة بجرائم الحرب في سوريا والعراق ويؤكد «تسورن» انه « لن نسمح لمجرم حرب بالشعور بالأمان في ألمانيا».