1102505
1102505
المنوعات

الطود مدينة تؤرخ لمحطات من التاريخ المصري عبر العصور

06 سبتمبر 2017
06 سبتمبر 2017

معبدها أقدم معبد أثري بصعيد مصر -

الأقصر - «د.ب.أ»: كثيرة هي المدن الأثرية، التي تضمها محافظة الأقصر، الغنية بمقابر ومعابد ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة، بصعيد مصر. والطود، واحدة من المدن التاريخية، الواقعة جنوبي الأقصر، وقد أطلق عليها الفراعنة اسم «زيرت»، وأطلق عليها الإغريق «طوفيوم» وعرفت في العهد القبطي باسم «ثووت» التي حرفت إلى الطود.

والطود مدينة تطل على نهر النيل الخالد، وبها بساتين وزروع وآثار، وبها معبد بطلمي، بُني على أنقاض معبد من زمن الملك الفرعوني سنوسرت الأول، هو معبد الإله منتو، إله الحرب والضراوة في مصر القديمة، ويطلق عليه أيضا «معبد الطود». معبد الإله منتو:

وبحسب قول الباحث والأكاديمي المصري، الدكتور أحمد محمود الطيرى، فإن معبد الطود هو واحد من أقدم المعابد الأثرية بصعيد مصر، ويعود أقدم بناء معماري بالمعبد، إلى عصر الأسرة الخامسة، بمصر القديمة.

وكان المعبد مخصصا لعبادة الإله منتو، وأعلنت وزارة الآثار بمصر، عن إدراجه ضمن خطط التطوير، ليظهر المعبد، في حلة جديدة قريبا، وإخضاع المنطقة المحيطة به لمخطط تطوير شامل بما يتناسب والمكانة التاريخية لمدينة الطود ومعالمها الأثرية.

وكما يقول الباحث المصري، عبدالغفور عبدالله محمد، فإن الإله منتو، الذي كُرسَ معبد الطود لعبادته، هو الإله الصقر الحامي لمنطقة طيبة، وحامي عدد من ملوك الأسرة الحادية عشرة بمصر القديمة، كان إلاها محاربا، وقد خبا نجمه أمام الإله آمون، ثم سرعان ما عاد إلى الظهور والازدهار مع اضمحلال قوة كهنة العاصمة طيبة، وقد شيدت لـ«منتو» معابد عدة في طيبة - الأقصر حاليا - مثل معبده في المدامود، ومعبده في أرمنت، بجانب معبده بمدينة الطود، ولا تقتصر آثار مدينة الطود على معبدها الشهير، بل يوجد بها جبل الطود ومنطقة الوطواطة وهما يضمان مقابر قديمة ضاربة في أعماق التاريخ المصري القديم.

تاريخ تجاري

وقد كان لمدينة الطود، مكانة تجارية وصناعية مهمة، في العصور القديمة، حيث اشتهرت آنذاك بأنها مدينة زراعية، تعج بالزراعات ومزارع تربية الماشية، كما عرفت بجودة صناعاتها، وخاصة الأواني الفخارية، حيث كانت المعابد الفرعونية، تعتمد على الصناع المهرة بالمدينة، في تزويدها بالأواني التي كانت تستخدم لتقديم القرابين بالمعابد، وفي الاحتفالات والمواسم الدينية، والطقوس الجنائزية.

وقد قامت الطود بتصدير إنتاجها من الفخار لخارج مصر، وقد وجدت رسائل باللغة السومرية، أرسلها ملك بابل - العراق - إلى حاكم الطود آنذاك، يطلب فيها إرسال مجموعة من الأواني الفخارية، لاستخدامها بمعابد بابل.

ويروي علماء المصريات، أن الملك «أوسر كاف» الذي قام بأعمال تطوير لمعبد الطود، أن في عهده ارتبطت الطود بأول علاقات تجارية مصرية، مع البلدان المطلة على بحر إيجه، وكانت التجارة آنذاك تجرى بنظام المقايضة.

كنوز الطود

وقد عثر بمدينة الطود، على كنز من الذهب والفضة واللازورد، وهي هدايا قدمها حكام آسيا لحكام الطود. كما شهدت مدينة الطود، في العام 1936، العثور على كنز اسفل أساسات معبدها، وترجع محتويات الكنز، إلى الأسرة الثانية عشرة، بمصر القديمة، وتحديدًا لعهد الملك امنمحات الثاني، وكان ذلك الكنز عبارة عن صناديق صنعت من البرونز، ومكتوب عليها اسم الملك امنمحات الثاني، وبداخلها أوانٍ ذهبية وفضية بلغت نحو مائتي إناء.

وعثر بصناديق الكنز أيضا، على سبائك من الذهب والفضة، وقد بدا ظاهرا التأثر الواضح لمحتويات الكنز من الأواني الذهبية والفضية، بالفن «الإيجي» والفن «البابلي» في إشارة إلى قوة علاقات التبادل التجاري، بين حكام الطود، وحكام بابل، وبلاد بحر إيجه.

كنيسة تاريخية

ويقول الباحث والأكاديمي المصري، الدكتور أحمد محمود الطيري، أن معبد الطود يعج بكثير من المباني الأثرية، التي من بينها، أطلال لكنيسة بنيت بالطوب اللبن، وقد زينت الكنيسة بأحجار من الجرانيت الوردي، الذي كان قد أتى به الملك سنوسرت الأول عند بنائه لمعبد الإله مونتو، واستخدم في أرضية الكنيسة، وقد عثر أسفل الكنيسة على تماثيل من البرونز للإله أوزوريس.

وقد عثر اسفل الكنيسة أو بالقرب منها على أحد كنوز معبد الطود، الذي يتكون وصفه المعماري من ميناء على نهر النيل، ولوحة ترحيب، ولوحة لتوديع الزوار، وطريق أبو الهول المعروف باسم طريق الكباش، وذلك على غرار الطريق الرابط بين معبدي الكرنك والأقصر الفرعونيين، بطول 2700 متر، ومقصورة من الدولة الوسطى، وبحيرة مقدسة وحجرة للتطهير، وحجرة للقرابين، وصالتين للأعمدة، وصالة من الدولة الوسطى، ومعبد بطلمي والكنيسة التي بنيت من الطوب اللبن، وزينت بأحجار أخذت من بقية معالم المعبد.

تاريخ ومعالم عربية وإسلامية

وتشير كتب التاريخ إلى أن للطود تاريخا عربيا، ضاربا في أعماق الزمن، إذ سبق أن شيد مباني المدينة، في العصور العربية، الأمير درباس الكردي، المعروف بالأحول، في عصر حكم الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف بن أيوب.

وقد زار الطود كثير من الرحالة والمؤرخين العرب والأجانب، وكانت مدينة غنية بالأحداث السياسية والعلمية، وقد انتشر بها الإسلام بعد الفتح الإسلامي لمصر، واستقرت بها عديد من القبائل العربية، كما شهدت بعض الثورات، مثل ثورة عباس بن شادي، والى قوص - التي كانت الطود تابعة لولايته - ضد السلطان صلاح الدين الأيوبي، ويوجد بالطود مسجد تاريخي، هو الجامع العمري.

الطود في المتاحف الفرنسية

وقد عرفت بعض القطع الأثرية والكنوز التي عثر عليها بمدينة الطود، طريقها إلى المتاحف الفرنسية، مثل مقتنيات الكنز الذي عثر عليه بمعبد الغله متو ويعود لعصر الدولة الوسطى، وما تضمنه من توابيت وتماثيل أوشابتى وحاملات العطايا، ومقتنيات من العصر القبطي، غاية في الجمال، وقد صنعت من السيراميك، وعثر عليها بالطود في ثمانينات القرن الماضي.

وقد حظيت الطود باهتمام بالغ إبان الحملة الفرنسية على مصر، إذ زارتها بعثة فرنسية برئاسة «كوستار» وقد جاء في مؤلفات الحملة الفرنسية، أن بعثة «كوستار» زارت الطود وعثرت بها على «أحجار مليئة بالرموز الهيروغليفية وأطلال معبد مدفون في الرمال، وقد بنيت فوقه أكواخ للسكان المحليين، ولم يبق على سطح الأرض سوى غرفتين صغيرتين، وغطيت وجهات الجدران الداخلية والخارجية بالنقوش الفرعونية البارزة». كما زارت بعثة أثرية فرنسية برئاسة بيسوى دي لاروك، الطود، وعملت بها في الفترة من عام 1934 وحتى عام 1939، وهي البعثة التي عثرت على أحد كنوز الطود، كما زارت بعثة من متحف اللوفر الطود أيضا، وقامت بأعمال حفر وتنقيب بدءًا من عام 1985.

كما زار شامبليون، مدينة الطود في شهر مارس من عام 1829، ووصفها في رسائله بالمدينة العريقة.

أما الطود اليوم، فهي مدينة تتبع محافظة الأقصر الشهيرة في صعيد مصر، وتتكون من قرابة 30 عزبة ونجعا، وتخضع لأعمال تطوير لمعالمها بهدف وضعها على الخريطة السياحية لمصر، فيما فتح معبدها للزيارة أمام السياح، وسط آمال العاملين بالقطاع السياحي، بسرعة تنفيذ المشروع المقترح لتطوير المنطقة المحيطة بالمعبد، وفتح طرق جديدة تنقل السياح لزيارته.