أفكار وآراء

الانتخابات الفيدرالية الألمانية.. اتجاهات وتوقعات

06 سبتمبر 2017
06 سبتمبر 2017

عبد العزيز محمود -

مع بدء العد التنازلي لإجرائها في 24 سبتمبر الجاري، تكتسب الانتخابات الفيدرالية الألمانية أهمية خاصة، كونها التي تحدد شكل الخريطة السياسية للبوندستاج الألماني (البرلمان الاتحادي) التاسع عشر، المنوط به انتخاب المستشار الاتحادي (رئيس الوزراء) وتشكيل الحكومة الجديدة.

يخوض الانتخابات أكثر من ٢٥ حزبا رئيسيا بالإضافة إلى مجموعات المستقلين تتنافس للفوز بأكبر عدد من المقاعد داخل البوندستاج الذي يتشكل من 598 مقعدا، بشرط حصول كل حزب منها على خمسة بالمائة من الأصوات الوطنية، أو ثلاثة مقاعد منتخبة مباشرة على الأقل للحصول على حق دخول البرلمان الاتحادي.

وتتشكل السلطة التشريعية في ألمانيا من البرلمان الاتحادي (البوندستاج) والمجلس الاتحادي (البوندسرات) الذي يمثل حكومات الولايات، وينتخب المجلسان بنظام التمثيل النسبي المختلط، وقد أجريت أول انتخابات للبوندستاج في 14 أغسطس 1949، بينما أجريت آخر انتخابات في 22 سبتمبر 2013.

وينتخب البوندستاج كل 4 سنوات ويتشكل من ٥٩٨ عضوا، منهم 299 عضوا يتم انتخابهم بنظام الانتخاب الفردي، حيث يمثل كل دائرة عضو واحد، بينما يتم انتخاب الـ ٢٩٩ عضوا الآخرين بنظام القوائم، بهدف تحقيق توزيع نسبي للأحزاب في الهيئة التشريعية.

وتتوزع مقاعد البوندستاج بين الولايات الألمانية بما يتناسب مع عدد السكان الذين يحق لهم التصويت، ويعطي الدستور حق التصويت والترشح لكل المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة ويقيمون في ألمانيا لمدة 3 اشهر.

وفي الانتخابات الفيدرالية التي أجريت في عام ٢٠١٣ فاز الاتحاد الديمقراطي المسيحي لألمانيا بزعامة أنجيلا ميركل بـ ٢٥٥ مقعدا، والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا بزعامة هورست سيهوفر بـ ٥٦ مقعدا، وشكلا معا الحكومة، بينما فاز الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة مارتن شولتز بـ ١٩٣ مقعدا، وحزب اليسار بزعامة كاتيا كيبنج وبيرند ريكزنجر بـ ٦٤ مقعدا، وتحالف ٩٠/‏‏ الخضر بزعامة سيمون بيتر وسيم اوزدمير بـ ٦٣ مقعدا.

ولأول مرة منذ عام ١٩٤٩ لم يتمكن الحزب الديمقراطي الحر بزعامة كريستيان ليندر، من الحصول على نسبة الـ٥٪، وبالتالي لم يحصل على أية مقاعد في البوندستاج، وهو ما حدث أيضا لـ ١٩ حزبا آخرين من بينهم المحافظون الإصلاحيون الليبراليون بزعامة بيرند لوك، والبديل من أجل ألمانيا بزعامة فروك بيتري وجورج موثين، والناخبون الأحرار بزعامة هوبرت اونجر.

ويعفي الدستور الألماني أحزاب الأقليات (الدانماركية والصربية والرومانية والفريزية) من نسبة الـ5 %، لكن هذه الأحزاب تكتفي بخوض انتخابات المحليات، ولا تشارك في انتخابات البوندستاج.

ويشارك في الانتخابات المقبلة أكثر من ٢٥ حزبا في مقدمتها: الاتحاد الديمقراطي المسيحي لألمانيا بزعامة ميركل والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي واليسار وتحالف ٩٠/‏‏ الخضر والمحافظون الإصلاحيون الليبراليون، والديمقراطي الحر، والبديل، والناخبون الأحرار، والديمقراطي الإيكولوجي، والقومي الديمقراطي الذي يمثل النازيين الجدد.

وطبقا لاستطلاعات الرأي فقد حصل تحالف اليمين المحافظ بقيادة ميركل والذي يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي على ٤٠ ٪ من الأصوات، يليهما الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي حصل على 25%، بينما حصل حزب البديل اليميني الشعبوي المناهض للهجرة والاتحاد الأوروبي على 8%.

ويسعى حزب البديل من أجل ألمانيا إلى تحقيق مكاسب في الانتخابات المقبلة مستفيدا من أزمة المهاجرين وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز دونالد ترامب، لكنه قد يواجه تحديات مع تراجع اليمين الشعبوي في أوروبا عقب هزيمة مارين لوبان في فرنسا، وجيرت ويلدرز في هولندا.

وتشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية حصول ثلاثة أحزاب من بين ستة لم تتمكن من اجتياز نسبة الـ٥٪ في انتخابات ٢٠١٣، من دخول (البوندستاج) وهي الديمقراطي الحر، والبديل، والقومي الديمقراطي.

والمتوقع أن يتشكل البوندستاج الألماني المقبل من 7 أحزاب رئيسية هي: الديمقراطي المسيحي، والاجتماعي المسيحي، والديمقراطي الاجتماعي، والخضر، والديمقراطي الحر، واليسار، والقومي الديمقراطي.

والمرجح أن يفوز الحزبان: الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل والديمقراطي الاجتماعي بزعامة شولتز بأكبر عدد من المقاعد، مما يجعل ميركل وشولتز في مقدمة المرشحين المحتملين لمنصب المستشار الذي يوازي منصب رئيس الوزراء في الديمقراطيات البرلمانية.

والحقيقة فإن الحياة السياسية في ألمانيا يسيطر عليها ومنذ عام ١٩٤٩ كل من الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي، اللذين يتم اختيار المستشار الاتحادي من بين صفوفهما.

ويتنافس على منصب المستشار حاليا خمسة مرشحين هم المستشارة أنجيلا ميركل ومارتن شولتز زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، وكاتيا كيبنج زعيمة حزب اليسار، وسيم أوزدمير زعيم الخضر، وكريستيان ليندر زعيم الحزب الديمقراطي الحر.

والمرجح أن تحتفظ أنجيلا ميركل زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بمنصب المستشار الاتحادي لولاية رابعة، لتصبح ثاني أقدم زعيم في ألمانيا بعد هيلموت كول منذ بسمارك، حيث يؤيد ٥٩٪ من الألمان حصولها على ولاية جديدة.

يذكر أن ميركل فازت بمنصب المستشارية لأول مرة في ٢٢ نوفمبر عام ٢٠٠٥، وهي من مواليد ١٧ يوليو ١٩٥٤ ودرست الفيزياء وتنتمي للكنيسة الإنجيلية وتدعو لتعزيز الاتحاد الأوروبي والشراكة مع أمريكا والصين وروسيا، وترفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث تطرح إقامة شراكة مميزة بينهما.

وطبقا للدستور يتولى المستشار رئاسة الحكومة الاتحادية في ألمانيا، ويتم انتخابه من قبل البوندستاج لمدة أربع سنوات، ولا يمكن عزله إلا بموافقة البوندستاج، ويعتبر رأس السلطة التنفيذية.

ويتولى هذا المنصب منذ عام ١٩٤٩ مرشح الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد داخل البرلمان الاتحادي، باستثناء فترتي فيلي برانت وشميدت ١٩٦٩- ١٩٧٢، و١٩٧٦- ١٩٨٢، وكانا ينتميان للحزب الثاني من حيث عدد المقاعد داخل البوندستاج.

وتسعى ميركل لتأمين فوز ائتلافها الحاكم بأغلبية المقاعد في البوندستاج المقبل (٣٣٠ مقعدا)، وسط توقعات بتشكيل ائتلاف حكومي أكبر يضم أحزاب الديمقراطي المسيحي، والاجتماعي المسيحي، والديمقراطي الحر، والخضر، ولا يسمح الدستور منذ عام ١٩٤٥ بحصول حزب واحد على الأغلبية، حتى لا ينفرد بحكم ألمانيا.

وبغض النظر عن شكل الائتلاف الحكومي المقبل فمن غير الوارد أن يضم أي ائتلاف قادم حزب البديل، الذي ترفضه الأحزاب الرئيسية، وكذلك حزب اليسار الذي يرفض التحالف معه بشكل خاص كل من: الديمقراطي المسيحي، والديمقراطي الاجتماعي، والديمقراطي الحر.

ومن المعروف أن الحكومة الاتحادية الألمانية تتشكل عادة من ائتلاف حزبي كبير أو صغير، يضم الحزب الديمقراطي المسيحي، والاجتماعي المسيحي، والديمقراطي الاجتماعي، والديمقراطي الحر.

ومن بين القضايا التي تفرض نفسها على الحملات الانتخابية حاليا أزمة المهاجرين وخفض سن التقاعد وتعهد ألمانيا بزيادة الإنفاق الدفاعي ومعاناة صناعة السيارات من أزمة الديزل إلى جانب الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع روسيا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ورغم سخونة المعركة الانتخابية فإن ألمانيا لا تعاني من انقسامات عميقة كتلك التي تعيشها فرنسا وبريطانيا، فالاقتصاد الألماني مزدهر، وهو رابع أكبر اقتصاد في العالم، ونمو الناتج المحلي الإجمالي يتجاوز ٢.٥٪، والبطالة في أدنى مستوياتها، وفائض الميزانية تجاوز ١٣ مليار يورو في عام ٢٠١٦، وكلها إنجازات تصب في مصلحة الائتلاف الحاكم، لكن ركود الطبقة السياسية قد يشكل تحديا مع حلول عام ٢٠٢١.

وحتى إعلان النتيجة يظل السؤال مطروحا: هل يستمر اليمين المحافظ بزعامة أنجيلا ميركل في حكم ألمانيا لأربعة أعوام مقبلة، أم ستحدث مفاجأة تغير كل التوقعات؟