الملف السياسي

الإسناد الإقليمي .. يفتقد التنسيق المؤسسي

04 سبتمبر 2017
04 سبتمبر 2017

بشير عبد الفتاح -

لقد أفضى انحياز أحد الأطراف الخارجية لمصلحة أحد أطراف الصراع الداخلي في ليبيا، إلى تغليب كفة أحد أطراف ذلك الصراع، أو منحه الأفضلية في الميدان ؛ مما قد يمنحه الفرصة لانتزاع نصر عسكري قريب.

برغم صعوبة الحديث عن موقف إقليمي موحد أو متماسك حيال الأزمة الليبية في اللحظة الراهنة التي يبدو خلالها التفكير في عمل عربي مشترك أو نظام إقليمي عربي ضربا من الخيال، جاءت في مسارين متوازيين ومتزامنين تحركات إقليمية ترمي إلى إيجاد نهاية عاجلة وناجزة للمأساة الليبية، التي اندلعت في العام 2011 وتجلت في أزمة تعدد الشرعيات، إضافة إلى المواجهات المسلحة والنزعات الانفصالية، فضلا عن الانهيار الاقتصادي والأمني، وهو الأمر الذي تمخض عن تحديات هائلة تتمثل في تحول ليبيا إلى ملاذ بديل لتنظيم «داعش» الإرهابي ومنصة ومعبر للهجرات غير الشرعية المتدفقة إلى أوروبا، علاوة على تنامي كافة أنواع عمليات التهريب عبر الحدود الليبية مع دول الجوار، إلى الحد الذي جعل من ليبيا مصدر تهديد لاستقرار الاتحاد الأوروبي وبلدان شمال إفريقيا ككل.

أما أول المسارين، فتجلى في المستوى القطري، الذي تمظهر في مبادرات وطروحات وجهود منفردة لبعض الدول العربية بغية تسوية الأزمة اللبيبة. وأما ثانيهما، فتمثل في المستوى العربي المؤسسي الذي تجسده تحركات جامعة الدول العربية بهذا المضمار. ففيما يتصل بالتحركات والجهود الفردية على المستوى القطري، برزت جلية طروحات ومبادرات وأدوار دول كمصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والجزائر وغيرها، غير أن هذه التحركات، وإن كانت جادة ومحمودة، إلا أنها ظلت مفتقدة للقدر المطلوب من التنسيق والتكامل والتواصل. فمصريا، ومنذ تفجر الأزمة الليبية، لم تتوان الجهود المصرية على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية بغية إنقاذ الشعب الليبي، وهي الجهود التي مهدت السبيل إلى توقيع المشاركين في الحوار الليبي بالأحرف الأولى على اتفاق الصخيرات في عام 2015 ، والذي نص بدوره على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق بمثابة الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة الليبية. في غضون ذلك، استضافت القاهرة اجتماعا لدول جوار ليبيا، اقترح خارطة طريق تدعو لنبذ أطراف الصراع الليبي للعنف ونزع سلاح الجماعات المسلحة والدخول في حوار وطني من أجل التوافق حول حكومة وحدة وطنية. وبعدما تمت صياغة إعلان القاهرة في 13 ديسمبر 2016، الذي حدِدت فيه القضايا الجوهرية المطلوب التعامل معها للخروج من الأزمة الليبية، استضافت القاهرة في العاشر من شهر أغسطس المنقضي، لقاء جمع رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق محمود حجازي، وقائد القيادة الإفريقية الأمريكية «أفريكوم» توماس وولدهوسر، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى ليبيا بيتر بودي، والوفد المرافق لهما، وبحضور عدد من قادة القوات المسلحة المصرية، والسفير المصري لدى ليبيا، وقد أكد المشاركون حرصهم على تسوية الأزمة الليبية سلميا، وعلى النحو الذي يضمن وحدة أراضي ليبيا ويكفل أمن واستقرار شعبها. ومن جانبها، وفي الثاني من مايو 2017 ، نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في إتمام لقاء كانت الأطراف الليبية قد تعنتت في إتمامه بالقاهرة، حيث التقى في أبوظبي كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية ، فائز السراج، مع قائد قوات الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر. وقد حظي اللقاء بترحيب ليبي ودولي واسع النطاق، حيث اعتبرته وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة خطوة جادة لإعادة الثقة ووضع أسس وفاق وطني حقيقي. فيما ارتأته جامعة الدول العربية خطوة مهمة نحو حلحلة الأزمة الليبية والتوصل إلى حلول توافقية لاستكمال العملية السياسية وتنفيذ الاتفاق السياسي، بينما وصفته منظمة التعاون الإسلامي بأنه خطوة إيجابية في الطريق الصحيح، كما أكد المبعوث الخاص لجامعة الدول العربية إلى ليبيا صلاح الدين الجمالي أن اللقاء خطوة إيجابية وشجاعة، تخدم مسار المصالحة الليبية الشاملة.

وفي الوقت الذي رحبت الدول الكبرى كروسيا وفرنسا وإيطاليا بالخطوة التي اعتبرتها تطورا إيجابيا على الساحة الليبية، دعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، إلى اغتنام الزخم الناجم عن اللقاء لتمهيد الطريق أمام المصالحة والوحدة في ليبيا، كما رحب الاتحاد الأوروبي باللقاء، مؤكدا أنه سيواصل تشجيع العملية السياسية في ليبيا بكل الوسائل المتاحة له.

وعلى خط جهود ومبادرات التسوية السلمية للأزمة الليبية، جاءت في أكتوبر من العام 2014 ، المقاربة الجزائرية لتسوية تلك الأزمة عبر استضافة حوار شامل بمدينة الجزائر العاصمة، تشارك فيه كافة الفصائل والأطراف الليبية المتناحرة. غير أن تلك المقاربة لم تقابل بترحيب جزائري أو دولي بعدما أثارت تساؤلات خبراء جزائريين، كما أجهزة استخبارات غربية بشأن تداول تقارير استخباراتية تؤكد وجود دعم جزائري لجماعات محددة داخل ليبيا، وفتحت الجزائر أبوابها أمام أبرز قيادات هذه التنظيمات للتحرك من وإلى ليبيا عبر بوابة الجنوب حسبما تردد .

وعلى غرار ذلك التأرجح في الموقف الجزائري من الأزمة الليبية، جليا برز تناقض المواقف الإقليمية في التعاطي مع ذات الأزمة، فلقد أسهم الموقف الجزائري الرافض للضربات العسكرية المصرية ضد مقاتلي «داعش» ليبيا، في حمل مصر على اتباع استراتيجية دفاعية، دون السعي إلى تجفيف منابع الإرهاب في مدن درنة وسرت الليبيتين. وهو الأمر الذي تسبّب في تأجيل الحسم العسكري للأزمة الليبية وإطالة أمد مواجهاتها العسكرية. بعبارة أخرى، لقد أفضى انحياز أحد الأطراف الخارجية لمصلحة أحد أطراف الصراع الداخلي في ليبيا، إلى تغليب كفة أحد أطراف ذلك الصراع، أو منحه الأفضلية في الميدان؛ مما قد يمنحه الفرصة لانتزاع نصر عسكري قريب، وهو ما كان مُنتظرًا حال تدخل مصر عسكريا لصالح المشير حفتر. ثم أدى تأجيل الحسم العسكري للأزمة الليبية إلى استمرار الصراع، وتعاظم نفوذ تنظيم «داعش» في ليبيا، فضلا عن تحول ليبيا إلى منصة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

ومؤخرا، تجددت المباحثات بين ليبيا والسودان من أجل تسوية المشاكل العالقة بين البلدين، حيث تتطلع ليبيا إلى تحقيق مطلبها الهادف إلى وقف تدفق المتمردين والمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين إلى ليبيا باتجاه أوروبا عبر أراضي السودان، فيما ترنو السودان إلى وقف أي دعم ليبي لنشاط الحركات المتمردة في إقليم دارفور على الحدود مع ليبيا. وبعدما نشر السودان وليبيا في نوفمبر 2013 قوات مشتركة لتأمين الحدود المشتركة وإيقاف تسلل المهاجرين غير الشرعيين ومكافحة الإرهاب وتأمين القوافل التجارية، تنفيذاً لبروتوكول عسكري وقعته قيادتا البلدين قبلها بأكثر من عامين، عاد السودان ليقترح في مايو الماضي إنشاء قوات مشتركة لمراقبة الحدود الممتدة بين السودان وليبيا بهدف محاربة جماعة «بوكو حرام» النيجيرية، والحدّ من تحركات المتمردين في دارفور.

وأما بخصوص المستوى المؤسسي العربي، فربما يصعب الحديث عن البعد الإقليمي في المأساة الليبية من دون التعرض لدور جامعة الدول العربية في هذا السياق. وبغير عناء، يستطيع المتأمل في تطورات تلك الأزمة أن يلمس، وعلى غير المنتظر أو المأمول، تواضعا لافتا وحضورا خافتا في هذا الدور، تمظهر جليا في غياب تصور واضح للحل، علاوة على البون الشاسع ما بين الآمال والأفعال، فعلى الرغم من تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، خلال افتتاح أعمال القمة العربية الـ28 بمنطقة البحر الميت في الأردن إبان شهر مارس الماضي، أن هناك قوى خارجية توظف المذهبية والطائفية من أجل تقسيم الدول العربية، مشدداً على أن مهمة الجامعة هي توحيد مواقف الدول العربية، إلا أن جهود وتحركات الجامعة على الأرض بهذا الصدد لم ترق، بأي حال، إلى مستوى ذلك المطلب، ولعل في موقف جامعة الدول العربية من الأزمة الليبية خير برهان على هذا الادعاء.