أفكار وآراء

احتفالاتنا بالأعياد ليست للإسراف

03 سبتمبر 2017
03 سبتمبر 2017

د. سيف بن سليمان المعني -

[email protected] -

يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي:عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد ، ونقول لشاعرنا العظيم نعم طرأ الكثير عما عهدت ، فما زلنا نشغل أنفسنا بما لا يعود بالفائدة علينا ، ولا يتناسب مع عصرنا وظروفنا المالية ، فعلى الرغم من أن الاحتفال بالأعياد هي مناسبة دينية جليلة يفرح بها الصغير قبل الكبير ، إلا أننا أثقلنا أنفسنا يا أبا الطيب بطقوس وبروتوكولات ربما أصبحنا غير قادرين على الخروج منها .

يبالغ الناس كثيرا في شراء ما يسمونه احتياجات العيد ، ويكلفون أنفسهم أكثر من طاقتها وتراهم يتهافتون على الأسواق قبل شهر، وأحيانا عدة اسابيع ، من المناسبة ، أما الأيام الأخيرة قبل العيد فتزدحم الأسواق كما لو كان ما يشترونه غير موجود إلا في تلك الأيام وبعدها سينتهي ، وكل هذا الجهد والمصاريف لأجل يوم واحد ، أو ربما نصف يوم.

أما المسائل المتعلقة بالذبائح أو الأضاحي ، فتلك هي مشكلة كبيرة يعاني منها العمانيون على وجه الخصوص، حيث تأخذ الأضاحي أو الذبائح الجزء الأكبر من أموالهم ، وكأنهم قد حرموا من اللحوم لزمن طويل ، وفجأة فتحت الأسواق لتوفيرها، وغالبا ما يكون هذا الإسراف بداعي التباهي والمظاهر التي لا ضرورة لها ، فهذا يذبح أعدادا من الأغنام ، وذاك يزيد عليه بالأبقار وآخر بالإبل ، فاللحوم والمواد التي نتسابق على شرائها لهذه المناسبات متوفرة كل يوم في الأسواق بالتأكيد ، ونتناولها بشكل منتظم مقارنة بغابر الأيام ، وللأسف الشديد أن كل هذه التكاليف من ذبائح ومستلزمات أخرى تتصل بالمناسبة ، إما تستهلك على غير حاجتها وضرورتها ، أو أنها تذهب هدرا في مكبات النفايات ، وهذا لا يرضي الله ولا يتناسب مع عدد كبير من الأسر العمانية .

إن الازدحام الشديد الذي تشهده الشوارع والأسواق قبل الاحتفال بالأعياد مؤشر واضح على إسراف بعض الأسر، وعدم قدرتها على تحديد احتياجاتها بدقة، ودليل ذلك أيضا هو استعداد التجار لهذه المناسبات وتكديس البضائع بشكل ملفت للنظر، وهذا النوع من الاستهلاك غير المخطط لا شك أن من شأنه إرباك ميزانية الأسرة بشكل كبير، مما يدفع البعض منها للاقتراض احيانا، لسد احتياجاتها المعيشية الأساسية ما بعد احتفالات الأعياد ، خاصة وأن احتفالنا هذا العام بعيد الأضحى المبارك يتزامن مع بداية العام الدراسي 2017/‏‏2018 والذي بالتأكيد يشكل عبئا ماليا على نفقات مختلف الشرائح من المواطنين أو على الأقل معظمها .

في نظري حان الوقت من اجل الانتباه الى هذه العادات التي ربما كان لها ما يبررها في غابر الأيام ، عندما كان الناس يتمتعون ، في مثل هذه الأيام بأكل اللحوم. ومع ذلك لم تكن متاحة بالقدر الذي نحن عليه في هذا الزمن، ولم تكن بهذا الإسراف الشديد الذي نراه اليوم ، وبالتالي فإن الاستمرار على هذا النهج ، رغم تغير مستوى المعيشة والاحتياجات المتنوعة ، يحتم على الجميع الحد من هذا التبذير والإسراف غير الضروري ، وبالتالي توجيه مدخراتهم لاحتياجات أكثر ضرورة وأهمية لصالح وخير الأسرة ، بدلا من التبذير دون ضرورة أو حاجة ملحة، وأنا أناشد المقتدرين على وجه الخصوص أن يكونوا القدوة الحسنة لغير المقتدرين في هذا الجانب .

يشير الأخصائيون الاجتماعيون إلى أن تبادل اللقاءات في الأعياد هي ظاهرة اجتماعية قديمة جيدة يحرص الناس عليها فهي تجمع الناس ببعضهم في الأحياء وتجعلهم أكثر تلاحما وتآلفا ، وهي عادات وتقاليد جميلة توارثتها الأجيال أبا عن جد ، ونتمنى أن لا تندثر، إلاّ أنّها بدأت تقل لعدم التزام الناس بالبساطة الموجودة في الفترات السابقة ، إذ كان في السابق كل منزل يشارك بما تجود به ظروفه ، والجميع يشارك دون تكليف ، أما واقع الحال هذه الأيام ، فهنالك من يضيق على حاجات أسرته الضرورية ، مقابل هذا البذخ والإسراف غير الضروري ، في نظري حان الوقت وعلى كافة المستويات أن يتم الحث على الحد من الإسراف والبذخ بغرض التباهي والتفاخر ، ليس فقط في الأعياد بل في كل مناسباتنا... والله أسأل أن يجعل كل أعيادنا واحتفالاتنا يعمها الخير والفرح والسرور دوما ولكن بدون إسراف.