أفكار وآراء

الصراع في قلب السياسة الخارجية لدونالد ترامب

02 سبتمبر 2017
02 سبتمبر 2017

روبرت زوليك -

ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

قبل عدة أيام أقنع الجنرالات دونالد ترامب بمواصلة القتال في أفغانستان. ووافق الرئيس المحبط على مضض. وسنعلم في مقبل الأيام إذا كانت شخصيته وطريقة ممارسته للسياسة تمكنه من الالتزام بذلك لفترة طويلة. بعد مرور نصف عام من ولايته الرئاسية تتسم السياسة الخارجية لترامب بخمس ملامح مميزة لها. فالمقاربة الترامبية تختلف عن مقاربة أسلافه في النوع وليس فقط في الدرجة، وعلى البلدان الأخرى حول العالم الإحاطة علما بالتنافر بينها وبين ممارسة السياسة الخارجية في الماضي.

فأولا: ترامب رجل معاملات وليس رجل مؤسسات. ذلك أن نظرته إلى السياسة الخارجية نظرة صانع الصفقات. ولا يهتم سواء تناسبت أم لم تتناسب النتيجة التي تترتب عن ذلك مع الممارسة التقليدية للولايات المتحدة في بناء الأنظمة التي تخدم مصالحها وقيمها. وكمفاوض، سيكون ترامب صداميا من فترة إلى أخرى. فهو يمكن أن يتصرف بطريقة غريزية. وهو يرحب ببث البلبلة وعدم اليقين الذي يعتقد أنه يؤسس رافعة للنفوذ. كما يلعب غرور ترامب دورا كبيرا على نحو استثنائي. وكذلك العلاقات الشخصية بل حتى العائلية. وهو أول رئيس لا يؤمن، حسب تجربتي، بأن المنصب أكبر منه.

ثانيا، ستهيمن المصالح السياسية الداخلية لترامب على سياسته الخارجية. لقد ذكر لي رجل دولة أمريكي حكيم هذا الربيع أن ترامب مثله مثل الرؤساء الآخرين يريد أن يكون ناجحا. ولذلك سيتجه مقتربا من السياسات السائدة تقليديا. يعتمد هذا التقييم على الكيفية التي يتم بها تعريف النجاح. أعتقد أن هدف ترامب هو تحقيق إعادة اصطفاف سياسي يظن أنه ممكن بتبنيه لمظالم ناخبيه والتعبير عنها. لذلك فهو يرحب بالمعارك حول التجارة والهجرة والجدار الحدودي مع المكسيك. لاحظوا أيضا أن توجيه الرئيس فيما يخص الشرق الأوسط هو تدمير إرهابيي داعش، وهم أعداء واضحون يمكن أن يتعرف عليهم مؤيدوه بهذه الصفة. وليست لديه خطط لتكملة العمل العسكري بإيجاد قوى أو مناطق آمنة يمكنها تأسيس توازن قوى نسبيا على الأرض ومقاومة ما يعتبره توسعا إيرانيا. وبعد إجباره على البقاء في أفغانستان في حين كان يريد الانسحاب سيجعل ترامب، انسجاما مع مؤيديه، سحق الإرهاب هدفا آخر للقتال هناك. ذلك على الرغم من أنه سيكون حقا بحاجة إلى تعزيز قدرة حكومة كابول على النجاح.

ثالثا، ستعكس السياسة التجارية على نحو أكثر وضوحا نظرة ترامب غير المتماسكة. فهو قد تبنى في اعتزاز الحمائية في خطابه التدشيني لفترته الرئاسية. وصار بذلك أول رئيس منذ هربرت هوفر يتخذ مثل هذا الموقف العلني. (هوفر الرئيس الأمريكي الحادي والثلاثين. حكم في الفترة من 1929 إلى 1933. صار حمائيا بتوقيعه قانون سموت- هولي للتعريفات الجمركية عام 1930 والذي فاقم من الكساد العظيم- المترجم.) علينا أن نصدق ما يقوله ترامب. فمن أجل أن يشير إلى مفارقة عدائية للماضي، في سياسته التجارية، تخلى عن شراكة عبر الأطلنطي التي كان من شأن قواعدها ومنافذها السوقية الجديدة خدمة الولايات المتحدة. فترامب ووزير التجارة «ويلبر روس» ينظران إلى عجوزات التجارة الثنائية بالطريقة ذاتها التي ينظر بها رجال الأعمال لصافي الدخل السالب، أي باعتبارها خسارة. لذلك فإن البلدان التي لديها فوائض كبيرة في التجارة الثنائية مع الولايات المتحدة مثل المكسيك وكوريا الجنوبية وألمانيا ستستثير سخطا رئاسيا. الزيارتان المبكرتان الحاذقتان اللتان قام بهما زعيما الصين واليابان للولايات المتحدة جعلتهما يأملان في تجنب استهداف ترامب ولكنهما مخطئان. فمشكلة الرئيس ستكون صعوبة تعديل عجوزات التجارة الثنائية من خلال السياسات التجارية. ولمعالجتها ستبتعد الحكومة الأمريكية في الغالب عن قواعد المنافسة النزيهة والانفتاح وتتجه نحو التحكم في المحصلة التي تمليها حصص ومتطلبات السوق الخاصة بالمحتوى الوطني. علينا مراقبة إعادة التفاوض حول اتفاقية «نافتا»، كي نعرف كيف سيحاول ترامب ترجمة الخطاب السياسي إلى سياسة محددة.

رابعا، ترامب متناقض حول التحالفات. فهو يؤمن أن الولايات المتحدة كانت مفرطة في سخائها ولم يعد في مقدورها تحمل عبء النظام الأمني منذ قيادتها جهود تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية وطوال 70 عاما. ولكن شبكة التحالفات الأمريكية حققت مرونة من خلال الروابط المهنية والتخطيط والمؤسسات، بل وحتى المسارات الوظيفية وتقاليد وعادات الجيش الأمريكي. ويجسد وزير الدفاع «جيمس ماتيس» هذا الإرث. لذلك في حين يرجح ألا يستثمر ترامب جهدا كبيرا في إدارة التحالف إلا أنه قد يتقيد بالممارسة السابقة ولو مع بعض الشكاوى التي تنفجر بين الفينة والأخرى كما يفعل الآن فيما يخص أفغانستان.

وأخيرا، تؤكد ولاية ترامب على نقطة حيوية حول أمريكا وهي أنها أكبر بكثير من الرئيس. فعلى خلاف الصين، اختار الأمريكيون نظاما دستوريا وليس «قائدا أساسيا.» وسياسات الولايات المتحدة هي «منتجات» لسلطات مقتسمة ومنفصلة بين مؤسسات وأحزاب مختلفة، تشمل مجلس الشيوخ و مجلس النواب بالطبع، ولكن أيضا المحاكم والولايات والمدن والوزارات الفيدرالية والقطاع الخاص، بما في ذلك مؤسسات الأعمال والمجتمع المدني. وللمفارقة، يعتبر معاونو ترامب هذا البناء الذي اعتنى بإعداده مؤسسو الولايات المتحدة «دولة عميقة». وهم بذلك يخلطون بين مؤسسات الجمهورية المعافاة وبعض أنواع المقاومة «التي لا وجه لها» لتوجهات ترامب. ولكن في السياسة الخارجية لن يؤيد بعض الوطنيين وضع ترامب قومية الولايات المتحدة في تضاد مع عالميتها. فهم يدركون أن قومية وعالمية الولايات المتحدة ظلتا منسجمتين وليستا في حالة صراع وأن هذا المزيج (الذي يتشكل منهما) هو الذي أوجد الزعامة العالمية الفريدة لأمريكا.

• الكاتب عمل رئيسا للبنك الدولي وممثلا تجاريا للولايات المتحدة ونائبا لوزير الخارجية الأمريكي سابقا.