أفكار وآراء

إسرائيل أكثر قلقا.. بعد الهزائم المتتالية لتنظيم «داعش»

02 سبتمبر 2017
02 سبتمبر 2017

د. عبدالعاطي محمد -

على عكس الارتياح العام الذي يسود الشرق الأوسط للهزائم المتتالية التي يتلقاها تنظيم «داعش» في كل من العراق وسوريا، تشعر إسرائيل بمزيد من القلق خوفا من التحولات الدراماتيكية في موازين القوى الإقليمية والدولية التي تترتب على اختفاء التنظيم، وتراها تحولات تعمل لغير مصالحها الاستراتيجية في المنطقة من الناحيتين الأمنية والسياسية.

مؤشرات القلق وصلت إلى أقصى مداها غرابة فيما تم تداوله إعلاميا نقلا عن مدونة تصدر عن “مركز بيجن – السادات” ومقره تل أبيب نشرت ملاحظات كتبها رئيس المركز “أفرام انبار” تتعلق بتقدير المركز لوضع إسرائيل استراتيجيا في ضوء الهزائم التي لحقت بالتنظيم في الفترة الأخيرة. وأبرز ما جاء في هذه الملاحظات دعوة رئيس المركز إلى ضرورة الإبقاء على التنظيم بدلا من تدميره لأن التنظيم في تصوره يخدم الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموما. وطرح ثلاث حجج تبرر هذه الدعوة هي: أولا أن التنظيم يقتل المسلمين في المنطقة أكثر مما يهاجم الغرب، وإذا تعذر عليه القيام بذلك في حالة تدميره في العراق وسوريا، فسوف يتفرغ لقتال الدول الغربية، وثانيا أن تدمير التنظيم سيؤدى إلى جعل المسلمين المهاجرين في الغرب أكثر تشددا (أو تطرفا) مما يهدد استقرار الدول الغربية، وثالثا أن التنظيم يقاتل محورا خصما للغرب حدده بمحور روسيا ـ إيران - دمشق، وهو محور لا يشاطر الغرب وإسرائيل قيمه الديمقراطية على حد تعبيره، وإذا ما تم تدمير التنظيم فإن ذلك سيؤدي إلى تقوية هذا الخصم في مواجهة الغرب.

ولأول وهلة يبدو كلام رئيس المركز الإسرائيلي والذي يعمل في نفس الوقت أستاذا للعلوم السياسية في جامعة بار إيلان مقنعا أو مفهوما. ولكن بشيء قليل من التأمل والتدقيق يبدو متعلقا بحسابات إسرائيل للتغيرات السياسية الدراماتيكية التي من المتوقع موضوعيا أن تحدث في الساحتين العراقية والسورية في حالة القضاء المبرم على التنظيم، خصوصا في الساحة السورية. وسبب الاقتناع الأولى يرجع إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم يهاجمها التنظيم على مدى السنوات الماضية. ولا شك أن ملاحظة كهذه كانت تزعج التنظيم وتحرجه أمام تابعيه، ولذلك كان يعلق من وقت إلى آخر بتوجيه التهديدات لإسرائيل ويتوعدها بالهجوم (في نهاية 2015 توعد أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم بتحويل فلسطين إلى مقبرة لليهود)، ولكن كان ذلك للاستهلاك المحلى في أوساط تابعيه في المنطقة والعالم ليس إلا دون القيام بأي عملية إرهابية ضد إسرائيل، فضلا عن أنه من حيث خطابه الفكري المعلن أوضح مرارا أن مهاجمة إسرائيل ليست من أولويات «جهاده المقدس»، وكل تركيزه منصبا على إقامة دولة الخلافة.

ولكن ما هو معروف جيدا أن إسرائيل أعلنت على لسان كبار مسؤوليها أكثر من مرة أنها تعتبر «داعش» خطرا على أمنها القومي، وكثيرا ما حذرت وسائل الإعلام الإسرائيلية من إمكانية انتقال نشاط التنظيم إلى داخل أراضيها. ومن الصحيح أن الدولة العبرية لم تشارك في أي تحالفات لقتال التنظيم لأسباب مفهومة تتعلق بعدم اندماجها في منظمة دول المنطقة، ولكنها تعاونت مع الدول الغربية المنخرطة في الحرب ضد التنظيم بصور مختلفة وخصوصا في مجالات الاستخبارات، ففي نهاية المطاف لها موقفها المعلن المعادي للإرهاب عموما. ومن جهة أخرى كان لدى إسرائيل حساباتها بأن قدراتها الخاصة على ردع التنظيم حاضرة في أي وقت برغم إدراكها أنه يشكل خطرا عليها. وما يؤكد ذلك رواية الصحفي الألماني يورجان تودنهوفير أواخر 2015 عما توصل إليه بعد أن تواجد آنذاك في مركز «داعش»، حيث أكد أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي يخشاها التنظيم، وبرر ذلك بأن الجيش الإسرائيلي بخلاف الجيوش العربية المواجهة للدولة العبرية يتقن التصدي للمشاركين في حروب العصابات، ولذلك وفقا لرواية الصحفي الألماني أنه في حالة سيطرة التنظيم على مناطق عدة في الشرق الأوسط لن يقوم بمهاجمة إسرائيل بل ستتوجه عناصره إلى أوروبا.

في ضوء ما سبق فإن تقديرات رئيس “مركز بيجن – السادات“ اعتمادا على ما تم تداوله بشأنها يصعب تعقلها من حيث وجود تطابق أيديولوجي أو فكري يجمع ما بين إسرائيل و«داعش»، ولكن يمكن تعقلها من زاوية المصالح السياسية والأمنية، والأرجح أنها جاءت من جانبه انطلاقا من هذه الاعتبارات تحديدا. فالمؤكد أن إسرائيل استفادت إلى حد كبير من وجود «داعش» لأنه كان يشغل إيران عنها، كما يشغل النظام السوري أيضا أو يؤدى في النهاية إلى التعجيل بإسقاطه، وفي هذا الصدد حرصت إسرائيل كثيرا على دعم فكرة التلاقي بين هذا النظام والتنظيم بمعنى أنها كانت تتحدث عن أن النظام يهمه بقاء التنظيم لا التخلص منه، وذلك لكى تعزز جهود الغرب في الإسراع بالتخلص من هذا النظام طالما أنه يدعم الإرهاب وفقا لهذا التصور.

الآن وبعد أكثر من 6 سنوات، حدثت تغييرات جوهرية في مشهد الأزمة السورية لا تصب في مصلحة إسرائيل، ولعل القلق الذي عبر عنه رئيس المركز الإسرائيلي بشكل حاد هو تعبير عن خسارة أمنية وسياسية منيت بها إسرائيل من جراء الحرب التي تم شنها على تنظيم «داعش»! ورسالة موجهة لصانع القرار الأمريكي للتعبير عن الغضب الإسرائيلي من الموقف الأمريكي الذي قاد إلى نتائج غير مواتية للدولة العبرية، ورسالة ابتزاز في نفس الوقت للحصول على تحركات سياسية أمريكية لوقف هذه الخسائر الأمنية والسياسية وتوفير المزيد من المساعدات العسكرية.

ما يستنتج من تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين وتقارير من وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرا يميط اللثام عما لم يذكره رئيس المركز الإسرائيلي ويؤكد في نفس الوقت جدية القلق الذي عبر عنه. خلاصة المشهد الراهن تتركز في استمرار وجود النظام السوري واستفادته من الهزائم المتتالية للتنظيم، وصعود الدور الإيراني إلى حد يصعب العودة عنه وربما أضحى القبول بهذا الدور أمرا واقعيا من جانب أطراف أخرى مواقفها مؤثرة في مسار الأزمة، وكذلك الدور الروسي، بينما يجرى التراجع تدريجيا عن المسار الذي حدده مؤتمر جنبف-1. وعليه ما كانت إسرائيل تأمل أن تكون الأولوية هي في القضاء على «داعش» لأن القضاء عليه يعني خروج الدول العظمى من ساحة الصراع، حيث تكون مهمتها قد انتهت، لتبقى إسرائيل وجها لوجه ضد إيران في سوريا وضد حزب الله في لبنان، وهو ما لم تكن تنتظره يوما. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن قدرات النظام السوري على اعتراض الهجمات الإسرائيلية الجوية تعاظمت، بل وتم تجربتها فعلا مما أعطى رسالة لإسرائيل بأن قدرات سلاح الجو الإسرائيلي تتراجع. وقد حدث ذلك بضوء أخضر روسي وفقا لما ذكره موقع «والا».

المساومات السياسية بين جميع الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية هي الحاكمة في نهاية المطاف. ومن يتابع تطورات المشهد والمواقف والتحركات الإسرائيلية ربما يصل إلى استنتاج مؤداه أن المنطقة مقبلة على انفجار مدو أو أن إسرائيل ستندفع إلى إيجاد حالة حرب كما اعتادت دائما كلما استشعرت أنها مهددة أمنيا وأن مصالحها الإستراتيجية في خطر حقيقي، ولكن الحقائق الموضوعية الحاكمة للمساومات السياسية الجارية بين كل الأطراف بما فيها إسرائيل نفسها لا تؤكد ذلك، بل على العكس هناك رغبة عامة لتجاوز أية مشكلات يمكن أن تقود إلى الانفجار. ووفقا لما ذكرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فإن روسيا يهمها الوصول إلى حل سياسي يمكنها من التأثير على سوريا عن بعد، وإخراج قواتها من هناك والحصول على نصيب اقتصادي ضمن إعادة إعمار الدولة، ومن جهتها يهم إيران الإقرار بشرعية دورها ليس في سوريا فقط بل في الشرق الأوسط ككل، والولايات المتحدة سلمت الملف لموسكو إما إقرارا بالأمر الواقع أو بهدف توريطها في أزمة لا يزال مصيرها مجهولا برغم المؤشرات والمستجدات التي أحدثت تغيرات إستراتيجية في توازنات القوى على الأرض. ولكن موسكو معنية بإقناع إيران بألا تقدم على خطوة يكون من شأنها تعريض نظام الأسد للمشاكل وعرقلة الحل السلمي الذي تريده، وإدارة ترامب تعاونت مع موسكو في إيجاد المناطق الآمنة لتحقيق تهدئة تمهد للحل السياسي ولم تعد في موضع يسمح لها بالصدام مع الدب الروسي هناك، ولكنها تضع خطوطا حمراء ترى ألا يتجاوزها الدور الإيراني، في القلب منها عدم تهديد إسرائيل أمنيا، مقابل الحصول على شرعية دورها في الأزمة والمنطقة. وهكذا تجد الأطراف المعنية نفسها مضطرة للتعايش والتفاهم مع بعضها البعض بحكم ضرورات الواقع، ولكن الجديد هو أن إسرائيل أضحت في موقف صعب أمنيا وسياسيا لم يحدث منذ سنوات.