أفكار وآراء

استراتيجية واشنطن الجديدة القديمة في أفغانستان

01 سبتمبر 2017
01 سبتمبر 2017

سمير عواد -

يعتقد البعض أن استراتيجية ترامب الجديدة في أفغانستان، تشكل تراجعا عن عنوان سياساته «أمريكا أولا»، الذي ساعده في الفوز بمنصبه في انتخابات نوفمبر الماضي، واعتباره حلف شمال الأطلسي «ناتو» حلفا أكل عليه الدهر وشرب، فإنها في الحقيقة الاستراتيجية الأمريكية التي عمل بها من سبقوه في منصبه

بينما يختلف المراقبون والمحللون السياسيون حول الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى أن يعلن بدء استراتيجية جديدة لواشنطن في أفغانستان، حيث يعتقد البعض أنه يريد تحسين شعبيته بعد أن تأثرت وانخفضت كثيرا ، وقام بتعديلات في حكومته كان أبرزها إعفاءه ستيفن بانون، المخطط الاستراتيجي، والمعروف بميوله وآرائه المتطرفة، فإن البعض الآخر يعتقد أنه أصبح بعد مغادرة بانون البيت الأبيض، يعير أذنا صاغية لقادة الجيش الأمريكي الذين ألحوا عليه أن يسمح بعودة القوات الأمريكية إلى أفغانستان ومواصلة الحرب ضد حركة طالبان الأفغانية المعارضة.

ويرى بعض المراقبين هذه الخطوة بأنها تشكل تراجعا عن شعاره الذي وضعه «بانون» وكان عنوان حملته الانتخابية وهو «أمريكا أولا»، ومعناه أن ترامب، سوف يركز في سياساته على مصالح أمريكا فقط ، وليس قضايا ومسائل أخرى، مثل الحروب في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، هذا البلد بالذات الذي قرر ترامب العودة إليه على الرغم من أن الأمريكيين الذين لم ينتخبوه، لا يؤيدون قرار استعراض القوة العسكرية في أفغانستان مرة جديدة، ولكن ما من شك أن ناخبيه وأتباعه ومؤيديه سيرحبون بقرار زيادة عدد الجنود الأمريكيين في الهندكوش بحوالي أربعة آلاف جندي ينضموا إلى ثمانية آلاف جندي أمريكي في أفغانستان الذين هم يشكلون العدد الأعلى من الجنود الدوليين هناك البالغ عددهم نحو أحد عشر ألف جندي.

ولا شك أن عودة بث صور هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، من شأنه أن يزيد التأييد الشعبي الذي يحتاجه ترامب لهذه المهمة التي أعلن عنها في خطاب ألقاه في قاعدة «فورت ماير» التابعة للجيش الأمريكي والتي تقع في ولاية «فرجينيا». وهناك بين الجنود الأمريكيين وأعلام أمريكا والفرق التي ينتمون إليها، يشعر ترامب أنه قائد الجيش والرجل الأقوى في العالم.

حتى وقت قريب مضى كان ترامب شديد الحذر في التعليق والتعامل مع النزاعات المسلحة في العالم، ولم يأمر سوى مرة واحدة بتوجيه ضربة عسكرية لم تكن مؤلمة للجيش الحكومي السوري على أساس افتراض أمريكي بأنه استخدم أسلحة كيماوية في هجوم على «خان شيخون»، وكان البعض يعتقد أن ترامب سوف يجر بلاده إلى الحرب السورية لكن ثبت لاحقا أنه تركها فعلا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكشفت ترامب عن الخطوط العريضة لسياسته القادمة في أفغانستان، والتي تركز على القوة العسكرية وليس على إعادة بناء الدولة والمجتمع، كما يحلو للأوروبيين سماعه، وقال «نريد مهاجمتهم والقضاء عليهم».

وبحسب رولاند نيلليس، مراسل مجلة «دير شبيجل» الألمانية الواسعة الاطلاع في واشنطن، تقع استراتيجية ترامب الجديدة في أفغانستان في ثلاث نقاط:

1- أنه يريد توسيع الحرب ضد حركة طالبان وما يُسمى الدولة الإسلامية- داعش- التي أصبح لها نفوذ في أفغانستان، لتفادي تحول أفغانستان من جديد إلى بؤرة للإرهاب كما كان الوضع قبل هجمات 11/‏‏9 عام 2001، وتعرض الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إلى اعتداءات. وأكد ترامب أنه سوف يتجنب ارتكاب الأخطاء التي حصلت في العراق من قبل الرئيسين جورج دبليو بوش الابن، وباراك أوباما. فقد ظهر تنظيم الدولة- داعش- في العراق بعد الانسحاب العاجل الذي قام به الجيش الأمريكي. والهدف الذي أعلنه ترامب، تحقيق الانتصار النهائي على تنظيم داعش ، وقال أنه لا يعتزم الحديث عن موعد للانسحاب ولا تأكيد عدد الجنود الذين سيتوجهون للقتال في الهندكوش، لمنع «العدو» هناك من الحصول على معلومات يستفيد منها في التحضير للمواجهة.

2- تريد واشنطن تقديم مساعدات أكثر إلى الحكومة الأفغانية، لكي تتمكن أخيرا من تجهيز جيش قادر على ضمان أمن المواطنين الأفغان في مواجهة طالبان وتنظيم داعش، بالإضافة إلى تشجيع كابول في التغلب على مكافحة الفساد والمحسوبية ونهب موارد الدولة، وما زال موجودا ضمن خيارات ترامب، عقد مفاوضات مع طالبان إذا كان ذلك يخدم الأمن والسلام في أفغانستان وكذلك مصالح واشنطن.

3- ويريد ترامب أيضا تشديد الضغط على باكستان المجاورة لكي تتوقف عن تقديم الدعم العسكري لطالبان، حسبما يفترض وأعلن، وبحيث لا تستمر بالسماح لطالبان بالانطلاق من الأراضي الباكستانية للقيام بهجمات داخل الأراضي الأفغانية. كما يريد ترامب تشكيل تحالف مع دول مجاورة مثل الهند لتعمل من أجل تحقيق السلام في الهندكوش.

وبينما يعتقد البعض أن استراتيجية ترامب الجديدة في أفغانستان، تشكل تراجعا عن عنوان سياساته «أمريكا أولا»، الذي ساعده في الفوز بمنصبه في انتخابات نوفمبر الماضي، واعتباره حلف شمال الأطلسي «ناتو» حلفا أكل عليه الدهر وشرب، فإنها في الحقيقة الاستراتيجية الأمريكية التي عمل بها من سبقوه في منصبه مثل جورج دبليو بوش الابن وباراك أوباما. والجديد فيها أن ترامب عدل رأيه فيما يتعلق بأفغانستان، واستطاع العديد من مستشاريه العسكريين إقناعه بعد استغنائه عن «بانون»، بضرورة عدم التخلي عن أفغانستان.

وكتبت أسبوعية «دير شبيجل» الألمانية أخيرا، أن «بانون»، الذي كان يُسمى الرجل الذي يهمس في أذن ترامب، كان يعارض زيادة عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان، وطرح كبديل للمجازفة بأرواح جنود أمريكيين، تكليف شركة تتولى إرسال قوات من المرتزقة وبتمويل من واشنطن يصل إلى بضعة مليارات سنويا، على أن يتحمل حلف الناتو قسطا من التكاليف بالإضافة إلى بلدان أخرى منها عربية وإسلامية.

وبرأي «فريدريكي بوجي»، المحررة المختصة بالسياسة الخارجية في صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» الألمانية، فإنه من السهل الدخول في حرب مقابل صعوبة إنهائها، وهذه هي خلاصة تجربة أوباما في أفغانستان والتي ورثها عنه ترامب، مثلما ورث استراتيجية الرئيس الأمريكي السابق حيال أفغانستان. ومعنى ذلك، أن الحرب سوف تستمر في الهندكوش، خاصة وأن مستشاريه العسكريين أقنعوه بذلك بعد اطلاعهم على تقارير وصور عبر الأقمار الصناعية، التي تؤكد انتشار مقاتلي طالبان في مختلف المناطق. وتعتمد واشنطن على المعلومات التي تتلقاها من أجهزة الاستخبارات التابعة لها ومن دول صديقة لها، لعدم وجود سفير لها في كابول حتى اليوم، كما تم إلغاء منصب المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، وفهمت بلدان إقليمية ذلك بأن شعار «أمريكا أولا» معناه الانسحاب تدريجيا من أفغانستان، مما جعل روسيا وإيران تنشطان سياستهما في أفغانستان لسد الثغرات التي يخلفها الانسحاب الأمريكي لتفادي سقوط أفغانستان مرة أخرى تحت سيطرة طالبان. وكتبت «فريدريكي بوجي» تقول «لقد كان خطأ أن يتدخل الغرب عسكريا في أفغانستان قبل ستة عشر عاما، بحجة الرد على هجمات 11سبتمبر 2001، كما كان خطأ أيضا، الانسحاب عام 2014 من أفغانستان، بحجة أن الوقت قد حان لكي تتحمل كابول مسؤولية الأمن والسلام، رغم عدم قدرة قوات الأمن الأفغانية على القيام بذلك، وهذه حقيقة كانت حكومات الدول المعنية بالأزمة الأفغانية تدركها جيدا.