أفكار وآراء

الاقتصاد في عالم مضطرب

30 أغسطس 2017
30 أغسطس 2017

مصباح قطب -

[email protected] -

العالم يموج بالتحولات والتبدلات طوال الوقت، وكما هو معهود فكل تحول سياسي ينعكس على ما هو اقتصادي والعكس صحيح أيضا، بل ان التحولات الثقافية والاجتماعية تقود كذلك الى نفس الأثر ، ولكل وزنه في التأثير بحسب موازين القوى والدوافع وطبيعة القيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وحراك المجتمعات، وعلى ذلك فالعالم مضطرب طوال الوقت في الأوضاع العادية بيد انه جرت العادة ان نصفه بانه كذلك فقط حين تقع أمور تدل على ان نقله نوعيه في مستوى التغيير، السلبي أو الإيجابي، ستقع.

قد لا يكون جديدا القول إن ما مرت به منطقتنا في السنوات الأخيرة اقترب من ان يكون شبيها بحرب عالمية ثالثة، حيث تصارعت القوى الدولية والإقليمية وتصادفت الإرادات والمصالح، وقعقع السلاح وتم قتل مئات الألوف من البشر وتدمير ما لا عدد له من المدن والقرى، وتهجير ملايين من عُبَّاد الله الى بلاد لا ترحب بهم ولا تردهم، وقامت أحلاف وسقطت أخرى، وانهارت البنى التحتية لأكثر من 7 دول عربية على الأقل، وانشطرت دول أخرى أو تشظت ولا يعرف احد متى يلتئم شتاتها مرة أخرى وهكذا، ورغم كل ذلك لا زال في العروبة عروق تنبض، أنشطه تدور ومصانع ومزارع تعمل أو تتوسع، وخدمات تتقدم وتنافس، وطموحات تنهض أو تحاول النهوض،لكن علامات الاستفهام هي الأخرى تطول وتتمدد، إذ هل سينبثق عهد جديد للتنمية والتعاون والرخاء لدول المنطقة أم أن الذين أضرموا النيران سيحاولون تجديد لعبة الدم والخراب التي أوشكت على نهايتها بطريقه أخرى؟. هل تعلمت المنطقة الدرس أخيراً بعد أن سارت في طريق الآلام منذ الحرب العالمية الأولى والى الآن وتجرعت ألوانا من الظلم والعدوان والغدر مرة بعد أخرى بسبب حسن النوايا تارة والغفلة تارة أخرى وضيق الأفق والمطامع الصغيرة مرة ثالثه؟. يبدو جليا الى أي ناظر ان ثمة ترتيبات اقتصادية و جيوسياسية جديده في العالم والمنطقة سيخسر كثيرا من لا يقرأون أبعادها بعناية ويستعدون لما بعدها بكل وعي وحزم، وأشير بصفة خاصة هنا الى عدة إشارات أساسية على طريق القادم الذي يتشكل في التو، فهناك أولا بنية علوية سياسية للعالم تتمثل في الأمم المتحدة وكياناتها التابعة  ستشهد بالقطع إعادة تشكيل جذرية وبما يعكس الموازين على الأرض حاليا وفي الأجل  المنظور، والواضح من الآن ان الديمقراطية العالمية النسبية التي تمتعت بها دول العالم من بعد الحرب الثانية والمتمثلة في نفوذ الجمعية العامة للأمم المتحدة ستتراجع وقد دلت شواهد في السنوات العشر الأخيرة على انه كان يتم كل يوم وعلى ايدي القوة الكبرى بشكل اخص ابتكار أدوات ومداخل لسحب البساط من تحت هذا التجمع، وبالتوازي مع ذلك ستتعاظم أهمية التكتلات الإقليمية أو القارية أو التجارية الجديدة كملاذ أمن على الأقل لعبور فترة انهيار النظام الأولي الراهن، وقد تابعنا جميعا المساعي التي تبذلها دوله مثل بريطانيا مثلا لإبرام اتفاقات مع اليابان والصين وغيرهما تعويضا عن خرجها من الاتحاد الأوربي وفى الوقت عينه تقود ألمانيا عمليه خاصه أي لها وعامة أي للاتحاد كله لإيجاد ركائز مختلفه بعد انسحاب بريطانيا وتهديدات ترامب بمزيد من الانعزالية الأمريكية أو الانسحاب الأمريكي من نظام اتفاقات التجارة الحرة القائم، وهناك مؤشر آخر ذو صله هو خفوت صوت منظمة التجارة العالمية وكل من البنك الدولي وصندوق النقد وربما حتى وزاره الخزانة الأمريكية فيما يتعلق بابتكار أدوات جديدة لتسوية المنازعات الدولية التجارية والاقتصادية، حتى بدا للعالم وكانهم هم أيضا ممن ينتظرون بزوغ النظام السياسي المرتقب أولا ليحددوا بعده مع الفائزين الجدد نوع ونطاق تلك الأدوات ومعها المعايير الجديدة التي ستتبع في إدارة النظام النقدي العالمي وكيفية تسويه المعاملات ودور وحدود كل عملة ربما بما في ذلك العملات الرقمية التي ستثبت جدارتها، و مؤشر آخر قد نكون نحن في العالم العربي أول من لمس اقتراب معالمه إلا وهو إعادة هيكلة المنطقة كلما أمكن وفقا لمصادر الطاقة الجديدة وعلى رأسها الغاز الطبيعي، ولا يمكن الى محلل مهما كان هواه ان يتعامى عن ربط الكثير مما حصل في المنطقة في السنوات الست الأخيرة عن طبيعة الاكتشافات الجديدة للغاز وأماكن تواجدها وتكلفة استغلالها والخطوط المعامل المطلوبة لتجميعها بعد الاستخراج و إسالتها ونقلها. أو شحنها للتصدير الخ، وقد رأينا كيف ان اكبر مستهلكي الغاز من القوى الصناعية الكبرى  واكبر منتجيه في المنطقة قد دخلوا في  صراعات وتحالفات ومناورات متشابكة ومتداخلة وجحيمية في معظم الحالات لهذا السبب، بيد ان طرفا وحده لن يستطيع ان يقرر حسب هواه ما الذي يجب ان تكون عليه خرائط المنطقة ، لأن بلادنا رغم كل الدمار وكما أوضحت عاليه لا زال فيها طموح ومصانع ومزارع وموانئ تعمل وأحلام تتخلق وأخرى تتحقق ووعي يصعد مبرأ من الشوائب خارجا من مصهر المِحنة الكبرى،

لقد تعلمنا الكثير كما أظن  ولا اعتقد انه سيسهل مرة أخرى جر العرب الى المنحدرات الخطرة التي اجرفنا إليها في نحو مائة عام المرة بعد الأخرى ،بيد ان العالم المضطرب هذا. يكون أيضا اكثر ضراوة في الاقتحام أو البحث عن مغانم حديده تديم رفاهية أبنائه، وتعوضه عما خسره في صراعات الكبار مع الكبار أو عما جرى منذ الأزمة العالمية الاقتصادية والمالية المتأججة منذ ٢٠٠٨ ومن هنا لا حل إلا يقظة.