أفكار وآراء

الثلاثي الذي سحب الولايات المتحدة من الحافة النووية

30 أغسطس 2017
30 أغسطس 2017

دويل مكمانوس/ ترجمة قاسم مكي -

لوس انجلوس تايمز -

بعد أن تهدد قوةٌ عظمى «بالنار والغضب» كيف يمكن لها أن تتراجع عن مثل هذا التصعيد؟ إنها تفعل ذلك بالمسارعة إلى دفع وزير خارجيتها ووزير دفاعها وقائد جيشها لطمأنة الزعماء الأجانب وحثهم على أخذ ما يقوله الرئيس مأخذ الجد ولكن ليس حرفيا . ذلك ما كان يفعله في الأيام الماضية كل من ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس وجوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، ويبدو أنهم نجحوا.

لقد حذر ترامب قبل نحو أسبوعين تقريبا بأنه سيمتشق «نارا وغضبا لم يشهدهما العالم من قبل إذا واصلت كوريا الشمالية إطلاق المزيد من التهديدات ضد الولايات المتحدة». ولكن ماتيس سارع إلى توضيح أن الخط الأحمر الأمريكي سيكون هجوما عسكريا وليس «هجمات لفظية».

وقبل عدة أيام فقط، بدا أن ترامب مستعد للقتال حين أعلن في تغريدة عن جاهزية سلاح قوات الولايات المتحدة في آسيا. ولكن دانفورد في أثناء زيارة له إلى كوريا الجنوبية خفض من درجة الحرارة بقوله «نحن نسعى للخروج من هذا الوضع بدون حرب» وربما لن تكون هنالك حرب بعد كل شيء.

فقد تراجع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون معلنا أنه قرر «تأجيل» خططه الخاصة بتوجيه ضربة صاروخية في مياه المحيط الهادي قريبا من منطقة جوام التابعة للولايات المتحدة. هل يشكل ذلك انتصارا «لنظرية الرجل المجنون». إنها الفكرة التي فحواها أن رئيسا يمكنه بلوغ غرضه ببساطة عن طريق بث الذعر في باقي العالم؟ ليس بالضرورة .

ومن جهة أخرى، يرى المسؤولون الأمريكيون أن الفضل في ذلك يعود إلى الوضوح القاطع لماتيس والتَّأَنِّي المُطَمْئِن لدانفورد والدبلوماسية الصبورة لتيلرسون، بل حتى بعض خبراء السياسة الخارجية من الحزب الديمقراطي بدا أنهم على استعداد للثناء على إدارة ترامب لتحقيقها تقدما في واحدة من أعقد مشاكل العالم. يقول إيلي راتنر، وهو مستشار لنائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن «توجد سياسة مدروسة تحت هذا الضجيج. إنهم يتبعون استراتيجية الضغط في حده الأعلى، وذلك بفرض نظام عقوبات غير مسبوق.... أعتقد أننا نمضي في الطريق السليم». لقد تمثلت الاستراتيجية الأساسية التي تستهدف الحيلولة دون تمكن كوريا الشمالية من صنع سلاح نووي يمكنه ضرب الولايات المتحدة في شن حملة متواصلة لكسب وُدِّ الصين، الجارة القوية لكوريا الشمالية وشريكتها التجارية، ودفعها للوقوف إلى جانب ترامب. فالضغط الاقتصادي والعسكري على كوريا الشمالية لن ينجح ما لم تعمل كل من الولايات المتحدة والصين معا.

وذلك هو السبب في أن أهم نجاح للولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية لم يكن تراجع كيم بشأن موضوع جزيرة جوام ولكنه كان قرار الصين بدعم وتطبيق عقوبات تجارية جديدة وأشد قسوة ضد كوريا الشمالية.

هذه القرارات نتجت عن نجاح ترامب في إقناع زعيم الصين شي جين بينج بأن المشكلة الكورية يجب أن تحظى بالأولوية القصوى في كلا البلدين وأن الصين يمكنها الحصول على مكافآت في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة إذا تعاونت. شمل السعي لتأمين مساعدة شي أيضا إشارات تصالحية من ماتيس وتيلرسون اللذين قالا إن الولايات المتحدة مستعدة للتفاوض مع كوريا الشمالية (وهو ما تريده الصين) دون شروط مسبقة وقاسية مثل الوقف التام للبرنامج النووي.

فقد ذكرا في مقال مشترك بصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قبل أيام أن الولايات المتحدة «ليست معنية بتغيير النظام أو تسريع إعادة توحيد كوريا. وإذا رغبت الصين في لعب دور أكثر نشاطا في تأمين السلم والاستقرار في المنطقة - الذي سنجني منه كلنا وخصوصا الصين منافع عظيمة - يجب عليها اتخاذ قرار بممارسة نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي الحاسم على كوريا الشمالية». قد يحين أوان القرارات الكبيرة التالية هذا الخريف حيث من المقرر أن يجتمع ترامب مع شي في بيجينج. ويعتقد خبراء الشؤون الصينية أن شي سيرغب حينها في إظهار تقدم هام حول مشكلة كوريا.

وسيطلق ذلك جدلا جديدا داخل إدارة ترامب. السؤال هو: ما نوع التنازلات التي ترغب الولايات المتحدة في تقديمها لحفز كوريا الشمالية على النظر في إنهاء برنامجها النووي أو على الأقل تجميده؟ وأيضا: إذا لم يتخلَّ كيم عن أسلحته، كما يتوقع الخبراء، هل ستكون الولايات المتحدة على استعداد لتبني سياسة «احتواء» بأمل ردع كوريا الشمالية المسلحة نوويا عن التفكير في استخدام هذه الأسلحة؟ إجابة الإدارة الأمريكية حتى الآن هي بالنفي. ولكن في الأجل الطويل، حتى مع مساعدة الصين في فرض عقوبات على كوريا الشمالية، قد لا يكون لديها خيار. يقول جيفري بادر وهو خبير في شؤون آسيا عمل سابقا ضمن موظفي مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما «الردع غير مرغوب. فهو غير ملائم في مواجهة نظام مثل النظام الكوري الشمالي. وهو يبدو سلبيا. ولا تريد أية إدارة أن تبدو سلبية.

ولكن هذا ما سيتبقى إذا فشل كل شيء آخر» رغما عن ذلك فالاحتواء أفضل من حرب «ساخنة»، خصوصا من حرب نووية ساخنة.. ومن الواجب الإقرار ببعض الفضل للرئيس ومعاونيه، وبالأخص ماتيس وتيلرسون ودانفورد لصُنعهم سلما يساعد قائدهم على الهبوط من فرع الشجرة الذي تسلقه.