أفكار وآراء

أفغانستان.. والاستراتيجية الأمريكية الجديدة

30 أغسطس 2017
30 أغسطس 2017

عبد العزيز محمود -

في عام ٢٠٠١ شنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على أفغانستان بتفويض من مجلس الأمن لتفكيك تنظيم القاعدة وإزاحة طالبان عن السلطة وهي حرب انضم إليها فيما بعد تحالف دولي يضم ٤٣ دولة.

في محاولة لاستلهام تجربة الرئيس جورج دبليو بوش والمحافظين الجدد، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجية أمريكية جديدة في أفغانستان، تتضمن توسيع نطاق العمليات العسكرية، وزيادة عدد القوات، وإعطاء صلاحيات أكبر للبنتاجون، والاعتماد بشكل أكبر على الشركات العسكرية الخاصة.

الاستراتيجية الجديدة تختلف عن تلك التي تبناها الرئيس باراك أوباما، خلال الفترة بين عامي ٢٠٠٩ و ٢٠١٧، والتي ركزت على خفض عدد القوات، لتقليص حجم الخسائر البشرية والمادية، والاعتماد بشكل أكبر على القوات الخاصة والمتعاقدين والمدربين ووحدات مكافحة الإرهاب التابعة للمخابرات المركزية.

كان أوباما يحاول كسب الحرب بقصف مواقع طالبان والقاعدة في أفغانستان وباكستان، واغتيال القادة الميدانيين، وتدريب الجيش والأمن الأفغاني، والسعي لمصالحة بين طالبان والحكومة في كابول، تمهيدا لسحب القوات الأمريكية، لكن استراتيجيته لم تنجح.

وهكذا اعتمد ترامب استراتيجية جديدة تتضمن استئناف العمليات العسكرية على نطاق واسع، وعدم إجراء أي تخفيض في عدد القوات، وعدم الاهتمام بإعادة بناء الدولة الأفغانية، والتركيز على قتال الأعداء وقتلهم.

ووفقا لهذه الاستراتيجية فإن القوات العاملة في أفغانستان، والتي انخفض عددها من ١٤٠ ألفا إلى ١٢ ألفا، سوف يتم زيادتها، في إطار القوات الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان والمعروفة باسم (إيساف)، وفي ظل تصور يرى أن هذه القوات وجدت لتبقى ربما حتى عام 2024.

ومن الواضح أن الولايات المتحدة قررت اعتماد حرب مفتوحة ضد طالبان والقاعدة دون تحديد جدول زمني، بهدف أساسي هو الحيلولة دون سيطرة طالبان من جديد على أفغانستان، ومنع التنظيمات الأصولية الجهادية وفي مقدمتها القاعدة وتنظيم الدولة ـ داعش - من تحويلها إلى ملاذ آمن ومركز لعملياتها.

كما تستهدف الاستراتيجية الجديدة الضغط على باكستان، للتعاون بشكل أكبر في الصراع الدائر ضد طالبان والقاعدة، وهي نفس السياسة التي تتعامل بها واشنطن حاليا مع الصين لحثها على التعاون معها في النزاع مع كوريا الشمالية.

كان الهدف الأساسي للحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد أفغانستان في عام ٢٠٠١ هو مواجهة الإرهاب، وحرمان الإرهابيين من ملاذ آمن، وهي نفس الحجة التي يتذرع بها الرئيس ترامب حاليا لمواصلة الحرب، مؤكدا أن أي انسحاب أمريكي سوف يوجد فراغا لن يستفيد منه إلا التنظيمات الإرهابية.

ويبدو أن إدارة ترامب مصممة على مواجهة كافة الجماعات الأصولية المتطرفة التي تتمركز في أفغانستان ، والتي تضم أيضا الجهاديين الكشميريين والانفصاليين الاوجور – الصينيين - والمتمردين الشيشان ، والحركة الإسلامية لأوزبكستان، وهي حركات مسلحة عابرة للحدود.

لكن استراتيجية ترامب التي تحظى بترحيب من حكومة كابول، تواجه اعتراضات من فصائل وشخصيات أفغانية داعمة للولايات المتحدة، باعتبارها تشكل توسيعا لدائرة الصراع وإطالة لأمد الحرب وتهديدا للسيادة الوطنية الأفغانية بشكل أو بآخر .

وفي المقابل توعدت حركة طالبان بإلحاق الهزيمة بالقوات الأمريكية، وهو تهديد لا يجب الاستخفاف به، فالحركة ألحقت خسائر مادية وبشرية كبيرة بالقوات الأمريكية وحلفائها، وتسيطر الآن على ١٦ ولاية من بين ٣٣ ولاية أفغانية، وتواصل تقدمها الميداني، نتيجة لتحالفها مع القاعدة ونفوذها بين القبائل، وحصولها على السلاح من مصادر متعددة من بينها روسيا.

وهكذا تركز الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على منع طالبان من السيطرة مجددا على أفغانستان، وتحويلها إلى معقل للجهاديين الأصوليين، وفي مقدمتهم تنظيم داعش ، الذي يسعى للانتقال إلى أفغانستان وباكستان بعد الهزائم التي مني بها في العراق وسوريا، وهو وضع قد يشكل تهديدا كبيرا للاستقرار في باكستان أيضا .

لكن هذه الاستراتيجية تواجه معارضة قوية من جانب الصين وروسيا، فبكين تعتبرها تهديدا للأمن الإقليمي وجهود إحلال السلام في أفغانستان، بينما تعتبرها موسكو تهديدا لأمنها القومي، خاصة وأن توسيع العمليات العسكرية الأمريكية سوف يتم بالقرب من حدودها الجنوبية.

وهكذا يتواصل الصراع الدولي حول أفغانستان، ليس فقط بسبب أهميتها الجيوسياسية، حيث تقع في موقع يحده إيران في الغرب وباكستان في الجنوب والشرق والصين في أقصي الشمال الشرقي وروسيا في الشمال وأوزبكستان وطاجيكستان في الشمال الغربي، ولكن أيضا للسيطرة على ثرواتها، فأفغانستان لديها احتياطي هائل وغير مستغل من النفط والغاز والذهب والنحاس الأصفر والحديد الخام، وأكبر احتياطي عالمي من الليثيوم، الذي يستخدم في صناعة أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.

والأهم من ذلك أن من يسيطر على أفغانستان يسيطر على تجارة الأفيون العالمية، حيث ينتج هذا البلد نحو ٩٠ ٪ من الإنتاج العالمي من الخشخاش، ويصدر ٧٥٪ منه إلى الخارج، بهدف تحويله إلى هيروين يباع في روسيا وأوروبا، وتستخدم عائدات الأفيون في تمويل الصراع الأفغاني.

في عام ٢٠٠١ شنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على أفغانستان بتفويض من مجلس الأمن لتفكيك تنظيم القاعدة وإزاحة طالبان عن السلطة وهي حرب انضم إليها فيما بعد تحالف دولي يضم ٤٣ دولة.

واليوم وبعد ١٦ عاما مازال الوضع في أفغانستان مترديا على المستويين العسكري والسياسي، فحرب العصابات والعمليات الانتحارية التي تشنها طالبان والقاعدة لم تتوقف، والأهداف الرئيسية للحرب لم تتحقق، وواشنطن وحلفاؤها لم يتمكنوا من تحقيق انتصار حاسم.

وهو وضع لا يمكن تغييره وفق تقديرات البنتاجون إلا بإرسال عشرات الآلاف من الجنود، وتخصيص عشرة مليارات دولار إضافية، وفترة زمنية لا تقل عن خمس سنوات، وهي استراتيجية لا تستهدف بالدرجة الأولى حسم الحرب، بل إطالة أمدها ، لتبرير استمرار الوجود الأمريكي.

هذا الوجود الذي تم التخطيط له قبل عقدين، في إطار سياسة تستهدف تعزيز الوجود الأمريكي اقتصاديا وتجاريا وسياسيا وعسكريا في وسط وجنوب آسيا، للجم النفوذ الصيني والروسي والإيراني، ومنع الصين تحديدا من أن تتحول إلى قوة إقليمية مهيمنة.

والسؤال هو هل تنجح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان فيما فشلت فيه الاستراتيجيات السابقة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام والأشهر وربما السنوات القادمة .