أفكار وآراء

الحاجة للاستثمار السياحي للجبال العمانية

27 أغسطس 2017
27 أغسطس 2017

د. سيف بن سليمان المعني -

[email protected] -

يمكن إعطاء تسهيلات ودعم مباشر وغير مباشر للمستثمرين في القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع سياحية بهذه الجبال، إلى جانب إمكانية تأسيس شركات قطاع خاص عبر الاكتتاب العام كما تفعل الكثير من الدول في تمويل المشاريع الضخمة، أو بتمويل من صناديق الاستثمار بدلًا من البحث عن استثمارات خارج السلطنة.

أكاد كل يوم أنظر إلى جبال الحجر، بشموخها، وبتضاريسها، وتعرجاتها وصخورها المتعددة الألوان، فهذه الجبال تحتضن عماننا الحبيبة من شمالها ووسطها وجنوبها، وكأنها تقول كم أنت غالية يا عمان، وكل قرية تطلق على الجزء القريب منها أسماء مختلفة تعكس الهوية والموقع، فلو نطقت هذه الجبال الصامتة لروت لنا قصصا وحكايات عن حضارة الإنسان العماني وروعة الأرض والمكان، فهي شاهدة على الكثير من تاريخ أجيال مرت فيها ومن حولها وعاشت وتركت بصمات الماضي على صخورها، ومازالت هذه الجبال العاتية بشموخها، وهيبتها، تتربع في موقعها، بينما البشر يتعاقبون عليها.

يا ترى كم من الأجيال عاشت هنا، وما الذي كان يشدهم ليعيشوا على هذه القمم العالية؟ وبطبيعتها الجغرافية القاسية؟ ومما لا شك فيه سنكون جزءًا من تاريخ هذه الجبال لترويه أجيال قادمة من بعدنا، وستظل هي صامدة في مكانها وكأنها تراقب حياة الإنسان العابرة الفانية لتدون تاريخه وحضارته، ولسان حالها يقول، أنا هنا باقية، أنا لست حكاية منسية.... أنا أنشودة محكية... في خاطرة الزمان وفي ذاكرة الإنسان... هذه الجبال تناشد المستثمرين أن يأتوا إليها ويكتشفوا مكنونها وخباياها ليراه العالم في قالب سياحي جميل ومتطور، فتقطيع صخورها فقط ليس كافيًا فمهما كانت المناشير حادة لكن قوة وعظمة هذه الجبال أكبر من أن تفنيها.

تمتد سلسلة جبال عمان من أقصى شمال عمان حيث قمم جبال مسندم التي تعانق البحر، حتى رأس الحد بطول نحو 700 كيلومتر، وفي أقصى الجنوب من السلطنة هناك جبال ظفار، وأهمها جبل سمحان.

وعندما نتحدث عن جبال عمان للوهلة الأولى تتبادر لأذهاننا مرتفعات الجبل الأخضر حيث يبلغ أقصى ارتفاع لقمة جبل شمس عن مستوى سطح البحر نحو 3 آلاف متر، وجبل الكور، وجبل السراة، وهي جميعها تمتاز بمعالم بكر تتمثل في أشكالها وتكويناتها، وأشجارها خاصة أشجار العلعلان، والذي مازال الكثير من مكنوناتها يحتاج إلى استكشاف واستثمار سياحي، خاصة الكهوف وأنواع الصخور، والأشجار، والطيور، والحيوانات.

أما تنوع الطقس فتلك ميزة قلما وجدت في المنطقة حيث يمكن للجبل الأخضر وكذلك جبل الكور أن يحتضنا منتجعات سياحية عديدة ومتنوعة، يأتي إليها السياح من الداخل والخارج، في وقت يهرب الناس من شدة حرارة الصيف إلى مناطق أبرد، فطبيعة هذه الجبال واعدة لمثل هذا النوع من السياحة، والسائحين في العديد من الدول في المنطقة وخارجها ، تتشوق لمثل هذا النوع من السياحة بدلا من الذهاب إلى مناطق بعيدة يكون فيه عامل اللغة عائقا لهم.

لم أفكر يومًا بأن هذه الجبال العالية، ذات أهمية كبيرة للتنمية السياحية، حتى سنحت لي الفرصة لزيارة منطقة جبلية بجمهورية الصين الشعبية تسمى «زهنج جيا جيه»، وهي منطقة جبلية وعرة تتشابه إلى حد كبير مع تضاريس جبال عمان، لكن الفرق فيما بينهما أن سلسلة جبال «زهنج جيا جيه»، تم استغلالها سياحيًا، بينما بقينا في السلطنة ننظر لهذه الجبال أو نقوم بتقطيع أوصالها لتصديرها للعالم كمنتجات صخرية.

وكمثال على حسن استغلال المرتفعات الجبلية، قامت الصين بتشييد عدد كبير من العربات المعلقة (Cable Cars) تبدأ من أسفل المدينة حتى تصل إلى أعلى القمم، وبالتالي ربط المناطق السياحية ببعضها، ليسهل الوصول والانتقال إليها، في قالب سياحي مبتكر، مما جعلها وجهة سياحية ضخمة يرتادها السياح من داخل وخارج الصين.

جبال السلطنة قد لا تكون متماثلة تمامًا مع الجبال الصينية من حيث اللون والشكل بل تنفرد بخصوصيتها الجيولوجية، والمعالم التي تبرزها كتاريخ للتغيرات والاختلافات التي مرت بها عبر ملايين السنين مثيرة ومشوقة، أكسبها خصوصية في منطقة شبه الجزيرة العربية، وصفات تبحث عن علماء الجيولوجيا لتصنيفها وتبويبها.

هذه الجبال الجميلة الزاهية بألوانها المختلفة وطبيعتها الجذابة ليست مستغلة استغلالا سياحية يليق بجمالها وأشكالها المتنوعة، وما أقوله عن سلسلة جبال الحجر الغربي، بالتأكيد ينطبق على جبال صلالة الخضراء، وكذلك الحال بجبال مسندم.

لقد استغل الصينيون المرتفعات الجبلية أفضل استغلال، وطوروها بابتكاراتهم سياحيا، ونمت كل المناطق من حولها، وأصبحت مناطق سياحية ضخمة، فقد تحول الريف الفقير المتخلف في تلك المناطق إلى منتجعات سياحية ضخمة خلال 23 سنة فقط، كما زودت بجميع أنواع الفنادق والخدمات، وأصبحت تعج بالحركة السياحية على مدار العام، والسبب في ذلك يعود إلى أنها طورت سياحيا وربطت بالعربات المعلقة الكهربائية «Cable Cars» والمصاعد المتحركة للانتقال بين المرتفعات، وبالطبع نمت الأماكن التي تبدأ منها والتي تصل إليها بشكل كبير، وكذلك الحال نمو مداخيل السكان المحليين التي تمر من خلالها وأصبح فقراؤها الفلاحون من الأغنياء يملكون الفنادق ويعملون بالسياحة.

رب سائل يقول وهل النمو السياحي بالمرتفعات الجبلية يتمثل فقط بوجود العربات المعلقة للصعود إلى هذه المرتفعات الجبلية، الجواب طبعا لا، فلا بد أن يكن هناك منتج سياحي متكامل للمنطقة المستهدفة، وما يستحق مشاهدته خلال رحلة الصعود والتجوال أو النزول من المرتفعات الجبلية عبر العربات المعلقة، إضافة إلى الطبيعة الجبلية الخلابة، في نظري المرور عبر الأودية ومشاهدة تلك الصخور الضخمة والتكوينات الجيولوجية (كوادي حلفين مثلا) والكهوف المكتشفة التي يصل عمرها إلى ملايين السنين تستحق المشاهدة، ويمكن الانتقال بين قصص جيولوجية مختلفة باختلاف المكان، بعض هذه التكوينات مثيرة وتجذب السياح إليها كالطيات الجبلية، والصدوع المختلفة، المنتشرة على طول سلاسل جبال عمان لمسافات طويلة، هنالك أيضًا بقايا الحفريات والكائنات البحرية المتحجرة، أو الغابات المتحجرة، يمكن أن تكون جزءًا من هذا المنتج السياحي الجبلي العماني الفريد. لدى السلطنة والحمد لله صناعات تقليدية وحرفية، يمكن ترويجها كمنتجات عبر مواقع المحطات التي ستصل إليها العربات المعلقة كما تفعل العديد من الدول في الترويج السياحي، وعلى الرغم من أن تسويق المنتجات التقليدية موجودة الآن على جوانب الطرق المؤدية إلى هذه الجبال كجبل شمس، لكن ينقصه التنظيم السياحي، إلى جانب المقاهي والمطاعم، وبالتالي ربط خط سير العربات المعلقة بشبكة المواصلات العامة أو الخاصة، سواء كان في المحطات بأسفل الجبال أو على المرتفعات الجبلية. مثل هذه المشاريع ستضيف إلى سلسلة مناطق الجذب السياحي بالسلطنة وستزيد من أعدادها، وستوجد فرص عمل كثيرة، وليس بالضرورة أن تتحمل الحكومة تكاليف بناء وتشغيل هذه المشاريع، بل يمكن إعطاء تسهيلات ودعم مباشر وغير مباشر للمستثمرين في القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع سياحية بهذه الجبال، إلى جانب إمكانية تأسيس شركات قطاع خاص عبر الاكتتاب العام كما تفعل الكثير من الدول في تمويل المشاريع الضخمة، أو بتمويل من صناديق الاستثمار بدلًا من البحث عن استثمارات خارج السلطنة ويكون دور الحكومة تبسيط وتسريع الإجراءات في هذا المجال ووضع الأطر المناسبة لتحقيقه وتنميته لصالح الوطن والمواطن العماني.