المنوعات

تشريح الإرهاب: منذ موت ابن لادن إلى صعود الدولة الإسلامية

26 أغسطس 2017
26 أغسطس 2017

ميتشيكو كاكوتاني  -

ترجمة: أحمد شافعي -

في كتابه الجديد والمهم واللافت «تشريح الإرهاب: يقارن عميل المباحث الفدرالية الأمريكية السابق علي سوفان بين القاعدة وفرعها المعروف بـ«داعش» من ناحية، وشخصية هيدرا في الميثولوجيا الإغريقية، تلك التي تقطع لها رأسها فينمو بدلا منه اثنان.

بعد أكثر من عقد ونصف العقد على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعد مرور نصف دزينة من السنوات على مقتل أسامة بن لادن، يكتب سوفان أن «سرطان ابن لادن انتشر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما وراءهما، تحمله ناقلات أسرع منه تكاثرا».

ويمضي فيقول إنه «في حين كان للقاعدة في 11/‏‏9 قرابة 400 عضو، فإن لديها الآن آلافا وآلافا في الفروع والأتباع المنتشرة من سواحل المحيط الهادي إلى سواحل المحيط الأطلنطي». ويلاحظ أن حمزة بن لادن ـ الذي تجاوز العشرين من العمر ـ «ونشأ على الحماس للجهاد والتصميم على اقتفاء» خطى أبيه «يجري إعداده للقيادة» مع العديد من أخلص معاوني أبيه. في الوقت نفسه أدخلت داعش القتل الجماعي إلى العراق وسوريا، ونفذت أو ألهمت هجمات في أكثر من عشرين بلدا.

مثلما فعل في كتابه الرائج الصادر سنة 2011 بعنوان «الرايات السود» يكتب سوفان منطلقا من معرفة واسعة وسلطة كبيرة. فقد كان كبير المحققين في تفجير المدمرة الأمريكية كول ومشرفا على عمليات مكافحة الإرهاب والتحقيقات المحيطة بأحداث 11 سبتمبر. وكان له دور محوري في تحديد مختطفي الطائرات ودور خالد شيخ محمد في تدبير هجمات 11/‏‏9، ولم يستخلص تلك المعلومات من خلال التعذيب و«تقنيات الاستجواب المتقدمة»، بل بالتعمق في موضوعه، وإقامة علاقات مع المتهمين، ومناقشتهم في تأويلات القرآن، واستعمال ما عفا عليه الزمن من الوسائل المنطقية والسيكولوجية.

أصبح سوفان ـ الذي ترك الإف بي آي في عام 2005 ـ ناقدا جهيرا لما اتبعته إدارة بوش وعرف باسم «تقنيات الاستجواب المتقدمة»، مصرا على أن التعذيب خطأ من الناحية الأخلاقية وأنه من الناحية العملية عاجز وخطر إذ يفضي إلى استخلاص معلومات زائفة لا يمكن الاعتماد عليها، ويساعد الإرهابيين في تجنيد المزيد من الأتباع.

في «الرايات السود» قدم سوفان رواية مقنعة من خبير، عرض فيها الجهود الأمريكية لتعقب مرتكبي هجمات 11/‏‏9، وحكى قصة القاعدة حتى وفاة ابن لادن. وكتابه الجديد يغطي نفس الأرضية لكنه يركز على الجماعة الإرهابية بعد وفاة ابن لادن، وكيف تطورت هي وداعش منذ ذلك الحين، وفلسفتاهما المختلفتان، ومنحنياهما المتباينان، وكيف أثرت شخصيتا زعيميهما في تكوينهما. وفي ما يخص العلاقة بين أسامة بن لادن ذي الصوت الهامس وأبي مصعب الزرقاوي المقاتل الوحشي مؤسس الجماعة التي تحولت إلى الدولة الإسلامية، ينقل سوفان عن ضابط مخابرات قوله إنها كانت علاقة «اشمئزاز من النظرة الأولى».

كثير من هذا تناولته كتب سابقة مثل «الرايات السود: صعود داعش» لجوبي واريك، و«داعش: من داخل جيش الإرهاب» لمايكل وايس وحسان حسان و«داعش: دولة الإرهاب» لجيه بي بيرجر، لكن ميزة سوفان أن سرده يأتي معتمدا على خبرة مباشرة ميدانية في تعقب عناصر القاعدة واستجوابهم. ولا يحكي «تشريح الإرهاب» مجرد قصة آسرة، بل يمتلئ برؤى عميقة تضع الهجمات التي تنفذها داعش والقاعدة اليوم في منظور التاريخ وتعقيدات المنطقة الجيوسياسية.

يبرز سوفان الدور الكارثي الذي لعبه غزو الولايات المتحدة للعراق واحتلالها إياه في تغذية الإرهاب، وخلق فوضى العراق وفراغ السلطة فيه ـ ليصبح حاضنة مثالية للعنف والمجازر.

لقد اتخذ الأمريكيون في العراق قرارين كارثيين ثبت أنهما قاتلان، هما قرار حل الجيش العراقي وقرار فصل أعضاء حزب البعث العراقي التابع لصدام حسين من مناصبهم. يكتب سوفان أن القرارين أصابا بالمرارة أولئك المتعطلين البعثيين «فسرعان ما صاروا العمود الفقري للدولة الإسلامية الجديدة في العراق». ويضيف أن «هؤلاء الرجال بما لديهم من خبرة حكومية واستخباراتية وعسكرية جعلوا أنفسهم أشخاصا لا غنى عنهم لكل من المنجزات الميدانية العسكرية لداعش وللتكتيكات الإرهابية التي طبقوها على المواطنين العاديين».

يصف الكاتب ببراعة المنهج الشائن الذي نقلته داعش جزئيا عن نظام صدام حسين، واتبعته في الأراضي التي اعتدت عليها في العراق وسوريا منذ 2013. ففي كل بلدة تبدأ بافتتاح ما يبدو أنه مركز إسلامي، ثم تنتقي من الشباب المتحمس من «يبلغون عن جيرانهم ويتجسسون على أي جماعات متمردة منافسة في المنطقة». وفي ثنايا جمع المعلومات ووسائل ابتزاز المواطنين تبدأ داعش تركيز «مقاتليها في المنطقة، وغالبا ما يكونون أجانب لا تؤلمهم ضمائرهم من قتل أبناء المنطقة أو إذلالهم. وحين يرى الفصيل المحلي أنه حشد من الأتباع ومن القوة ما يكفي، يعلن عن نفسه ويستولي على الحكومة في البلدة بالعنف لو لزم الأمر». ويتم اغتيال زعماء الجماعات المنافسة وقتل كل من يعارض حكم داعش، فأرغمت تلك التكتيكات الإرهابية القبائل المحلية على الخضوع.

في فصول أخرى يقدم الكاتب صورة تفصيلية للعملية البيروقراطية المتبعة في القاعدة، واصفا رؤية بن لادن للتاريخ وطريقته في الإدارة («أرجو موافاتي بالسير الذاتية لجميع الأخوة الذين قد يتم ترشيحهم للمناصب الإدارية العليا حاليا أو في المستقبل»)

ومثل هذا الفصل يبين كيفية عمل الجماعات الإرهابية من يوم إلى يوم. كما يستعمل سوفان بعض التكتيكات التي تعلمها كمحقق ليتوغل في رؤوس شخصياته، فيرسم العناصر التي تؤدي بالكثيرين إلى أن يصبحوا جهاديين والطرق التي تستعمل بها القاعدة وداعش البروباجندا في تجنيد الأعضاء وترويج الأفكار.

يستشهد الكاتب بـ صن تسو (صاحب «فن الحرب») في قوله «اعرف عدوك» مضيفا أن التمثل أداة نافعة في هذه الحرب «لا بمعناه المعتاد من تبن لمنظور الآخر، بل بمعناه العيادي من قدرة على رؤية العالم بعيني شخص آخر». ومن خلال فهم القاعدة وداعش يمكننا ـ بحسب ما يكتب ـ أن نحسِّن أداءنا في «محاربة الأيديولوجيا التخريبية التي يمثلانها».

نيويورك تايمز