أفكار وآراء

السندات والصكوك.. الأدوات المالية المفضلة في أسواق المال

26 أغسطس 2017
26 أغسطس 2017

د. محمد رياض حمزة -

أدركت الإدارات المالية في الاقتصادات الخليجية منذ مطلع عام 2015 أن موازناتها السنوية عرضة لتسجيل عجوزات متوالية بسبب التراجع الكبير في أسعار النفط. فلجأت إلى الاستدانة من المصادر المحلية والعالمية. وتمثلت تلك الديون بإصدار عدد من الأوراق المالية القابلة للتداول تمثلت بأذون الخزانة والسندات والصكوك وبمسميات مختلفة. وبالرغم من أن إصدار تلك الأوراق المالية وبيعها وتوفير السيولة النقدية الآنية للإيفاء بالمصروفات العامة كما قُدرت في الموازنات المالية، إلا أن دفعها عند استحقاقها مع فوائدها إن لم تكن إنتاجيتها منذ الاكتتاب عليها وحتى وقت استحقاقها قد وفرت سيولة إضافية فإن على الدولة المصدرة أن تلجأ لديون أخرى للإيفاء باستحقاقاتها.

ومن العوامل المشجعة لإصدار السندات من قبل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي التصنيف الائتماني المرتفع للحكومات الخليجية رغم تراجعه مؤخرا. كما أن الثقة الائتمانية للسندات والصكوك عندما يكون مصدرها الدولة فتيسر قبولها وقت الاكتتاب عند إصدارها. وكذلك فإن أسعار فائدتها المرتفعة مقارنة بأسعار الفائدة على الودائع في البنوك التجارية شجع مشتريها. يضاف إلى ما تقدم مرونة حيازتها والتصرف بها كأوراق مالية قابلة للتداول بأي وقت في أسواق المال. وبإصدار الصكوك والسندات السيادية من قبل حكومات دول المجلس وتسهيل تداولها تكون قد ساعدت على تطوير أنشطة أسواق المال.

وقد أصبح لجوء دول المجلس لإصدار أوراق مالية سيادية منذ تراجع أسعار النفط أكثر من أي وقت سابق نظرا لتوقعات بالمزيد من تراجع الإيرادات المالية التقليدية. وبذلك تعين على دول المجلس التحسب في وضع الموازنات السنوية في ضوء المتوقع من تأمين السيولة النقدية للإيفاء بالمصروفات العامة من جهة وسد العجز من جهة وتوفير رأس المال عند استحقاق الديون. وقد لوحظ ميل دول مجلس لتقليص الإنفاق العام في الموازنات السنوية على أمل نقل بعض العبء المالي على القطاع الخاص في تنشيط السوق المحلية. كما لوحظ صدور قرارات بتقليص دعم الأسعار وفرض رسوم وضرائب بما يسهم في توفير سيولة نقدية إضافية. وتزايدت الثقة بالصكوك التي تصدرها الدول النفطية وانتشارها عالميا مع ارتفاع وتعدد المنتجات التابعة لها مثل صكوك الإجارة والسلم والمضاربة وغيرها، وقد أظهرت تقارير لمتابعين ومراقبين مهتمين بالصكوك الإسلامية التي حققت نجاحاً متميزا منذ العمل بها خلال الأعوام الماضية.

ومن التدابير الأخرى في النظم النقدية وقت شح الإيرادات المالية لتوفير السيولة للخزينة العامة، ليس فقط إصدار الأوراق المالية السيادية، وقد يتم برفع سعر الفائدة على الودائع. ففي دول الخليج العربية بقيت أسعار الفائدة محدودة جدا مما حدّ من أنشطة الادخار على اعتبار أن الفائدة على الودائع غير مشجعة. فخبراء صندوق النقد الدولي يرون أن «تباطأ نمو الودائع المصرفية للأفراد والقطاع الخاص يعني تفاقم العجز المالي الكلي للدول مما يضعف تصنيفها الائتماني ويقلص الثقة بالصكوك أو السندات التي تصدرها».

تصدرت المملكة العربية السعودية إجمالي إصدارات سوق السندات والصكوك الخليجية خلال عام 2016، بقيمة إجمالية بلغت 45.137 مليار دولار من خلال 18 إصداراً، أو نسبة 44.06% من إجمالي قيمة الإصدارات خلال عام 2016. أما الإمارات، فقد قامت بإصدار 24.261 مليار دولار خلال عام 2016 وبنسبة 23.68% من إجمالي قيمة الإصدارات خلال العام. وبلغت إصدارات المؤسسات القطرية 19.222 مليار دولار من خلال 97 إصدارا في عام 2016، وهو ما يمثل 18.77% من إجمالي قيمة الإصدارات. وخلال عام 2016، حصل 164 إصداراً، تمثل نسبة 53.1% من إجمالي إصدارات الشركات والحكومات، على تصنيف ائتماني واحد أو أكثر من قبل إحدى وكالات التصنيف الائتمانية “ موديز» وستاندرد آند بورز، وفيتش، وكابيتال انتلجنس.. وحصل 153 إصدار من هذه الإصدارات على تصنيف ائتماني بدرجة استثمارية. وتم إدراج 117 إصدارا من السندات والصكوك بقيمة إجمالية بلغت 58.157 مليار دولار في الأسواق المالية بنســــبة 37.9% من إجمالي قيمة الإصـــدارات خلال العام.

وبلغت نسبة الصكوك والسندات المدرجة في الأسواق المالية العالمية 91.3% من إجمالي قيمة الإصدارات المدرجة وبعدد 104 إصدارات بقيمة إجمالية 53.10 مليار دولار. وأما الإصدارات العُمانية، فقد مثلت 5.75% من إجمالي قيمة الإصدارات، وجمعت 5.892 مليار دولار من أصل 12 إصداراً. في حين مثلت إصدارات المؤسسات الكويتية ما نسبته 4.4% من إجمالي قيمة الإصدارات بقيمة بلغت 4.525 مليار دولار من خلال 12 إصداراً. ومثلت إصدارات المؤسسات البحرينية ما نسبته 3.31% من إجمالي قيمة الإصدارات وجمعت 3.390 مليارات دولار من خلال 4 إصدارات.

وفي 21 من أغسطس 2017 أعلن البنك المركزي العماني عن طرح الإصدار (54) من سندات التنمية الحكومية للاكتتاب العام عن طريق المزاد التنافسي بقيمة (150) مليون ريال عماني لمدة استحقاق تبلغ عشر سنوات بسعر فائدة أساسي (كوبون). (5.75) بالمائة سنويًا. وتستحق السداد في العشرين من شهر سبتمبر عام 2027م، كما سيتم دفع الفائدة المستحقة على السندات الجديدة مرتين في العام وذلك في العشرين من شهر مارس والعشرين من سبتمبر وتضمن حكومة السلطنة هذه السندات ضمانًا مباشرًا وغير مشروط. وعليه يمكن الاقتراض بضمان هذه السندات من البنوك المحلية المرخصة، بالإضافة إلى إمكانية التعامل فيها (بيعًا وشراءً) بالسعر السائد بالسوق من خلال سوق مسقط للأوراق المالية. وأفاد البنك المركزي بأن الإصدار رقم (54) من سندات التنمية الحكومية متاح لاكتتاب جميع فئات المستثمرين من داخل السلطنة وخارجها (بصرف النظر عن جنسياتهم)».

من سنة لأخرى تُعزز الثقة الائتمانية بحكومة السلطنة وبمؤسساتها الاقتصادية وبالإيفاء بالتزامات المالية محليا وخليجيا وعربيا ودوليا. (ويمكن اعتبار كل من وزارة المالية والبنك المركزي العماني المؤسستين اللتين ضمنتا للاقتصاد الوطني العماني استدامة النمو واستقرار نظامه النقدي، وهما المؤسستان المعنيتان بالتصدي للتحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني وتجاوز واقع تدني أسعار النفط. فعند استعراض بعضٍ من صلاحيات وزارة المالية واختصاصاتها فإنها تؤكد أعلى درجات الثقة بقوة الاقتصاد العماني وتعزيز فرص الاستثمار في السلطنة. فوزارة المالية تقترح السياسات والخطط المالية والإجراءات اللازمة لتنفيذها. وتنفذ السياسات والخطط المالية المعتمدة، وتتابع تنفيذها. وتدرس وتحلل المتغيرات المالية الدولية أو الإقليمية ومدى تأثيرها على السياسات والخطط المالية. وتدرس وتُقَيِّم الأداء المالي لأنشطة القطاعات الاقتصادية وتطورها واتجاهاتها، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية. وتعمل على تنمية وتطوير العلاقات في المجالات المالية فيما بين السلطنة وغيرها من الدول. وتعد مشروع الموازنة العامة للدولة، وتتخذ الإجراءات اللازمة لترشيد الإنفاق العام.

أما البنك المركزي العماني فإنه يعمل على ضمان استقرار قيمة العملة الوطنية العمانية على المستويين المحلي والخارجي. كما أن البنك يعتبر المسؤول عن تنظيم قطاع الخدمات المالية وتكامله. واستقرار النظام النقدي للسلطنة. ويوفر البنك الخدمات المالية والنقدية للبنوك التجارية العاملة في السلطنة، والعمل على يُسْر تداول العملة الوطنية في إطار القانون. ويعمل البنك على تنمية القطاع المالي ليكون سندا لاستدامة تنمية الاقتصاد الوطني.

ويأتي إصدار أذون الخزانة والصكوك السيادية وسندات التنمية في السلطنة وفق رؤية مدروسة لبرنامج يتوالى تنفيذه لمشاريع إنتاجية واعدة توفر إيرادات مالية تتجاوز الإيرادات النفطية.

ولعل إعادة النظر في النظم الضريبية في السلطنة بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة يمكن أن يوفر سيولة نقدية مريحة تحد من اللجوء للقروض المباشرة وغير المباشرة.

 

mrhamza1010@gmail .com