أفكار وآراء

ألمانيا .. ومحاولات لتخفيف التوتر بين أمريكا وكوريا

25 أغسطس 2017
25 أغسطس 2017

سمير عواد -

بعد الحرب الكلامية التي دارت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين كيم جونج أون، زعيم كوريا الشمالية، وإلى حد جعل المراقبين يتحدثون بحذر حول احتمال وقوع مواجهة مسلحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، أصبح السياسيون الألمان يتوقعون أن يفعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كل شيء ممكن، ليحقق أهدافه السياسية والعسكرية. خاصة أنه لا يزال يأمل في أن تعود شعبيته للارتفاع .

وكانت برلين، تستبعد حتى وقت قريب، أن يفكر ترامب باستخدام الترسانة النووية، لكنهم بدأوا يتراجعون عن الشعور بالأمان، بعد أن أخذت تصريحاته ترامب ومنافسه كيم جونج أون، تزداد سخونة بحيث هدد ترامب «بالنار والغضب».

والمؤكد أن وقوع حرب نووية ليس مسألة تخص الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية فقط، وإنما هي مسألة تهم العالم بأسره. وأصبحت برلين تعتقد أن ترامب قد يلجأ إلى أي وسيلة متوفرة لديه للرد بحزم على كوريا الشمالية إذا شعر أنها تهدد أمن بلاده وقال إنه سوف يلقن الزعيم الكوري الشمالي درسا لن ينساه إذا فكر أن يمس أمن القوة العظمى.

ويعتقد خبراء عسكريون ألمان أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية، كما أن كوريا الشمالية تملك أسلحة نووية لكن ليس بنفس العدد الضخم الذي تملكه واشنطن. وقالت تقارير صحفية ألمانية أخيرا أن كوريا الشمالية نجحت في امتلاك أسلحة نووية بمساعدة من روسيا وبرضا الصين.

وردا على سؤاله إذا كانت ستنشأ فعلا حربا نووية أعرب زيجمار جابرييل، نائب المستشارة وزير الخارجية الألماني عن قلقه العميق من احتدام الحرب الكلامية بين ترامب وكيم جونج أون، وقال: «إننا نراقب بحذر شديد خطى التصعيد بقلق كبير». وانتقد جابرييل المعروف بجرأته، ترامب وكيم جونج أون، وحملهما معا تبعات التصرف غير المسؤول في التعامل مع خلاف من خلال التهديد بشن حرب نووية ، تهدد أمن العالم كله، رغم أن الخلاف بين بلديهما فقط. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد صرحت أنها تشعر بقلق وتجري اتصالات مع كافة الأطراف الدولية التي تستطيع التأثير على البلدين، كي يُصار إلى حل الخلاف عبر الحوار وعمل كل ما يمكن لتفادي حصول مواجهة نووية.

والمقصود هنا، الاتصالات بين برلين من جهة، وكل من موسكو وبكين من جهة أخرى، فليس هناك بلد في العالم يستطيع التأثير على واشنطن، لكن ليس بوسع كوريا الشمالية البقاء بدون الدعم والتأييد من الصين، التي تعتبر شريكها التجاري الوحيد تقريبا، وتستورد منها بضائع بنسبة أكثر من 80 بالمائة من احتياجاتها، ومن روسيا التي تزود كوريا الشمالية بالخبرة العسكرية وساعدتها في امتلاك أسلحة نووية. لكن ما يثير قلق الألمان على الأكثر، هو عدم استعداد موسكو وبكين للضغط على الزعيم الكوري كيم جونج أون.

ويبقى الاتحاد الأوروبي الذي لم ينجح يوما في حل نزاع إن كان في أوروبا، مثل نزاع البلقان وحرب البوسنة والهرسك في التسعينيات، أو النزاعات والأزمات التي تجري على أبوابها في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويقول المراقبون إن الاتحاد الأوروبي يقف بين المتفرجين، علما أن برلين تستطيع القيام بوساطة بسبب أوجه الشبه بين انقسام الألمانيتين الذي زال في عام 1989 بعد انهيار سور برلين، وبين انقسام الكوريتين، الذي يدور الحديث حول إمكانية حله وإنهاءه إذا توفرت النوايا والإرادة السياسية لدى الأطراف الدولية، وبالطبع لدى الكوريتين بشكل أساسي. ومثل بقية قادة الاتحاد الأوروبي، ليس للقادة الألمان أي نفوذ على ترامب أو على كيم جونج أون. وباختصار، تقف كوريا الشمالية في طرف بحيث تساندها الصين وروسيا. وفي الطرف الآخر تقف الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر نفسها القوة الحامية في المحيط الهادي لكل من كوريا الجنوبية واليابان وغيرهما من حلفاء واشنطن .

ولم يعد النزاع يدور حول المشكلة الحقيقية وهي انقسام الكوريتين الذي وقع في عام 1953، وبعد عقود من الحرب الباردة، عادت المواقف تزداد تصلبا خاصة بعد استلام كيم جونج أون، السلطة في كوريا الشمالية بعد وفاة والده كيم جونج الثاني في عام 2011.

وتشعر برلين بمسؤولية خاصة تجاه انقسام الكوريتين، وتسعى إلى اليوم، من أجل مواصلة المفاوضات بشأن توحيد الكوريتين، وذلك بمشاركة الأطراف المعنية الأخرى، وهي كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، إلى جانب روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية واليابان وبريطانيا وفرنسا . وتخلت كوريا الشمالية عن المفاوضات في عام 2009 بعد تعرضها لانتقادات عنيفة من قبل واشنطن وحلفاءها في المنطقة، كوريا الجنوبية واليابان، بسبب التجارب النووية والصاروخية البالستية التي تقوم بها.

ومعروف ان هناك علاقات دبلوماسية بين ألمانيا وكوريا الشمالية، التي لها سفارة في برلين، كما ألمانيا من البلدان الغربية القليلة التي لها سفارة في كوريا الشمالية. لكن السفير الألماني هناك، توماس شيفر، وموظفيه الدبلوماسيين السبعة الذين يعملون معه، لا يستطيعون التنقل بحرية، وهم يخضعون باستمرار إلى المراقبة من قبل أمن الدولة الكوري الشمالي .

ورغم ذلك، تحظى ألمانيا بسمعة طيبة لدى كوريا الشمالية، بحسب تأكيد النائب الألماني نيلس أنن، خبير السياسة الخارجية في الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، والذي دعا أخيرا برلين إلى استغلال علاقاتها الدبلوماسية مع كوريا الشمالية لتصفية الأجواء من التوتر والخلافات. لكن كيف، وليس هناك دولة غربية واحدة لها نهج واضح تجاه كوريا الشمالية، كما أنها تؤيد بدون تحفظ موقف واشنطن، وهو الموقف الذي أصبح أكثر تعقيدا بعد استلام ترامب الحكم في البيت الأبيض.

وفي الفترة الأخيرة حاول وزير خارجية ألمانيا، جابرييل، أن يوثق علاقاته مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، بعدما تبين لجابرييل، أن تيلرسون له موقف تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية تختلف بشكل أو بآخر عن موقف ترامب، وهذا ينطبق على نزاع الكوريتين وغيرها . فبينما يهدد ترامب كوريا الشمالية بالنار والغضب، وجه تيلرسون إلى الكوريين الشماليين تصريحات بأننا أكثر ليونة أشار فيها إلى أن أمريكا ليست عدوة لكوريا الشمالية، ولا تريد تغيير النظام فيها، بل يمكن ان تتحاور معها وذلك لطمأنة القيادة في كوريا الشمالية وتخفيف التوتر معها .

وبرأي د. نوربرت روتجن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة للبرلمان الألماني، ليس أمام ترامب سوى الحوار مع الصين للضغط على كوريا الشمالية لحل الخلاف القائم معها عبر المفاوضات السلمية. وقال روتجن، أنه يعتقد أن تهديدات ترامب هدفها تشجيع الصين على التدخل لتتعاون مع واشنطن في إجبار كوريا الشمالية على وقف تجاربها النووية.

أما زميله في الحزب الاشتراكي، أنن، فإنه يرى ان المشكلة في ترامب وقال: قبل فترة قصيرة تضامنت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بما فيها الصين وروسيا، على تأييد قرار يرمي لتشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية. وأضاف أنن: لكن إذا واصل ترامب تهديده لكوريا الشمالية فإنه يمارس لعبة خطرة ويهدد بنسف تضامن المجتمع الدولي الذي يسعى لتفادي نشوب حرب نووية والتفاوض بينما تصريحات ترامب تصب الزيت على النار.