إشراقات

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة - النبي عليه الصلاة والسلام حث فيها على العمل الصالح

24 أغسطس 2017
24 أغسطس 2017

المصدر: موسوعة النابلسي -

إن هذه العشر من ذي الحجة موسم من مواسم الطاعات، وقد يسأل سائل: لمَ مواسم الطاعات؟ المناسبات تجذب الإنسان إلى التوبة، وإلى مزيد من العبادة، أولمضاعفة الجهد، لأن العمر محدود، والإنسان قد يألف التقصير والخمول، فتأتي هذه المواسم كالعشر من ذي الحجة ورمضان والحج هذه مواسم عبادات، فنحن في الأرض علة وجودنا عبادة الله عز وجل بالدليل النصي: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ).

قد يقول أحدكم: فلان بالحج هنأه الله بهذا، وأنت أمامك فرصة وأنت في بيتك أن تلجأ إلى الله، لحكمة أرادها الله، إنسان يذهب وهو ميسور الحال لبيت الله الحرام، وإنسان لم يتح له بسبب أو لآخر فبقي في بيته، لكن في هذه الأيام العشر التي يحييها الحجاج بذكر الله وتلاوة القرآن والطاعات والعمل الصالح والتفرغ للعبادة، وأنت أيضا في هذه الأيام العشر بإمكانك أن ترقى إلى الله لقول عليه الصلاة والسلام فيما أخبر عن الله عز وجل: أن هذه الأيام أفضل أيام العام قاطبة، ما العلة؟ هذه عبادة، الله عز وجل اختار هذه الأيام لتكون مواسم طاعة له، لتكون استثنائية للتقرب إليه.

(مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)، أي أراد أن يجاهد في سبيل الله فخرج بماله فاستشهد في هذه المعركة، ولم يرجع بشيء.

من فوائد مواسم الطاعات أنها للترميم، أو لمضاعفة الجهد، أو للصلح مع الله، دائما يوجد قفزة، العاصي قفزته للتوبة، التائب قفزته لإتقان العبادة، العابد قفزته للعلم، المسلم قفزته للإيمان، المؤمن قفزته للإحسان، يوجد قفزة، هذا الحديث رواه الإمام البخاري.

يوجد حديث آخر رواه الدارمي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ تَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى قِيلَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ قَالَ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ).

هذا الحديث الثاني يؤكد الحديث الأول، لا تحاول أن تفكر بمنطقية هذه الأيام العشر، هذه عبادة.

الأمر إذا اتضحت حكمته إلى درجة عالية يضعف فيه عنصر العبادة، وكلام خفيت حكمته ترتفع فيه درجة العبادة، آلاف الأشخاص غير المؤمنين بالله يعتنون بصحتهم لأنها لصالحهم، فحينما يتضح لك شيء ترى كل المصلحة فيه أن تقبل عليه لأنك تعبد ذاتك من دون الله، ولأنك حريص على سلامتك وسعادتك، أما حينما لا ترى مصلحة قريبة لك في هذا الشيء ولم تتضح لك حكمته فعندئذ يرتفع مستوى العبودية لله عز وجل.

يوجد ملاحظة دقيقة قال العلماء: الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، قد تنتفع بالشيء ولا تعلم سره، تنتفع بالفاكهة ولا تعلم سرّ تركيبها معنى ذلك طبق فيها العبادة، أنت حينما تعبد الله تقطف كل ثمار العبادة من دون أن تكون عالما بدقائقها وحكمتها، فالخوض في حكم العبادات قد نفلح وقد لا نفلح، لكن إذا طبقنا هذه العبادات نفلح يقينا.

هناك نصوص أخرى من كتاب الله على رأس هذه النصوص قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ*ولَيَالٍ عَشْرٍ)، قال بعض المفسرين: إنها الأيام العشر من ذي الحجة.

طبعا هناك تفسيرات أخرى لهذه الأيام العشر، بعضهم قال في قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا).

قد تحسب هذه السنوات على النظام الشمسي ثلاثمئة سنة، أو على النظام القمري ثلاثمائة وتسع سنوات، ففرق السنتين الشمسية والقمرية هذه الأيام العشر، لعل أن تكون هذه الآية تشير للفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية، وهذا شيء يتناسب مع سياق الآية، إذا قلت مثلا: ميناء وعقارب، الميناء على الساحل لوقف القوارب، العقارب حشرات مؤذية قاتلة، لا يوجد تناسب، أما لو كنت تتحدث عن الساعة وقلت: ميناء وعقارب، ما معنى الميناء هنا؟ الساحة الدائرية للساعة، والعقارب هذه المؤشرات التي تتحرك وتدور، ممكن أن نفهم الأيام العشر تلك الأيام التي هي فاصلة بين السنة الهجرية والسنة القمرية، ويمكن أن نقول كما قال بعض المفسرين: هذه الأيام هي الأيام العشر من ذي الحجة .

(ابْنُ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَرِهَ عُثْمَانُ رَضِي اللَّه عَنْه أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ)

والقرآن حمّال أوجه وليس ملكا لأحد، والنبي عليه الصلاة والسلام شهد بأنها أفضل أيام الدنيا كما تقدم في الحديث الصحيح.

النبي عليه الصلاة والسلام حث فيها على العمل الصالح بشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، ولشرف المكان بالنسبة للحجاج والعمّار، شرف المكان وشرف الزمان.

الله عز وجل اصطفى من بين الأمكنة بيته الحرام، واصطفى من بين الأزمنة شهر رمضان والعشر من ذي الحجة، فاصطفى مكانا واصطفى زمانا واصطفى إنسانا، اصطفى المكان ليشيع فيه الصفاء، ولنسحب هذا الصفاء على كل الأمكنة، فإذا الحاج في بيت الله الحرام حصلت له هذه الصلة بالله عز وجل، فالقصد أنه إذا عاد لبلده أن تنسحب هذه الصلة وهو في بلده، فما اصطفى الله هذا المكان إلا ليشيع الصفاء في كل المكان، وإذا اصطفى الله زمانا كرمضان أو كالعشر من ذي الحجة ما اصطفى هذا الزمان إلا ليشيع الصفاء في كل زمان، الله عز وجل أرادك أن تقفز قفزة نوعية وتستمر، أما مشكلة الناس أن هذه المواسم يطيعون الله فيها، فإذا انتهت عادوا لما هم عليه من معصية وانحراف، هؤلاء لا يرقون أبدا لله عز وجل لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حثّ في هذه الأيام على العمل الصالح، لشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، ولشرف المكان بالنسبة لحجاج بيت الله الحرام.

العمل الصالح الآن له أجر كبير، ولا أكتمكم أن أبواب العمل الصالح لا تعد ولا تحصى وهي مفتحة على أبوابها ، فكل عمل صالح يقبله الله عز وجل إذا كان خالصا وصوابا، خالصا ما ابتغي به وجه الله، وصوابا ما وافق السنّة .

ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام أمر في هذه الأيام بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير كما جاء في الحديث الشريف: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ).

في هذه الأيام العشر العمل الصالح له أجر كبير، وأمر عليه الصلاة والسلام بالتسبيح والتهليل والتكبير، أن تقول: لا إله إلا الله بمعناها الحقيقي، وتكبر أن تقول: الله أكبر، لي تعليق لطيف على كلمة الله أكبر لو رددتها ألف مرة وأطعت مخلوقا وعصيت خالقا لم تقولها ولا مرة ولو نطقت بها ألف مرة، لو أطعت زوجتك في معصية وعصيت الله ما قلتها ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذه الباقيات الصالحات، العبرة بمعناها المتمثل في نفسك، لا بتردادها تردادا شكليا.

(عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) هذه الأيام العشر فيها يوم عرفة، و يوم عرفة يكفر ذنب من صامه، من السنة أن نصوم هذا اليوم لغير الحجاج، والحجاج لا يصومون ليتقووا على طاعة الله، وفي هذه الأيام يوم النحر يوم عيد الأضحى، هذه الأيام العشر -عشرة ذي الحجة- هذه الأيام ذكرها النبي في أحاديثه وأشارت إليها الآية في قوله تعالى :

(وَالْفَجْرِ * ولَيَالٍ عَشْرٍ) وفيها يوم النحر وهو يوم العيد، ويوم عرفة وهو يوم من أعظم أيام العمر، وفيها الأضحية والذبح، فالأضحية هدية إلى الله عز وجل، من الأعمال الفاضلة في هذه الأيام العشر الصيام لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ).

أفضل ما يفعل في أيام العشر: (التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح، والحج والعمرة، أيضا الإكثار من الأعمال الصالحة عموماً لأنها تقرب إلى الله عز وجل.

ومن أفضل هذه الأعمال الأضحية التي يذبحها الإنسان تقربا إلى الله عز وجل. (مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا) ذلك أن توزيع اللحم أفضل من توزيع المال، المال قد يذهب سدادا لدين، لكن اللحم لا يذهب إلا لبطون جائعة. ومن له تقصيرات ومخالفات أعظم عمل له في هذه الأيام العشر التوبة النصوح.

بشكل عام المؤمن الصادق ملتزم في كل ثانية في حياته بطاعة الله، وهذه المواسم في العبادات قفزات نوعية، ذكرت أهم شيء التوبة لمن كان شاردا عن الله، أما المؤمن فكل أيامه طاعة لله عز وجل، وبذل، وعطاء.