abdullah
abdullah
أعمدة

رماد: الحُزن

23 أغسطس 2017
23 أغسطس 2017

عبدالله المعمري -

[email protected] -

لستُ في سلام، الحربُ هنا تدور رحاها، أعدائي فيها كُثُر، إلا عدوًا واحدا أشدّهم جوْرا، إن أقبل نحوي أغرس خنجره في صدري، واستعمر قلبي، وحطم كل ما يدور في خُلدي، إنه الهادم لحديثي، يقيدني بالصمت رغما عني، لا يدع لي المجال أن أقول ما أريد، ولا أن أكتب ما أريد، ولا حتى أقف على قدمي أفتح الستار لأرى ضوء القمر، في ظلامه الدّامس الخانق.

وَأْدُ ابتسامتي دائما على يديه قبل أن تكبر على شفتي، يدفنها في عضّتي على إصبعي من النّدمِ، لا يعرف مني سوى حاجب عابس، وعينٌ أنهكها البكاء، وصورة على مرآة مكسورة، تراها ممزقة وهي في أصلها مقطوعة.

يزرع الجنون ألغاما تفجر كل خطوة أخطوها نحو الأمام، لا أتقدم سوى بصوت خافتٍ أتجرع معه قطرات ماء مسكوب على راحة يدي، التي هي الأخرى مكبّلة بقلم فارغ من الحبر، ذرف آخر قطرة حبره في آخر حرف للسعادة.

عدوٌّ يخلط النّوم باليقظة في صنع كوابيس الأحلام، تطاردني كعجائز الساحرات في ليلة لا نور فيها ولا لمعة نجمة، يرسم على جدران الظلام كل ليلة صورة فاتنة تغويني، لأطيل السهر ظنّا منّي أنها حقيقة، أرفع بصري نحوها فتلقيني على الأرض، من أعلى سلم أرتقيه، لتصاب كل جوارحي بالألم.

ما دخلتُ في معركة معه إلا كان هو المنتصر فيها، إما جراحا تمزق روحي، وإما راية استسلام أرفعها لأعيش تحت ظل حائط التمني، حتى بِتُّ أعجز عن التفاؤل أن يكون بعد الليل نهار.

كنتُ في كلّ معركة أخوضها معه أحتمي بدرع الصبر، الذي في كثير من مواجهاتي معه يحميني من ضربة الوقت، ويدرأ عني رصاصة الانكسار، وتحفظني من ثرثرة الأفواه، إلى أن تحطم الدرع، وكل ما كان يمنعه عني، صار يصلني في العمق فأكون مصاب حرب خاسرة.

عدوّي هو الحزن، ذلك الشبح المخيف، الذي يطبق على أنفاسي كلما أردت الحياة، ويكسر عكاز قوتي كلما أردت الوقوف. الحزن هو العدوّ الذي يستوطن ذاتي بحكم الضعف لا القوة، إلى أن جاء يوم النصر العظيم، عندما نحرته باليقين، وأزهقته بالحب، وجعلتُ قبره في ذاكرة لا أزال أفتش لها هي الأخرى عن قبر أدفنها فيه.