1088731
1088731
مرايا

الزواج بين غلاء المهور وتكاليف الأعراس

23 أغسطس 2017
23 أغسطس 2017

كتب - سالم أحمد بخيت صفرار -

إن بناءَ الأسرة من أسمى الغايات في ديننا الحنيف والتي دأب الإسلام للتركيز والحرص عليها لما لها من مسلمات إيجابية على الفرد والمجتمع وصون المجتمع المسلم والحفاظ على كل فئاته من الانزلاق الى دروب المعاصي والفواحش التي تؤدي في النهاية الى تفكك المجتمعات وتفشي الأوبئة العضوية والأخلاقية والانحراف واختيار مسالك الرذيلة والعياذ بالله، فأمة الإسلام أمة من الله عليها بالإسلام وهداها من الضلال الى سماحة تعاليمه ونور شريعته الغراء.

ويعتبر الزواج هو الغاية العظيمة التي يرنُو إليها كل شاب يشقٌ عباب بحر الحياة في رحلةٍ تمر بمراحلَ كثيرة منذ دخوله معترك المسير العلمي ومن ثم البدء برحلة البحث عن العمل ليهيئ سبل العيش وممكنات الحياة الكريمة، ولا يصل الى الاستقرار لهذا القرار الا بعد أن يُكابد مشقات الحياة والإبحار في أمواجها العاتية بجزرها ومدها، وحين تستكينُ في مخيلته فكرة البحث عن شريكة الحياة للولوج الى باب البيت الأسري وتكوين الأسرة لتكون لبنة من اللبنات التي يتشكل منها جسد المجتمع، ولكن ينصدمُ بواقعٍ آخر يضطر فيه الى الرضوخ للواقع الذي يفرضة الضغط المجتمعي من بهرجات وكماليات باتت تؤرق الجميع، وإن لم يقبلها البعض ولكن يتقبلها على مضض لأن الغير تقبلها وأصبحت سارية المفعول، وبات علينا جميعاً كمجتمع وأفراد أن تكون لنا وقفة جدية من هذه السلوكيات ومكافحة هذه الظواهر السلبية التي أصبحت عبئا على كاهل الكثير من المقبلين على الزواج.

وأول هذه الجوانب غلاء المهور وتكاليف الأعراس ومستلزمات البيت، وقد ورد في الأثر أن عمر رضي الله عنه قد نهى عن التّغالي في المهور، والأفضل عدم التّغالي اتباعًا للسنّة؛ فإنّ عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهر زوجاته ولا بناته على خمسمائة درهم)) رواه مسلم، هنا أنا لا أعمم هذا الوباء، ولكن هناك من لا يزال يقع في براثن هذا الخطأ ويحتسبه أحد المنافذ التي تستغل لإدرار الربح، ولهذا يجب علينا أن لا نُشجع هؤلاء بل يجب علينا أن نيسر الأمر لمن يصبون لإكمال نصف دينهم وتكوين الأسرة، إن هذه الثقافة التي تستشري في نفوس البعض من المنطقي مكافحتها والعمل بقوة على منازلتها للتقليل من التركيز عليها ليتقبلها المجتمع بنهج أفضل وسوي.

كما أن تكاليف إعداد مستلزمات بيت الزوجية صار يضج منها الكثيرون، وأصبح من المنطقي النظر في هذا الموضوع بعين النقد والتمحيص، فنرى البعض يقوم بإعداد البيت على نحو فيه من المبالغة الزائدة التي لا طائل من ورائها سوى التكاليف الباهظة التي لا مناص من الجنوح والخضوع لسداد فواتيرها المكلفة لفترة من الزمن يرزح تحت وطأتها الشاب الذي بدأ حياته للتو، لتصبح حياته مثقلة بأعباء الديون التي تعيق ضرورات العيش الكريم فيما بعد، كما أود أن أشير الى أن ذلك يتحول الى مضمار من المنافسة مع الغير والتباهي بما تم اختياره، ومن العجيب أن نرى تسجيلا مرئيا لغرف النوم وإخراجها بطريقة احترافية ليتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتغيب في ذلك خصوصية البيت، وقد يؤدي ذلك في بعض الأحيان الى التسبب في خلافات ببيوت أخرى نتيجة الغيرة.

ثم نأتي إلى ما تقوم به النساء من البذخ الكبير في اختيار بعض أنواع الثياب واستئجار الفساتين بمبالغ طائلة لتستخدم لساعة واحدة، ويتجند الجميع في استنفار نحو أماكن تصفيف الشعر وأسواق الذهب وغيرها من الأنشطة التي أصبحت تجارة رائجة تدر المبالغ الطائلة على التجار التي يمكن الاستغناء عنها، لأن بإمكان المرأة تجهيز نفسها دون الحاجة الى هذه البهرجات. إن من الغريب حقيقةً وما يدعو الى الدهشة أننا نسمع عن كثيرٍ من النسوة أنهن لسن راضياتٍ عن هذا الوضع ولكن يجبرن على ذلك عندما يقمن بعض النساء الأخريات بذلك فيصبح لزاما على الجميع انتهاج نفس النهج ولو أن البعض لا يسعفه الوضع المادي لمجاراة ذلك، ولكن يتم التوجه الى البديل الآخر وهو الدين والاقتراض

ولو على مرارة

إن هذه البهرجات الزائدة التي لا ترجى فائدة منها سوى المظاهر والمفاضلة بها أمام الآخرين حتما لا تصبُ في مصلحة المجتمع، ولا فائدة منها سوى أعباء تضاف على كاهل المعيل، والأولى أن تستغل هذه الأموال في المسؤوليات الأولويات الرئيسية للأسرة، فهم الأولى بذلك بدلا من هدرها كذا بلا وجه حق.

أن التبذير والإسراف الزائد في الولائم الذي نشاهده في بعض الأغراس ومناسبات أخرى والاستهتار بهذه النعم بطريقة يتألم لها ضمير من يشاهدها، لا شك أنها تدمي القلب عندما نرى أناسا في أقطار أخرى لا يجدون لقمة العيش وعندما يحصلون عليها يحصلون عليها بعد جهد جهيد، نلحظ ذلك من حولنا وأيضا في محيطنا الخليجي، وهذه نعمة من بها الخالق علينا وتستحق الشكر لتدوم وتبقى، نسأل الله تعالى إدامتها ولا تنقلب علينا نقمة.

لقد سمعنا أن هناك بعض الاسر التي اتخذت منحى آخر في التعاطي مع الاعراس، وهي ألا يتم المبالغة في كافة مظاهرها وكل متعلقاتها من الاستعداد لها، حيث يتم تقدير المتطلبات على النحو المنطقي المقبول في كل شيء دون بهرجات بشكل عقلاني يجب أن يكون قدوة يحتذى به من تجهيز البيت الى العرس، حتى النساء يذهبن بدون بهرجات بالوضع العادي ودون كلفة، حقيقية يقدر لهم هذه البادرة الايجابية وهذا النضج في التفكير ونتمنى أن يحذو الجميع حذوهم.

يجب على أهل المنطق والبصيرة في كل أسرة أن يهبّوا لمواجهة مثل هذه الامور، وآن الأوان إلى النظر فيها بجدية، فهذه ليست مسؤولية فردٍ بعينة ولكن الجميع يتشاطر المسؤولية وزمام المبادرة فيها، لأن الفائدة يحصدها الجميع افرادا وأسرة ومجتمعا.