أفكار وآراء

إجراءات «أوبك» وكبار المنتجين غير كافية لتصحيح أسعار النفط

19 أغسطس 2017
19 أغسطس 2017

د. محمد رياض حمزة -

رغم الجهود المتواصلة التي تبذلها المملكة العربية السعودية بالتنسيق مع كبار المنتجين في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أو خارجها بهدف إعادة التوازن بين العرض والطلب في أسواق النفط وتصحيح الأسعار. فإن سعر برميل النفط الأوروبي القياسي «مزيج برنت» لم يتمكن من تجاوز عتبة 55 دولارا منذ النصف الثاني من 2017. وإن تخمة المعروض السبب الأكثر ذكرا في الضغوط على الأسعار.

وإن تابعنا توقعات المحللين من متخصصين وبيوت خبرة ومنظمة (أوبك) وبنوك والعشرات من المسؤولين الحكوميين الذين تحدثوا بالتفاؤل أو بالتشاؤم عن الأسعار فإن الواقع اليومي في المستوى العام للأسعار يؤكد أن إجراءات دول (أوبك) والمنتجين الكبار خارجها لم تكن كافية لإعادة التوازن للأسواق وتصحيح الأسعار.

وكانت أوبك قد اتفقت في ديسمبر 2016 على أول خفض للإنتاج خلال عشر سنوات. وأول تخفيضات مشتركة مع المنتجين المستقلين بقيادة روسيا في 15 عاما، واتفق الجانبان آنذاك على خفض الإنتاج نحو 1.8 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2017 بما يعادل 2% من الإنتاج العالمي. فبالرغم من خفض الإنتاج ومد العمل بالتخفيض 9 أشهر أخرى إلى مارس 2018، فإن الأسعار لم تستجب إلى تلك التخفيضات التي ذُكر أن نسبة الالتزام بها تصل إلى 95% وبقيت الأسعار تناور حول 50 دولارا للبرميل، فتتراجع دون ذلك أو تتجاوزه والأسباب ذاتها تخمة المعروض والإنتاج الأمريكي. ويعكس تواصل الجهود السعودية في التنسيق مع العراق وروسيا وغيرهما عدم قبول دول (أوبك) على بقاء سعر البرميل يتمحور حول 50 دولارا. بل يمكن القول أن هذا السعر غير مجز لمعظم الدول المنتجة سواء كانت من أعضاء في (أوبك) أو خارجها.. الأمر الذي دفع (أوبك) الى مناشدة الدول الكبرى المصدرة غير الأعضاء بالمنظمة لخفض إنتاجها من النفط، ومساعدة المنظمة في استعادة التوازن إلى الأسواق، وذلك في تقريرها لشهر مايو 2017.

ولعل المنافس الأخطر لدول أوبك هي شركات النفط الصخري الأمريكية . «جولدمان ساكس» المؤسسة المصرفية متعددة الجنسيات ومقرها نيويورك قالت وحدتها لأبحاث الأسهم «إن الأمر يستلزم بقاء عقود النفط الآجلة لعامي 2018 و2019 عند 50 دولارا للبرميل، أو دون ذلك، للحيلولة دون مزيد من النمو في إنتاج النفط الصخري وتشجيع أوبك على إبقاء حركة السوق في نطاق ضيق وأن الإشارة السعرية المتمثلة في وصول أسعار العقود الآجلة لعامي 2018 و2019 إلى 50 دولارا أو أقل الآن أو بلوغ الأسعار الفورية 50 دولارا في 2018 يمكن أن يساعد على إحداث توازن في السوق من خلال إيجاد بيئة تكبح إنتاج أوبك أو الإنتاج الصخري أو كليهما.

أما (أوبك) فرأيها «إن دولا منتجة واحدة بالتحديد تتحمل اللوم، وهي الولايات المتحدة، حيث يواصل منتجو النفط الصخري زيادة إنتاجهم رغم أسعار النفط الخام المنخفضة. وأضعفت زيادة الإنتاج جهود أوبك للحفاظ على سعر برميل النفط بين 50 و60 دولارا. وكانت أوبك والدول المنتجة الحليفة اتفقوا، في نوفمبر الماضي، على خفض الإنتاج، في خطوة تهدف إلى تخليص الأسواق العالمية من زيادة المعروض. وبدت أن هذه الاستراتيجية فعالة لفترة مع ارتفاع أسعار برميل النفط إلى أكثر من 54 دولارا بداية العام الجاري. وبدأت خيارات منظمة «أوبك» تنفذ. إذ انخفض سعر النفط الخام بنسبة 13 في المائة خلال شهري ابريل ومايو 2017 إلى أقل من 46 دولاراً، مما يشير إلى أن جهود المنظمة الرامية إلى تعديل أسعار النفط لم تحقق أهدافها المرجوة. وكانت أوبك إلى جانب المنتجين الرئيسيين الآخرين يتمتعون بأسعار أعلى منذ اتفاق خفض الإنتاج في نوفمبر الماضي، وهي استراتيجية تهدف إلى تخليص الأسواق العالمية من وفرة المعروض. الآن، يبدو أن التأثير يتلاشى.

واستجابت المنظمة للهبوط الحاد في الأسعار من خلال اقتراح تمديد التخفيضات إلى ما هو أبعد من الموعد النهائي الأصلي المحدد في منتصف العام. ولكن مع زيادة إنتاج الشركات الأمريكية من النفط الصخري، قد لا يكون تمديد الخفض كافياً لتحقيق الاستقرار في الأسعار أو رفعها. ومن مستجدات التقارير الإعلامية التي تتابع تطورات تجارة النفط العالمية وترصد متغيراتها ساعة بساعة ويوما بيوم إنها بدأت تقرن سبب بقاء أسعار النفط متدنية ثلاثة عوامل هي تخمة المعروض المباشر للبيع، وضخامة المخزونات العالمية. وإنتاج الشركات الأمريكية من النفط الصخري. ولم تعد العوامل المؤثرة بي أسعار النفط تذكر. كسعر صرف الدولار والتوترات السياسية وحالة الاقتصادات العالمية... وغيرها. أما تخمة المعروض فتعتبر السبب القديم المتجدد المؤثر على الأسعار. وكم حجم هذه التخمة؟ وفي أي الأسواق توجد؟ ولمن عائديتها؟ تلك أسئلة يصعب اجابتها بدقة. فعندما كان سعر برميل النفط قد تجاوز 100 دولار كانت أسواق النفط متخمة أيضا.

أما ضخامة المخزونات العالمية فإنه سبب يمكن تصديقه، على اعتبار أن كافة دول العالم المستوردة للنفط استغلت تراجع الأسعار وصارت تخزنه.

أما إنتاج الشركات الأمريكية من النفط الصخري فعامل مؤثر على أسعار النفط. فبالرغم من ارتفاع تكاليف إنتاجه إلا انه صار السبب المباشر في بقاء أسعار النفط متدنية. إذ يصدر تقرير دوري عن شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة بعدد منصات الحفر النفطية في الولايات المتحدة. وكلما ذكر أن عدد منصات الحفر ارتفعت انخفض سعر برميل النفط. وبذلك فإن المنافسة محتدمة بين (أوبك) وصناعة النفط الصخري الأمريكية في 24/‏‏5/‏‏2017 حضر القائمون على صناعة النفط الصخري إلى فيينا واطلعوا على توجهات أوبك لاستعادة توازن السوق النفطية. كما أن أوبك ترتب لرحلة يقوم بها كبار مسؤوليها إلى تكساس لمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية للتعايش بين الصناعتين أم انهما تتجهان لصراع حاد آخر في المستقبل القريب.

السعودية من جانها تفضل التعايش الآن، متخلية عن استراتيجية سابقة سعت من خلالها لضخ أكبر كميات ممكنة في محاولة للتخلص من النفط الصخري الأمريكي من خلال أسعار الخام المنخفضة. غير ان ذلك التوجه لم يثن شركات النفط الامريكية عن مواصلة تطوير تكنولوجيا الحفر وتقليل تكلفة انتاج البرميل إلى أقل من 50 دولارا. فأدركت أوبك أن تخفيضات الإمدادات والأسعار الأعلى إنما تسهل على قطاع النفط الصخري تحقيق أرباح أعلى بعد أن وجد سبيلا لخفض التكلفة حين رفعت السعودية الإنتاج على مدى السنوات الثلاث الماضية.

تجدر الإشارة إلى أن الدول ذات الإنتاج القليل، سواء داخل أوبك أو خارجها، ليس لإنتاجها أو صادراتها التأثير الكبير على الأسعار أو زيادة تخمة المعروض. على اعتبار أن معظمها مرتبط بعقود تصدير تقليدية وليس لديها فائض يساهم في زيادة تخمة المعروض التي سببها عدم التزام كبار المنتجين بالخفض المقرر.

فإذا كان حجم تخمة المعروض من النفط الخام المتداولة في الأسواق تقدر بمليوني برميل يوميا أو أكثر فإن خفض 1.8 مليون برميل من إنتاج دول أوبك وخارجها لن يعمل على تصريف كمية المعروض. لذا فإن على دول أوبك وخارجها، وتحديدا المنتجون الكبار، أن يعيدوا النظر في واقع سوق النفط لتحديد خفض يحدث خللا في توازن السوق بما يجعل الطلب أكبر من العرض للزمن الذي ينهي تخمة المعروض. شرط أن تلتزم دول أوبك وخارجها كافة لفترة محددة. فالصدمة المقترحة تجعل من شركات انتاج النفط الصخري الأمريكية غير قادرة على تلبية الطلب في الأسواق العالمية وحتى السوق الأمريكية التي قد يمتد تأثير الصدمة للخزين الاستراتيجي الأمريكي.

ولا بد من استحضار حالة أسواق النفط في العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة عندما كانت اسعار النفط تتقافز لأي توتر سياسي ينذر بالحرب أو وقوع أعمال عنف في أي بلد مصدر للنفط . واليوم وبالرغم من كل التوترات واعمال العنف على صعيد العالم والتعاملات في اسواق النفط تبدو وكأنها بمعزل عن كل ما يحدث في العالم. لذا فإن أسواق النفط العالمية يجب أن تتعرص لصدمة تصنعها دول أوبك والمنتجون المتضررون بخفض كبير جدا للإمدادات لتتوازن الأسواق والأسعار.

[email protected]