أفكار وآراء

أمريكا هل تبدو الآن بلدا خطِرا ؟!

18 أغسطس 2017
18 أغسطس 2017

جيديون راكمان/ ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

ظل الزعم بأن أمريكا بلدا «مهددا لأمن العالم» موضوعا ثابتا في الدعاية الروسية على مدى أعوام عديدة. و بالنسبة لمن يؤمنون بالتحالف الغربي، من المؤلم الإقرار بوجود بعض الحقيقة في هذه الفكرة الآن. ففي ظل إدارة ترامب تبدو أمريكا مثل بلد خطر. في خلال الأيام الماضية من شهر أغسطس الجاري، أسلم ترامب نفسَه لسياسة حافة الهاوية النووية في كوريا الشمالية. كما بعث بتهديدات غامضة حول القيام بعمل عسكري في فنزويلا. وتودد إلى أنصار تفوق العرق الأبيض داخل الولايات المتحدة. إنه يقدِّم ما يعاكس تماما ذلك النوع من القيادة الثابتة والهادئة والقابلة للتنبؤ بتصرفاتها التي يلتمسها حلفاء أمريكا من واشنطن. فتهديدات ترامب بأن كوريا الشمالية تخاطر بالتعرض لحرائق وغضب أمريكا المتأهبة لإطلاق الزناد تبدو غير مسؤولة -على حسب رأي الكاتب. وحتى إذا كانت مجرد خدعة، فإنه يخاطر بإضعاف مصداقية أمريكا، والتحريض على تصعيد الوضع من جانب رئيس نظام كوريا الشمالية كيم جونج أون، الذي يهدد بإطلاق صواريخ بالقرب من منطقة جوام التابعة للولايات المتحدة. بل ما هو أكثر إثارة للخوف أن إدارة ترامب تفكر علنا في توجيه ضربة استباقية ضد كوريا الشمالية وحجتها في ذلك أن «كيم جونج اون» المسلح نوويا لا يمكن ردعه. ولكن إذا كان في مقدور أمريكا الاعتماد على الردع؛ لاحتواء التهديد النووي من روسيا «ستالين» وصين «ماو» فمن المؤكد أنها يمكنها فعل نفس الشيء مع كوريا الشمالية «كيم». لقد رفض كل الرؤساء السابقين فكرة الهجمات الاستباقية على الدول المسلحة نوويا لأسباب واضحة. إن الأزمة الدولية التي يؤجج ترامب نارَها يصعب باطراد فصلها عن المشاكل المحلية التي تحاصر إدارته. فالتحقيق الذي يجريه المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية روبرت مولر في التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة في الولايات المتحدة يقترب من الدائرة الداخلية (حلقة المقربين) للرئيس. والكونجرس في حالة انسداد والبيت الأبيض يسرح ويمرح في طرد المسؤولين وتدبير المكائد. والآن يوجد عنف سياسي في الشارع حيث يهاجم أنصار حركة تفوق العرق الأبيض والنازيون الجدد، بل يقتلون، المتظاهرين في شارلو تسفيل. ذلك في حين يصدر الرئيس بيانات مراوغة ومبهمة من ملعب الجولف. والخطورة هي أن هذه الأزمات المتعددة ستندمج مع بعضها البعض وتغري الرئيس الذي تحدق به المشاكل بمحاولة استغلال صراع دولي للتخلص من مصاعبه الداخلية.

ففي الأيام الأولى من الشهر الجاري، قام ترامب بتعيين سيباستيان جوركا، وهو معاون مثير للجدل في البيت الأبيض بشأن الأزمة الكورية الشمالية للضغط على منتقدي ترامب في أمريكا كي يتراجعوا عن موقفهم. فقد قال لشبكة فوكس نيوز «في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية دعمنا (الرئيس) جون كيندي. وهذه الأزمة (الكورية الشمالية) مماثلة للأزمة الكوبية. نحن بحاجة إلى توحيد صفوفنا». مغازلة جوركا لفكرة أن التهديد بالحرب يمكنه دفع الأمريكيين للالتفاف حول الرئيس يلزم أن تدق أجراس الخطر لكل من له وعي بالتاريخ. فالحكومات التي تواجه أزمة محلية غالبا ما تكون أكثر ميلا لاتباع سياسة المغامرة في الخارج. مثلا الحكومة الألمانية التي قادت أوروبا إلى الحرب العالمية الأولى عندما شعرت بأنها مهددة من قِبَل أعدائها السياسيين المحليين. ولكن في اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، صرح القيصر وهو يتهلل فرحا أنه لم يعد يعترف «بأي أحزاب أو انتماءات. فاليوم نحن كلنا إخوة ألمان». أو كما جاء على لسان جوركا في الأيام الأولى من هذا الشهر، «هذه هي اللحظات التي يجب أن نتَّحد فيها كبلد». كما أن القادة الذين يكونون تحت ضغط سياسي محلي قاس أكثر ميلا للتصرف بطريقة غير رشيدة. ففي أثناء أزمة ووترجيت، طلب المجلس الوزاري لإدارة نيكسون من الجيش حين يتلقى أمرا رئاسيا بشن ضربة نووية مراجعة المجلس للمزيد من التأكد قبل إطاعته. ولسوء الحظ ليس واضحا إذا كان يوجد أي مسؤول حينها أو في الوقت الحاضر يملك حق نقض قرار الرئيس إذا اختار استخدام السلاح النووي. ولكن مقاومة تهديدات ترامب بشن الحرب، على الأقل في العلن، كانت ضعيفة على نحو لافت في كل من الكونجرس والإدارة. فهربرت ريموند مكماستر، مستشار الرئيس للأمن القومي، دافع عن افتتان ترامب بالحرب من على شاشة التلفزيون القومي. وفي الأثناء يتعرض مكماستر نفسه للهجوم من جناح القوميين البيض (جزء من بين مؤيدي الرئيس) الذين يلومونه على طرده لبعض حلفائهم بمجلس الأمن القومي. في الأيام الماضية ومع تصاعد الأزمة الكورية الشمالية كان هاشتاج «أقيلوا مكماستر» من بين الأكثر تداولا على تويتر مع سعي القوميين إلى تطهير البيت الأبيض من عدوهم الجديد. هذا وضع معاكس جدا للمناخ الذي يجب أن يسود في البيت الأبيض مع المواجهة النووية التي تَتَبدَّى في المحيط الهادي. ربما أن أولئك الذين يأملون في أن تحتوي «الدولة العميقة» في أمريكا الرئيس ترامب أو حتى تفرض عليه الاستقالة يرتكبون «جريمة» التفكير الحالم.

فإجباره على التخلي عن الرئاسة يظل مهمة شاقة إلى حد كبير ويخاطر بالتحريض على تصلب المواقف في كل من السياسة الداخلية وإدارة السياسة الخارجية. هنالك فكرة أخيرة مزعجة وهي أن ظهور ترامب يبدو مثل عَرَض لأزمة أكبر في المجتمع الأمريكي. وهي أزمة لن تختفي حتى إذا أخلى ترامب المكتب البيضاوي. فتدهور مستويات معيشة العديد من الأمريكيين العاديين والتحولات السكانية التي تهدد «وضعية الأغلبية» التي يتمتع بها الأمريكيون البيض، ساهما في إيجاد مجموعة الناخبين الغاضبين الذين انتخبوا ترامب. إذا أضفنا إلى هذه الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والخوف من تدهور المكانة العالمية لأمريكا، ثقافةً سياسية تبجِّل البنادق والجيش فستتوافر لدينا وصفة لبلدٍ قد يكون رَدُّه باطِّراد على الأزمات الدولية أن سلاحه معبأ بالذخيرة.