1085279
1085279
إشراقات

شرع للجاد في السير.. والمستقر في مكان سفره عليه أن يؤديها قصرا

17 أغسطس 2017
17 أغسطس 2017

إبراهيم الصوافي: التوسع في الجمع بين الصلاتين.. ظاهرة مخالفة لهدي المصطفى الكريم -

حاوره: سالم بن حمدان الحسيني -

دعا فضيلة الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي أمين الفتوى بمكتب المفتي العام للسلطنة إلى عدم التوسع في الجمع بين الصلاتين في حاجة ولغير حاجة.. مؤكدا أن الجمع في السفر مشروع لمن كان جادا في السير، ولرفع الحرج عن المسافر الماكث في المكان كأن يكون مرتبطا بعمل لا يمكنه الخروج منه، أو دراسة لا يجد معها فرصة للصلاة أو كان متعبا أو مريضا أو نحو ذلك فانه يأخذ برخصة الله ويجمع بين الصلاتين، أما المستقر في مكان سفره فعليه أن يؤدي كل صلاة في وقتها.

وقال: ينبغي لأهل العلم والمنظور إليهم من أهل الصلاح والثقاة أن ينتبهوا لمثل هذه الظواهر ولا ينبغي أن يكونوا هم في مقدمة من يقع في هذه الأخطاء فان الناس يقتدون بهم ويحتجون بفعلهم وهذا من شأنه أن يتسبب في استمرار هذه الظاهرة المراد اختفاؤها.

وأوضح قائلا: كثير من الناس قد يقصرون في موضع هم مستوطنون فيه ويظنون أنهم مسافرون بحجة أنهم من منطقة أخرى، فيبقون السنين الطوال وهم يقصرون الصلاة، فعليهم أن يوطنوا أماكن عملهم ما داموا يعيشون مع عوائلهم وعملهم غير محدد بمدة فان المسافر هو الذي لا يربطه بالمكان إلا قضاء حاجة فإذا قضاها عجّل بالرجوع إلى أهله ولا يجد طمأنينة ولا استقرارا في المكان الذي سافر إليه.

وأوضح أن صلاة الوتر لا قصر فيها وأداؤها ركعة واحدة لا يعد قصرا، وإنما هي «وتر العاجز»، ينبغي أن يقتصر الإنسان عليها في حالة الجمع، أما في حالة القصر فينبغي أن يوتر بثلاث أو بأكثر.. نستوضح المزيد عن موضوع الصلاة في السفر في الحوار التالي:

استهل فضيلته الحديث عن الضوابط الشرعية في الجمع بين الصلاتين وإفرادها في حالة السفر حيث قال: شرع الله عز وجل القصر في السفر تخفيفا على المسافر ورفعا للحرج وهذا يتماشى مع ما بني هذا الدين الحنيف، من اليسر والسماحة ورفع الحرج يقول الله عز وجل: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ).. ويقول سبحانه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).. مشيرا إلى أن القصر في السفر ثبت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من المدينة مسافرا يقصر الصلاة حتى يرجع إليها، ومضى على ذلك صحابته الكرام والخلفاء الراشدين فقد ثبت في السنة أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قصر عندما وصل إلى ذي الحليفة، وذو الحليفة تبعد عن المدينة المنورة فرسخين (قريب من 12 كيلومترا) وعلى هذا عوّل علماؤنا في مسافة القصر، وإن كانت المسألة خلافية بين أهل العلم.

القصر واجب

وأضاف: والقصر في السفر واجب لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال في صلاة السفر: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته»، وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر»، ويبدأ احتساب مسافة القصر بالخروج من عمران الوطن الذي يسكن فيه الإنسان، فإذا تجاوز العمران قاصدا مجاوزة الفرسخين وجب عليه قصر الرباعية إلى ركعتين، أما المغرب والفجر فانهما لا تقصران، أما الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء في السفر فإنه مشروع لمن كان جادا في السير، لا لمن كان مستقرا في موضع سفره، وذلك لأن السائر في الطريق يشق عليه أن يقف لكل صلاة، وقد لا يجد المكان المناسب لذلك، أما المستقر في مكان سفره فالغالب انه لا يشق عليه أن يؤدي كل صلاة في وقتها، نعم قد توجد حالات يحتاج معها المسافر المستقر للجمع كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث جمع في عرفة الظهر والعصر مع أنه غير جاد في السير وذلك حتى يتفرغ للذكر والدعاء وكذا فعل -صلى الله عليه وسلم- في مزدلفة.. ويؤخذ من هذا أن الجمع شرع لرفع الحرج عندما يجد المسافر الماكث في المكان حرجا لأداء كل صلاة في وقتها، كأن يكون مرتبطا بعمل لا يمكنه الخروج منه، أو دراسة لا يجد معها فرصة للصلاة أو كان متعبا أو مريضا أو نحو ذلك فانه يأخذ برخصة الله ويجمع بين الصلاتين، ولها قال أهل العلم: «الجمع في السفر جائز والقصر أولى».. وهذا كما تقدم لغير الجاد في السير.

تساهل بيّن

وأوضح الصوافي أنه لابد أن يعرف الإنسان ضابط الوطن الذي يجب فيه إتمام الصلاة فإن كثيرا من الناس قد يقصرون في موضع هم في الحقيقة مواطنون فيه ويظنون أنهم مسافرون وذلك أن بعض الناس قد يعيش في العاصمة مع أولادهم وعملهم ليس له مدة محددة ومع ذلك يقصرون الصلاة ولا يتمونها، بحجة أنهم من منطقة أخرى، فيبقون السنين الطوال وهم يقصرون الصلاة، وهذا من التساهل البيّن بل على أمثال هؤلاء أن يوطنوا أماكن عملهم ما داموا يعيشون مع عوائلهم وعملهم غير محدد بمدة، وبعضهم يقول: انني بعد التقاعد سأرجع إلى وطني الأول مع أن بينه وبين سن التقاعد سنوات كثيرة، ثم أنه لا يعلم ما سيحدث له في المستقبل، فكثير من الناس كانوا يقولون كذلك ولكن بعد ذلك ارتبطت حياتهم بالمكان الجديد الذي انتقلوا إليه، واستمروا فيه حتى ماتوا وكذا عوائلهم من بعدهم.. مشيرا إلى أن المسافر هو الذي لا يربطه بالمكان إلا قضاء حاجة فإذا قضاها عجّل بالرجوع إلى أهله، كمن يسافر لعلاج أو طلب علم أو طلب رزق ونيته الرجوع ولا يجد طمأنينة ولا استقرارا في المكان الذي سافر إليه.

لا قصر في الوتر

وأشار الصوافي إلى أن المسافر عندما يقصر الرباعية فانه يؤمر أن يصلي السنن والنوافل كالمقيم وهذا في غير حالة الجمع.. موضحا أن بعضهم يسأل عن صلاة الوتر هل تقصر في السفر أو لا؟ والجواب: أن صلاة الوتر لا قصر فيها وإنما شرعت ركعة أو ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك فعندما يصلي المسافر الوتر ركعة واحدة لا يعد هذا قصرا، وإنما قال العلماء: الوتر ركعة واحدة هي «وتر العاجز»، فينبغي أن يقتصر الإنسان عليها في حالة الجمع إن كان لابد، أما في حالة القصر من غير جمع فينبغي أن يوتر بثلاث أو بأكثر.

العبرة بالمكان

وأكد انه إذا دخل وقت الصلاة والإنسان في وطنه ثم خرج مسافرا فإنه يقصر الصلاة إذ ليست العبرة بالموضع الذي دخل عليه فيه الوقت، وإنما العبرة بالمكان الذي سيصل فيه، وكذا العكس فلو دخل عليه الوقت وهو في السفر فلم يصل حتى دخل الوطن فانه يصلي تماما، وإذا رجع الإنسان من سفر ووقف للصلاة في الأميال قبل دخول الوطن فانه ينظر هل قصر شيئا في سفره هذا أو لا؟ فإن كان قد قصر شيئا من الرباعيات فإنه يستمر في القصر، حتى يدخل العمران، وإن كان لم يقصر في سفره فإنه لا يقصر في الأميال (عندما يبقى أقل من فرسخين) ولو لم يدخل عمران وطنه.

تنبيهات في محلها

ونبّه الصوافي من التوسع في الجمع بين الصلاتين في حاجة ولغير حاجة قائلا: وقد توسع الناس في الجمع في السفر في حاجة ولغير حاجة.. وقد نبّهنا أن ذلك مما لا ينبغي ومن هذه الظواهر: أن بعضهم قد يكون ماكثا في مكان لأداء مهمة كالعزاء أو ضيافة فيحضر وقت صلاة الظهر مثلا فيصلي الظهر مع الجماعة ثم يصلي العصر معها مباشرة، ويبقى مع الناس فإذا جاء وقت صلاة العصر قام الناس لصلاتهم، وبقي هو جالسا ينظر إلى الناس وهم يصلون.. وهذه ظاهرة سيئة مخالفة لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما دام يعلم من نفسه أنه سيبقى إلى وقت الصلاة الثانية فما الذي يدفعه إلى الجمع.. مشيرا إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر من دخل المسجد والجماعة قائمة أن يصلي معهم ولو كان قد صلى في أهله، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لرجلين رآهما جالسين والجماعة تصلي: ألستما بمسلمين؟ فلما اعتذرا له بانهما صليا في أهلهما بين لهما إن من صلى بأهله ثم جاء المسجد والجماعة قائمة فانه يصلي معهم ويجعلها سبحة (أي نافلة) فإذا كان هذا فيمن صلى الصلاة في وقتها في مكان آخر فكيف يتعمد الإنسان الجمع ثم يبقى إلى وقت الصلاة الثانية فيقوم الناس للصلاة ولا يقوم معهم. وبين فضيلته أن من بين هذه الظواهر السيئة أيضا أن كثيرا من الناس يتوسع بجمع الصلاة العصر مع صلاة الجمعة في حاجة ولغير حاجة.. مؤكدا أنه قد يترتب على هذا الجمع الوقوع في مخالفات شرعية كالمرور بين يدي المصلين وهو تخطي الرقاب، كما قد يحدث معه أيضا تداخل بين أصوات الإمام عند الدعاء وأصوات من يصلون العصر، ولهذا فإننا ندعو إلى ترك الجمع بين الجمعة والعصر ما أمكن ذلك وأن يجعل الجمع للحاجة الماسة عندما يجد الإنسان مشقة ظاهرة في تأخير العصر إلى وقتها، وفي هذه الحالة ينبغي أن يجتمع المسافرون في مكان معلوم من أول الأمر بحيث لا يحتاجون إلى الانتقال أو المرور بين ايدي المصلين أو نحو ذلك. وأضاف: ومن هذه الظواهر أيضا أن كثيرا من الطلبة ممن يدرسون في جامعات أو كليات خارج بلادهم يتساهلون في الجمع بين الصلوات، طوال سنين الدراسة كل ذلك تكاسلا ثم بعد ذلك يبقى في السكن ويسمع الأذان ولا يخرج للصلاة أو يذهب إلى الأسواق وبعضهم قد يتعلل بأنه في حاجة إلى الوقت من أجل المذاكرة مع أن الصلاة لا تأخذ إلا وقتا يسيرا، وهي تبعث في المصلي النشاط وصفاء الذهن وفيها تجديد للهمة وقد يقع ذلك أيضا من بعض المسافرين للعمل فيبقى السنين الطوال وهو يجمع بين الصلاتين.. موضحا فضيلته أننا لو أدركنا سر الصلاة والحكمة من مشروعيتها وعظم الموقف الذي يقفه الإنسان المصلي لأحببنا الصلاة ولتعلقت قلوبنا بها، ولهذا كان رسول الله -صلى عليه وسلم- يقول: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ويقول لبلال: «أرحنا بها يا بلال».

وأوضح قائلا: إن المسافرين الذين يرجعون إلى أوطانهم يوميا فان كان لا يشق عليهم تأخير الصلاة الثانية إلى وقتها فيؤمرون بعدم الجمع إذ لا يحسن أن يسمعوا الأذان ثم يقعدوا عن الذهاب إلى الصلاة أما عند حدوث المشقة فالجمع إنما شرع لرفع المشقة والإنسان طبيب نفسه فينبغي أن يحملها على ما فيه خيرها وليحذر الإنسان من أن يعطي نفسه هواها فإن النفس تقود الإنسان إلى ما فيه ضرره.

الاقتداء بالسنة

واختتم فضيلته الحديث لـ«عمان» قائلا: وينبغي لأهل العلم والمنظور إليهم من أهل الصلاح والثقات أن يكونوا حريصين على الاقتداء بالرسول- صلى الله عليه وسلم- والأخذ بهديه وينتبهوا لمثل هذه الظواهر فيكونوا عونا للناس على ترك ما هو مخالف لهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا ينبغي أن يكونوا هم في مقدمة من يقع في هذه الأخطاء فإن الناس يقتدون بهم ويحتجون بفعلهم وهذا من شأنه أن يتسبب في استمرار هذه الظاهرة والمراد اختفاؤها.